آثارت تعديلات قانون الإجراءات الجنائية التى وافق عليها برلمان السيسي قبل أيام حالة من القلق والاستنكار بين المصريين عامة وبين المعنيين بحقوق الإنسان والانتهاكات السياسية والقمع والاستبداد خاصة .
القانون يتضمن نصًا يتيح مراقبة الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي، ما أثار مخاوف حقوقية واسعة من احتمالات انتهاك الخصوصية، فضلًا عن تعارض النص مع الدستور .
وأعرب حقوقيون عن تخوفهم من احتمالات الملاحقة القضائية للمواطنين نتيجة مراسلات خاصة لا تتعلق باتهامات جنائية
كان عدد من الحقوقيين قد طالبوا منتصف نوفمبر الماضي بضرورة إدخال تعديلات جوهرية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح من اللجنة التشريعية لبرلمان السيسي.
وقالوا إنهم أعدوا نصوصا ومقترحات بديلة لقانون الانقلاب شملت 184 مادة من أصل ما لا يقل عن 540 مادة تضمنها القانون، وقدم الحقوقيون المقترحات في ملف كامل يحتوي على 50 ورقة تضمن جدولًا يضم نص المشروع المقترح من اللجنة التشريعية، ونص قانون الإجراءات الجنائية الحالي رقم 150 لسنة 1950، والتعديلات المقترحة من جانبهم بالحذف والإضافة.
قوانين الاستبداد
يشار إلى أن المادة رقم 79 من قانون الإجراءات تنص على أنه: “يجوز لعضو النيابة العامة، بعد الحصول على إذن من القاضي الجزئي، أن يصدر أمرًا بضبط جميع الخطابات، والرسائل، والبرقيات، والجرائد والمطبوعات، والطرود، وأن يأمر بمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف أو الأجهزة أو أية وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائط الحاوية لها أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.”
وتنص المادتان 79 و 116 من قانون الإجراءات الجنائية على منح النيابة العامة صلاحية مراقبة وتسجيل المراسلات والهواتف، والتنصت على الاجتماعات الخاصة، بشرط الحصول على إذن قضائي مسبب لمدة 30 يومًا، مع إمكانية تجديده لفترة أو فترات مماثلة.
فيما تنص المادة 79 على تطبيقه “في أي جناية أو جنحة تزيد عقوبتها على الحبس لمدة ثلاثة أشهر”.
كما تنص المادة 116 على إمكانية استخدام هذه الصلاحيات إذا كان من شأنها المساهمة في كشف الحقيقة في تحقيقات تتعلق بجنايات محددة وفق أبواب قانون العقوبات، مثل الجرائم الماسة بأمن دولة العسكر من الخارج أو الداخل، وجرائم المفرقعات، والرشوة، واختلاس المال العام، والعدوان عليه، والغدر، إضافة إلى الاختصاصات الأخرى المقررة للنيابة العامة بموجب القانون.
“الأمن السياسي”
من جانبه قال مالك عدلي – مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية- إن الدستور والقانون يكفلان سرية المراسلات الخاصة وخصوصيتها، في الوقت ذاته أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قضية عامة تؤثر على الجميع، حيث تُعتبر المنصات الاجتماعية مكانًا عامًا يتطلب تطبيق القانون العادي عند ارتكاب الجرائم من خلالها، مثل الابتزاز أو التشهير وغيرهما من الجرائم، ومع ذلك، تبرز المخاوف بشأن المراقبة والتجسس على المراسلات الخاصة، التي يفترض أن تكون مشروطة بتحريات جدية وتطبيق عادل للقانون.
وكشف “عدلي” فى تصريحات صحفية أن المشكلة الرئيسية تكمن في احتمالات إساءة استخدام القوانين، مؤكدا أنه من الوارد أن تُستخدم المراقبة في كثير من الأحيان ضد المعارضة السياسية أو من ينتقدون الأوضاع الاقتصادية والحكومية، ولا تقتصر فقط على المجرمين أو المتهمين في قضايا جنائية .
وحذر من أن الأمر لن يتعلق فقط بما يُكتب على الصفحات أو المنشورات العامة عمومًا، لكن المراقبة في هذه الحالات تتعلق بالمراسلات الخاصة، وبالتالي يصبح الجميع في مرمى الاتهام مشيرا إلى أن بعض النصوص القانونية تُستحدث أحيانًا بذريعة مواجهة الجرائم الكبرى، لكنها قد تُستغل بشكل يهدد الحريات العامة وخصوصية الأفراد.
وأضاف “عدلي” : ليس لدينا مشكلة مع النصوص القانونية إذ يتم إقرارها لحفظ السلم العام، لكن ما نخشاه هو توظيف بعضها لمواجهة المعارضة السياسية أو أصحاب الرأي المعارض، مشددًا على ضرورة التفريق بين الأمن الجنائي، الذي يهدف إلى مواجهة الجرائم الخطرة مثل الجريمة الإلكترونية، وبين “الأمن السياسي”، الذي يهدف إلى السيطرة على المعارضة ومنع النقد والاحتجاج، ما يُعد انتهاكًا واضحًا للحريات، وقد ينتج عنه توسيع إجراءات ملاحقة المعارضين أو أي شخص ينتقد أداء بعض المؤسسات.
حوار مجتمعى
وأوضح أن قانون الإجراءات الجنائية له أهمية كبيرة، حيث يُطلق عليه في علم القانون “دستور العدالة الجنائية”، لذلك لا يمكن تمرير مثل هذا القانون دون حوار مجتمعي حقيقي، ودون الاستفادة من الخبرات العملية، وأيضًا من دون مراعاة الاعتراضات التي قد تطرأ، محذرا من أن عدم مراعاة هذه الاعتراضات في قانون مهم كهذا، الذي يتعامل مع حرية الأفراد وحقوقهم، يؤدي إلى عدم خدمة المجتمع بشكل صحيح.
وقال “عدلي” : عند إعداد قانون، من المفترض أن يكون الهدف من ذلك مساعدة الأجهزة المعنية على تنفيذ القانون بكفاءة، وتطوير قدراتها لتواكب التطور التكنولوجي والعلمي في مجال مكافحة الجريمة، علاوة على ذلك، ينبغي سد الثغرات التي كانت تُستغل في التطبيق السابق للقانون، لكن إذا قررنا عدم معالجة هذه الثغرات وتركنا الأمور تسير بدون الرقابة المناسبة أو وسائل التنفيذ الفعّالة، فإننا نضع أنفسنا أمام مشكلة، على سبيل المثال، كان قانون الإجراءات الجنائية القديم ينص على أن أي خطأ في تطبيق القانون يؤدي إلى بطلانه، وهذا أمر يفتقده القانون الحالي، مما قد يؤدي إلى خلل في تطبيق العدالة.
انتهاك البراءة
وانتقد المحامي المعني بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ياسر سعد تعديلات قانون الإجراءات الجنائية مؤكدا أن هذا القانون يعتبر جميع المصريين “متهمين حتى تثبت براءتهم” .
وقال “سعد” فى تصريحات صحفية : فيما يتعلق بمجال الحقوق والحريات هناك أمر هام للغاية لا يتم تناوله بشكل كافٍ في القوانين المكتوبة، رغم أنه يظهر في أحكام المحاكم، خصوصًا في قرارات محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا، هذا الأمر هو المبادئ القانونية العامة، التي تعكس ما يصل إليه التشريع في دولة ما بناءً على ما واجهته من منازعات وإشكاليات تتعلق باحتياجات المجتمع.
وأشار إلى أن التشريع المصري لا يعتمد فقط على الدستور والاتفاقيات الدولية، بل يأخذ أيضًا بعين الاعتبار الاجتهاد القضائي مثال على ذلك مسألة تسجيل المكالمات الهاتفية أو مراقبتها، موضحًا أن هذا الإجراء ينبغى أن تكون له ضوابط محددة، مثل مراقبة هواتف المجرمين أو التحقق من حالات معينة كالاتصالات المزعجة، ولكن ليس لتعميم المراقبة على المواطنين بشكل عام دون وجود بلاغات أو تحقيقات.
واعتبر “سعد” أن ما يحدث الآن هو انتهاك لقرينة البراءة المنصوص عليها في الدستور، إذ يشعر المصريون أنهم جميعًا في موضع اتهام، لأن القانون يجيز للنيابة العامة أو المحكمة مراقبة وتسجيل المكالمات الهاتفية للمتهمين فقط، لكن تجاوز هذه الحدود يضعنا أمام مشكلة قانونية وأخلاقية كبرى، مشيرًا إلى أن القضاء ممثلًا في محكمة النقض والدستورية العليا، ألغى العديد من الإجراءات غير القانونية سابقًا، مثل الأدلة المستمدة من تسجيلات باطلة، إذا كانت الأدلة غير قانونية، فإن المحكمة تلغيها بالكامل، حتى لو تضمنت اعترافات المتهم، ويؤكد أن هذا الأساس في النظام القانوني يهدف إلى حماية حقوق المواطنين وضمان عدالة الإجراءات مشيرا إلى أن التشريع الجديد الذي يُناقش يثير القلق، إذ يمنح الجهات الأمنية سلطات واسعة لتجاوز هذه الضوابط، وهذا يعيدنا إلى الوراء عشرات السنين، إلى حقبة شهدت انتهاكات واسعة لحقوق المصريين، وهو أمر يتعارض مع ما تم تحقيقه من إصلاحات قانونية عقب فترات النضال الطويلة.
وأعرب عن أمله فى أن يتم الالتزام بالدستور موضحا أن المشكلة ليست فقط في تطبيق القوانين، بل في غياب المساواة، وأن هذا التشريع يفترض أن المواطن المصري متهم حتى تثبت براءته، وليس العكس، وأن التصور يهدم الأساس الدستوري الذي يُفترض أن يحمي المواطنين ويضع الجميع على قدم المساواة أمام القانون.