وليس جزاء كجزاء سنمار، فأمام عسكرة مؤسسات الدولة، لم يستثن من ذلك القضاء الذين دخلوا ضمن الدورات التدريبية الالزامية لموظفي جهاز الدولة بالكليات والهيئات العسكرية.
ففي 16 ديسمبر الماضي، أعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة، تخريج دفعة جديدة من المعينين بالهيئات القضائية، بعد إتمام تدريبهم بالأكاديمية العسكرية، وخلال يناير الجاري، أعلن القضاة بعد نحو ما يزيد عن شهر، عن رسوب من أبناء القضاة والمستشارين عدد 47 بدفعة مجلس الدولة، و26 بدفعة تظلمات النيابة الإدارية، ونحو 100 بدفعة النيابة العامة وتظلماتها، بينما هيئة قضايا الدولة لم تصدر نتيجتها إلى الآن!
ورغم توجيه وزير العدل بحكومة السيسي الشكر للجيش على تأهيل كوادر ذات “وعي وطني مستنير” بحسب ما قال إلا أن غضبًا بين القضاة أعلنوا عنه في مرة سابقة، وتكرر بعد رسوب أبنائهم للمرة الثانية في الدورات العسكرية الرياضية في دورة أنتهت في ديسمبر الماضي.
وفي 9 يوليو الماضي، كشف قضاة عن رسوب العشرات المعينين بالقضاء دفعة 2020، في اجتياز اختبارات الكلية الحربية المؤهلة لحضور دورة تدريبية بها، تسبق تعيينهم، لأسباب تتعلق بزيادة وزنهم وعدم لياقتهم صحيًا وبدنيًا، فيما منحتهم “الحربية” فرصة ثانية لإعادة الاختبار، بحسب “مدى مصر”.
وقال مراقبون إن السلطة القضائية كانت أبرز المستهدفين بعد أن تعمدت الكلية الحربية ترسيب عدد من القضاة، ودفعت الرئاسة لرفض تعيينهم بدعوى عدم اجتيازهم الدورة العسكرية، ليتحول بعد ذلك الحصول على شهادة التدريب شرطا للتعيين بجميع الوظائف المدنية.
واعتبر القضاة في يوليو 2023 أن عسكرة مصر فى دستور وقوانين السيسى العسكرية الباطلة وصل الى هيمنة العسكر على تعيين مديرى المدارس الوطنية المدنية وقبلها الى تعيين أئمة المساجد ومسابقات اختيار المعلمين الجدد ورفض القضاة فرمان التحاق القضاة الجدد بدوره فى الكلية الحربية نظير قبول تعينهم قضاة.
فأعلن رئيس نادي القضاة المستشار محمد عبدالمحسن في 21 يوليو 2023 رفضه للإجراء العسكري، ووجه خطابا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء يرفض فيه قرار حكومة السيسي بإلزام القضاة الجدد بدورات تدريبية حكومية بـ” الكلية الحربية” كشرط رئيسي للتعيين، واعتباره أن ذلك تدخل في أعمال السلطة القضائية.
وتساءل @DrGamal: “هل يصح للسلطة العسكرية تكون أعلي السلطات الثلاثة، التنفيذية- باعتبار الجيش مسؤول عن الأمن داخل الوطن وعلي الحدود/ والتشريعية – باعتبار الجيش- حسب الدستور مسؤول عن العملية الديمقراطية/ والقضائية – باعتبار نداء رئيس نادي القضاة -ورفض الإجبار علي دورات في الكلية الحربية قبل التعيين؟”.
كما تساءل @FreedomEgy: “عايز تخلي القضاه ياخدوا دورة تدريبية في الكلية الحربية يا ساقط اعدادية!!”.
شروط التعيين
وتتمثل شروط تعيين القضاة:
أن يكون متمتعًا بالجنسية المصرية، وكامل الأهلية المدنية، ولا يزيد سنه عند التعيين عن 30 سنة، وألا يقل سنه عن 30 سنة إذا كان التعيين بالمحاكم الابتدائية وعن 38 سنة إذا كان التعيين بمحاكم الاستئناف وعن 41 سنة إذا كان التعيين بمحكمة النقض.
وأن يكون حاصلاً على إجازة الحقوق من إحدى كليات الحقوق بجامعات مصر أو على شهادة أجنبية معادلة لها وأن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة طبقًا للقوانين واللوائح الخاصة بذلك، وألا يكون قد حُكِمَ عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف ولو كان قد رُدَ إليه اعتباره.
وأن يكون محمود السيرة حسن السمعة، ولا يجوز أن يعين أحد مباشرةً من غير معاوني النيابة في وظيفة مساعد إلا بعد تأدية امتحان تحدد شروطه وأحكامه بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.
استمرت التعيينات في السلطة القضائية بتلك المحددات حتى استحدث الشرط الجديد الخاص بالدورة التأهيلية، ففي 22 إبريل 2023، استحدث رئيس حكومة السيسي شرط مفاجئ يُلزم جميع المعينين في كافة قطاعات وجهات وهيئات الدولة بالحصول على دورة تأهيل في الأكاديمية العسكرية بالقاهرة مدة 6 أشهر ما أثار غضب القضاة حينها، وأعلنوا عن رفضهم القاطع لقرار رئيس حكومة السيسي مصطفى مدبولي، بإخضاع المعينين في القطاع الحكومي إلى دورات تدريبية حكومية بالأكاديمية العسكرية كشرط رئيسي ضمن مسوغات التعيين، وشمول المعينين في الهيئات والجهات القضائية المختلفة سواء كانت نيابة عامة أو مجلس الدولة أو نيابة إدارية أو هيئة قضايا الدولة.
قبل قرار مجلس الوزراء، كانت تعيينات أعضاء الجهات والهيئات القضائية تخضع فقط لقانون السلطة القضائية وتحديدًا المادتين 38 و116 الخاصتين بشروط تعيين أعضاء الهيئات القضائية والنيابة العامة، والتي خلت من أي شرط إلزامي بخضوع المعينين الجدد لدورات تأهيلية بالكلية الحربية واجتيازها كشرط للتعيين، بل إنهما حددتا طرقًا محددة جميعها تخضع للسلطة القضائية.
وفي تصريحات صحفية قال محمد محمود مهران – المتخصص في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي- أن التظلم يعد حقًا أصيلاً كفله الدستور المصري والقانون وكذلك كافة المواثيق الدولية، إلا أنه لا يجوز أن يقتصر على فئة واحدة دون بقية أفراد الشعب.
وأضاف أنه من غير المقبول التمييز في إعادة الاختبارات التأهيلية للدورة التدريبية، إذ أن المادة 53 من الدستور تنص صراحة على أن “المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم”، لافتًا إلى أن أي استثناء لفئة معينة دون غيرها يتعارض مع هذا المبدأ الدستوري.
وبين أن القضاة باعتبارهم آباء يتمتعون بكامل الحقوق الدستورية والقانونية في الدفاع عن مصالح أبنائهم كأي مواطن مصري، مشيرًا إلى أن تحركهم للمطالبة بحقوق أبنائهم أمر مشروع ومكفول بالقانون، لكنه أوضح أن هذه المطالب يجب أن تتم في إطار القانون والدستور وبما يضمن المساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز، مشددًا على أن النجاح في تحقيق مطلب إعادة الاختبارات يجب أن يستفيد منه جميع المتقدمين وفق معايير موحدة وشفافة، تحقيقًا لمبدأ المساواة أمام القانون الذي يعد من أهم مبادئ القضاء المصري.
يشار إلى أن السيسي في يوليو 2022، أصدر قرارا بتولي اللواء صلاح الرويني، رئيس القضاء العسكري، منصب نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، والقائد العسكري يؤدي اليمين القانونية، لتصبح المؤسسة العسكرية على بعد خطوة واحدة من رئاسة المحكمة الدستورية، أعلى المحاكم المدنية المصرية.