أثار قرار رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي بتشكيل 6 لجان استشارية بزعم المساعدة في تحقيق المستهدفات، مشيرا إلى أن حكومة الانقلاب سيكون دورها مساعدة هذه اللجان في الوصول إلى هذا الهدف انتقادات خبراء الاقتصاد، مؤكدين أن العودة إلى رجال المخلوع حسني مبارك لن يحقق أي انجاز في الوقت الحاضر كما أنه يكشف فشل حكومة الانقلاب.
وتساءل الخبراء ما جدوى تشكيل لجان جديدة في مجالات تعمل بها هيئات قائمة تملك صلاحيات وموارد كافية، وهل الهدف استشارة أم ازدواجية أدوار؟ وهل يؤدي ذلك إلى تعارض سياسات، وتكرار الجهود، وإهدار الموارد؟
وأكدوا أن هناك تجارب سابقة للجان تشكلت لمعاونة حكومة الانقلاب ثم انزوت بدون أثر ملموس، مثل اللجنة الوطنية الفرعية التنسيقية للوقاية من الفساد ومكافحته، واللجان التي تشكلت لتطوير التعليم والصحة وغيرها.
واعتبر الخبراء أن تشكيل هذه اللجان يأتي خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي الذي يطالب بإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في مختلف المجالات ويفرض شروطه على حكومة الانقلاب التي لا يهمها إلا الحصول على المزيد من القروض .
يشار إلى أن من بين الأسماء البارزة في اللجان من رجال الأعمال والسياسة في عهد المخلوع مبارك كل من: هشام طلعت مصطفى، وعلي الدين هلال، وعبد المنعم سعيد ورجل الأعمال أحمد عز، وحسن هيكل الذي كان مقربًا من جمال مبارك في لجنة السياسات.
عودة إلى المخلوع
من جانبه أكد المحلل السياسي الدكتور عمار علي حسن أن هذه الخطوة لا تمثل فحسب صورة من صور وفاء سلطات الانقلاب الحالية لنهج نظام المخلوع مبارك، بل تمتد إلى اتباع هذا النظام النهج نفسه الذي كان يسير عليه المخلوع.
وقال حسن في تصريحات صحفية: “كل التغيير الذي حدث اقتصر على تبديل بعض الجهات المنتفعة أو المستفيدة من السلطة السياسية الحالية، من دون أي تغيير جوهري في السياسات نفسها”.
وأضاف رغم أن بعض الوجوه التي كانت مرتبطة بنظام مبارك قد تكون متورطة في الفساد أو التواطؤ مع الاستبداد، إلا أن بعضها كان يتمتع بالكفاءة في مجاله، بعكس سلطات الانقلاب الحالية التي أحاطت نفسها بأشخاص يفتقرون إلى القدرات التي كانت متوفرة لدى نظرائهم في عهد المخلوع .
وقلّل حسن من أهمية تشكيل هذه اللجان، مؤكدا أن قرار تشكيل هذه اللجان أصدره رئيس وزراء الانقلاب، الذي لا يُعد رقمًا مهمًا في صناعة القرار، رغم أن الدستور يمنحه صلاحيات واسعة، إلا أنه لا يبدو متمسكًا بها.
واستبعد إمكانية نجاح هذه اللجان في حل الأزمة الاقتصادية أو المجالات المتعلقة بها، مشيرًا إلى أن الاقتصاد لا يمكن أن يشهد أي إصلاح حقيقي من دون إجراء إصلاحات سياسية تشمل الحريات، والتمثيل الحقيقي للشعب، والفصل بين السلطات، والالتزام بالدستور والقانون.
وتابع حسن : لا أعتقد أن هذه اللجان بتشكيلها الحالي قد تحدث فرقًا يُذكر؛ فأغلب أعضائها موجودون بالقرب من سلطات الانقلاب منذ البداية، ويُستعان بهم لتقديم تقارير، وكان بعضهم مشاركًا في الحوار الوطني، الذي لم يقدم جديدًا يُذكر، لكن، ثمة من يأمل أن يتم الاستماع إلى هؤلاء في ظل خبرتهم، بغض النظر عن ارتباطهم بالنظام القديم .
وشدد على أنه كان من المهم أن يدرك نظام الانقلاب، قبل تشكيل هذه اللجان أن الأزمة سياسية قبل أن تكون اقتصادية، وأمنية قبل أن تكون اقتصادية .
وهم كبير
وقال المحلل السياسي هشام قاسم: إن “أغلب القرارات التي يتخذها نظام الانقلاب ومنها تشكيل هذه اللجان والاستعانة بخبرات محسوبة على نظام المخلوع، تهدف فقط إلى الإيحاء بأن الأوضاع مرشحة للتحسن في المستقبل القريب، وهو وهم كبير، مؤكدا أن الأزمة سياسية في جوهرها وتحتاج إلى إجراءات جادة وتغيير حقيقي في السياسات، وليس إلى تشكيل لجان استشارية لن تُحدث أي تغيير ملموس”.
وشدد قاسم في تصريحات صحفية على أن طبيعة نظام الانقلاب تُفرغ عمل هذه اللجان الاستشارية من أي مضمون حقيقي، إذ إن صناعة القرار في مصر تظل محصورة في الدائرة الضيقة المحيطة بالسيسي، والتي لن تقبل أي مزاحمة لها من شخصيات خارج هذا الإطار، وبالتالي، فإن عمل هذه اللجان سيكون صوريًا.
وأشار إلى أن تشكيل هذه اللجان لا يَعدو كونه محاولة لتحسين صورة نظام الانقلاب أمام الرأي العام، معتبرا أن الاستعانة بشخصيات محسوبة على نظام المخلوع يعكس نقصًا في الوجوه المستعدة للتعاون مع النظام الحالي الذي يعاني من حالة من التراجع والاضطراب.
صندوق النقد
في المقابل توقع الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح أن يكون تشكيل هذه اللجان خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي، الذي شدد مرارًا على ضرورة إعطاء أولوية للقطاع الخاص بوصفه قاطرة التنمية والمسؤول عن توفير الوظائف، والقادر على إخراج مصر من أزمتها الاقتصادية.
وقال أبو الفتوح في تصريحات صحفية : إن “المهم تغيير السياسات الحالية، خاصة في ظل الاستعانة بهؤلاء الخبراء معتبرا أن انتماءهم لنظام المخلوع لا ينبغي أن يكون ذريعة لاستبعادهم، خصوصًا أن المختارين لم يثبت تورطهم في مخالفات ولم يتم إدانتهم في قضايا فساد”.
وأشار إلى أن نظام المخلوع رغم الخلاف معه، كان يضم شخصيات تتمتع بخبرات اقتصادية يمكن الرجوع إليها للاستفادة من خبراتها، مشددا على الطبيعة الاستشارية لهذه اللجان، كما ورد في توصيف مهامها من دون قدرة على إلزام حكومة الانقلاب بتحويل هذه التوصيات إلى قرارات فعلية.