أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده ستسيطر على قطاع غزة بعد تهجير الفلسطينيين وتوطينهم في عدّة دول “أو منطقة واحدة كبيرة” ردات فعل واسعة حول العالم، فيما لاقى ترحيباً ومباركة إسرائيليين.
ولاقت تصريحات ترامب تفاعلاً في الساحة السياسية الإسرائيلية، وسط ترحيب كبير بدعوته إلى تهجير سكان غزة من القطاع إلى دول أخرى، وهي تصريحات من شأنها أيضاً تعزيز ائتلاف حكومة الاحتلال بزعامة بنيامين نتنياهو، وتشجيع مركبات فيها على البقاء رغم الخلافات الداخلية في بعض القضايا ومركبات أخرى على العودة.
أول الردود جاء من المملكة العربيّة السعودية، التي يجهز لها الرئيس الأميركي مخططاً لضمها إلى اتفاقيات التطبيع؛ حيث أعلنت وزارة الخارجية السعودية، في بيان رسمي، أن موقفها من قيام الدولة الفلسطينية “راسخ وثابت لا يتزعزع”، لافتة إلى أن وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، “أكد هذا الموقف بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال”.
وقالت عضو مجلس النواب الديمقراطية الأميركية من أصول فلسطينية رشيدة طليب إن “الفلسطينيين لن يذهبوا إلى أي مكان”. ورأت أن ترامب “لا يستطيع سوى أن يبث الهراء المتعصب بسبب الدعم الحزبي في الكونغرس لتمويل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”، مطالبةً رفاقها الديمقراطيين بـ”دعم حل الدولتين وإعلاء الصوت”. وتقاطع موقف طليب مع موقف زميلها السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن؛ إذ عدّ اقتراح ترامب بطرد مليوني فلسطيني من غزة والاستيلاء على أرضهم بالقوة “إذا لزم الأمر”، بأنه “تطهير عرقي تحت مسمى آخر”. ولفت إلى أن ترامب “يتحدى الدعم الأميركي الحزبي على مدى عقود لحل الدولتين”، مطالباً الكونغرس بـ”الوقوف في وجه هذا المخطط الخطير والمتهور”، على حد وصفه.
وفي الإطار، كتب السيناتور الأميركي الديمقراطي كريس ميرفي في منشور على منصّة “إكس” أن ترامب “فقد عقله تماماً”، معتبراً أن “غزو الولايات المتحدة لغزة سيفضي إلى مذبحة لآلاف الجنود الأميركيين وحرب في الشرق الأوسط لعقود. إنها مثل مزحة رديئة”.
وفي الأثناء، وصف عضو مجلس النواب الديمقراطي، جيك أوشينكلوس، في مقابلة مع قناة نيوز نيشن إعلان ترامب بـ”متهور وغير معقول”، وأضاف أنه “قد يفسد المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس”. وأضاف: “يتعين علينا أن ننظر إلى دوافع ترامب. وكما هو الحال دائماً، عندما يقترح ترامب بنداً سياسياً، هناك صلة بالمحسوبية وخدمة الذات”. وفي إشارة إلى ترامب وصهره جاريد كوشنر، قال: “يريدان تحويل القطاع إلى منتجعات”.
كذلك قال رئيس برنامج الشرق الأوسط في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية، جون ألترمان، إنه “ينحدر العديد من سكان غزة من فلسطينيين فروا من أجزاء من إسرائيل الحالية ولم يتمكنوا قط من العودة إلى ديارهم السابقة. وأنا أشك في أن الكثيرين منهم قد يكونون على استعداد لمغادرة غزة المحطمة”. من جهته، اعتبر مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، أن غزة “مِلك للشعب الفلسطيني، وليس للولايات المتحدة”، عادّاً دعوة الرئيس ترامب إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم “غير مقبولة على الإطلاق”. ورأى أنه “إذا ما طُرد الشعب الفلسطيني قسراً من غزة، فإن هذه الجريمة ضد الإنسانية من شأنها أن تشعل صراعاً واسع النطاق، وتدق المسمار الأخير في نعش القانون الدولي، وتدمر ما تبقى من صورة أمتنا ومكانتها الدولية”.
أمّا المعهد العربي الأميركي، فرأى أنه “إذا كان الرئيس مهتماً حقاً بإحلال السلام في الشرق الأوسط، فعليه دعم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية، ووفقاً للقانون الدولي، لا أن يتحدث عن النقل القسري غير القانوني”.
تركيا
ندّد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بمشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنقل الفلسطينيين خارج قطاع غزة، واصفاً إيّاه بـ”غير المقبول”. وقال فيدان في تصريحات لوكالة أنباء الأناضول التركية إن “تصريحات ترامب بشأن غزة غير مقبولة”، مؤكّداً أن “طرد (الفلسطينيين) من غزة مسألة غير مقبولة، لا من جانبنا، ولا من جانب بلدان المنطقة. ولا حاجة حتّى لمناقشتها”.
بريطانيا
قال رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، اليوم، في أعقاب تصريحات دونالد ترامب، إن شعب غزة “يجب أن يُسمح له بالعودة إلى دياره”، ويجب أن تكون المملكة المتحدة “معهم” في إعادة البناء على الطريق إلى حل الدولتين. وأضاف، رداً على سؤال السير إيد ديفي في مجلس العموم بشأن تصريحات الرئيس ترامب: “القضية الأكثر أهمية بشأن وقف إطلاق النار، هي أنه مستدام، ونرى ذلك من خلال المراحل”.
وقال إن هناك صورتين ثابتتين في ذهنه: “الصورة الأولى هي لإميلي داماري (المرأة البريطانية الإسرائيلية التي احتُجزت رهينة) وقد اجتمعت مع والدتها. والصورة الثانية هي لآلاف الفلسطينيين يسيرون بين الأنقاض في محاولة للعثور على منازلهم ومجتمعاتهم في غزة. وتابع: “يجب السماح لهم بالعودة إلى ديارهم، ويجب السماح لهم بإعادة البناء، ويجب أن نكون معهم في عملية إعادة البناء هذه على الطريق إلى حل الدولتين”.
من جانبه، علّق وزير الخارجية، ديفيد لامي، في رد مكتوب بعناية على سؤال في مؤتمر صحافي في كييف عما إذا كانت فكرة ترامب، التي جرت إدانتها على نطاق واسع، باعتبارها تطهيراً عرقياً، ستشكل خرقاً للقانون الدولي، وقال وزير الخارجية البريطاني: “دونالد ترامب على حق… بالنظر إلى تلك المشاهد للفلسطينيين الذين نزحوا بشكل مروّع على مدى أشهر عديدة من الحرب، من الواضح أن غزة ترقد تحت الأنقاض”. لكنه أضاف: “لقد كنا دائماً واضحين في وجهة نظرنا أنه يجب أن نرى دولتين، ويجب أن نرى الفلسطينيين قادرين على العيش والازدهار في وطنهم في غزة، في الضفة الغربية. هذا ما نريد الوصول إليه”.
وأردف: “لهذا السبب، من المهم أن ننتقل من المرحلة الأولى من صفقة الرهائن هذه، إلى المرحلة الثانية، ثم إلى المرحلة الثالثة، وإعادة إعمار غزة. وسنلعب دورنا في دعم إعادة الإعمار، بالعمل جنباً إلى جنب مع السلطة الفلسطينية والشركاء الخليجيين والعرب. وهذا هو الضمان لضمان مستقبل للفلسطينيين في وطنهم”.
فرنسا
رفضت فرنسا، اليوم الأربعاء، تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الولايات المتحدة ستسيطر على غزة، بعد إعادة توطين سكان القطاع في أماكن أخرى، قائلة إن ذلك انتهاك للقانون الدولي، ويؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كريستوف لوموان في بيان: “فرنسا تكرر معارضتها لأي تهجير قسري للسكان الفلسطينيين في غزة، الذي من شأنه أن يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، وهجوماً على التطلعات المشروعة للفلسطينيين، ويعد أيضاً عقبة رئيسية أمام حل الدولتين وعاملاً رئيسياً لزعزعة استقرار شريكينا المقربين، مصر والأردن، والمنطقة بأسرها أيضاً”. وأضاف لوموان أن مستقبل غزة يجب ألا يكون في إطار سيطرة دولة ثالثة، بل في إطار دولة فلسطينية مستقبلية.
الصين
أعلنت الصين أنها تعارض “النقل القسري” للفلسطينيين من قطاع غزة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان، رداً على سؤال عن خطة ترامب في مؤتمر صحافي دوري: “لقد أكدت الصين دائماً أن الحكم الفلسطيني للفلسطينيين هو المبدأ الأساسي للحكم في غزة بعد الحرب، ونحن نعارض النقل القسري لسكان غزة”، حسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل اليوم الأربعاء.
روسيا
من جانبه، قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، اليوم الأربعاء، إن روسيا تعتقد أن التسوية في الشرق الأوسط ممكنة فقط على أساس حل الدولتين. وشدد بيسكوف على موقف موسكو بأن السبيل الوحيد لحل الصراع في الشرق الأوسط هو إنشاء دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل. وقال للصحافيين: “هذه هي الفرضية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذي الصلة، وهذه هي الفرضية التي تتوافق عليها الغالبية العظمى من البلدان المعنية بهذه المشكلة. ننطلق منها ونؤيدها، ونعتقد أن هذا هو الخيار الوحيد الممكن”. وأضاف بيسكوف أن فكرة ترامب بشأن إعادة التوطين قوبلت بالرفض من قبل العواصم العربية الكبرى.
البرازيل: اقتراح ترامب بشأن غزة يستعصي على الفهم
إلى ذلك، أكد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، اليوم الأربعاء، أنّ اقتراح نظيره الأميركي “سيطرة” الولايات المتحدة على قطاع غزة “يصعب فهمه”، مؤكداً أن “الفلسطينيين هم الأجدر بالاهتمام بمصير أرضهم”. وقال الرئيس اليساري، في مقابلة مع الإذاعة البرازيلية، إنّ “الذين يجب أن يهتموا بمصير غزة هم الفلسطينيون الذين يحتاجون إلى تعويضهم عن كل ما دُمّر حتى يتمكنوا من إعادة بناء منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم والعيش بكرامة واحترام… الاقتراح يصعب تقريباً فهمه”.
أستراليا
برز الموقف الأسترالي، حيث أعلن رئيس الوزراء، أنتوني ألبانيز، أن موقف بلاده “هو عينه مثلما كان العام الماضي”، مؤكداً دعم حكومته “حل الدولتين”.
اسكتلندا
انتقد رئيس الوزراء الاسكتلندي، جون سويني، خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاستيلاء على غزة وتهجير الفلسطينيين من القطاع إلى دول مجاورة، ولا سيما مصر والأردن. وقال سويني، في منشور على منصة إكس الأربعاء: “بعد أشهر من العقاب الجماعي في غزة ومقتل أكثر من 40 ألف شخص، فإن أي مقترح لتهجير الفلسطينيين من منازلهم أمر غير مقبول وخطير”. وذكر أنه يعارض التطهير العرقي، وأن حل الدولتين فقط هو الذي سيحقق السلام الدائم.
العفو الدولية
في غضون ذلك، اعتبر المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة، بول أوبراين أن “إبعاد جميع الفلسطينيين عن غزة يعادل تدميرهم بصفتهم شعباً. غزة هي موطنهم”. وأقر بأن “الموت والدمار الذي حل بغزة هو نتاج قتل حكومة إسرائيل المدنيين بالآلاف، وغالباً بالقنابل الأميركية”.
هيومن رايتس ووتش تحذر من تهجير الفلسطينيين
من جهتها، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن “تهجير الفلسطينيين سيكون عملاً شنيعاً من الناحية الأخلاقية”، مضيفةً أن “الولايات المتحدة ستكون متواطئة في الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية في غزة طالما استمرت في توفير الأسلحة وغيرها من المساعدات العسكرية. ارتكبت السلطات الإسرائيلية خلال هجماتها على غزة جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وأفعال الإبادة الجماعية”.