في ظل الرفض العربي لمخطط ترامب بتهجير فلسطيني غزة اإلى مصر والأردن، والتصعيد السياسي الذي تشهده المنطقة العربية برمته، وبدء تلميحات للإدارة الأمريكية بعدم الاستعجال في التهجير، وغيرها من الصيغ الدبلوماسية التي لا تلغي المخطط العنصري، إلا أن المخاوف ما زالت مسيطرة على المشهد الفلسطيني.
إذ بدأت إسرائيل وأميركا تروّجان للخطة الأصلية، والتي تشمل أيضا التهجير من غزة إلى إندونيسيا وألبانيا.
اختيار إندونيسيا وألبانيا يعود إلى الخشية على حلفاء إسرائيل الأبرز بالمنطقة، سواء أكان السيسي أو ملك الأردن، المهددان بغضب شعبي كبير قد يطيح نظاميهما المطعبين مع إسرائيل، وفق تقديرات الدوائر السياسية الغربية.
وكانت الإدارة الأميركية وإسرائيل، تسعيان، منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى للتطبيع بين إسرائيل ودول إسلامية، وكان الحديث يدور حول إندونيسيا وماليزيا خصوصا، إضافة لألبانيا.
كما كان هدف الحديث عن التطبيع مع السعودية، هو نقل رسالة للدول الإسلامية الكبرى الرافضة للتطبيع مفادها أن الدولة التي تحتضن الحرمين الشريفين طبّعت العلاقات مع إسرائيل.
وتُعد إندونيسيا الرابعة في العالم من حيث عدد السكان، والأولى من حيث عدد المسلمين، وثالث أكبر الديمقراطيات.
إندونيسيا وألبانيا
بعدما تحدث الرئيس ترامب مع الصحفيين يوم 26 يناير 2025، حول اقتراحه نقل فلسطينيي غزة إلى مصر والأردن و”دول عربية وإسلامية أخرى”، نقل المحلل السياسي في “القناة 12” الإسرائيلية، وصحيفة “يديعوت أحرونوت، “عميت سيجال” عن مسؤولين كبار تأكيدهم أن تصريح ترامب بشأن تهجير فلسطينيي غزة إلى الدول الإسلامية ليس زلة لسان، بل هو جزء من تحرك أوسع بكثير مما يبدو، بالتنسيق مع إسرائيل.
وفي اليوم التالي ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن ترامب يخطط لنقل 100 ألف لاجئ فلسطيني من قطاع غزة إلى دول أجنبية مثل ألبانيا وإندونيسيا، في إطار رؤيته لتهجير القطاع الذي دُمر بفعل حرب إبادة شنتها إسرائيل لأكثر من 15 شهرا.
ولفتت القناة إلى أن التركيبة الديمغرافية في الأردن- التي تضم نسبة كبيرة من السكان الفلسطينيين- تعرقل الخطة، بينما في مصر يخشى السيسي تلك الخطوة وينظر إلى “الإخوان المسلمين” وحركة حماس كتهديد مباشر لنظامه.
وأكد سيجال أن “إدارة ترامب تجري محادثات مع حكومة تيرانا بشأن تهجير ما يصل إلى 100 ألف من فلسطينيي غزة إلى ألبانيا”.
وذكر أن السبب هو أن المصادر الإسرائيلية تعتقد أن مصر والأردن سترفضان استضافة اللاجئين، وأن خيارات مثل ألبانيا وإندونيسيا أكثر جدوى.
ويبدو أن ترامب وإسرائيل اختارا ألبانيا؛ لأنها سبق أن قبلت لاجئين، أرسلتهم لها أميركا، من المعارضة الإيرانية، والمهاجرين الأفغان بعد عودة طالبان إلى السلطة، والمهاجرين غير النظاميين الذين نقلتهم إيطاليا إلى ميناء شينغجين.
وبحسب القناة 12، فإن خطط ترامب لنقل 100 ألف فلسطيني إلى ألبانيا، ترجع إلى كونها دولة أوروبية فقيرة بحاجة إلى قوة عاملة، مع إمكانية تقديم حوافز كبيرة لإقناعها باستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين.
وليست هذه أول مرة يشير فيها ترامب إلى الأمر؛ فقبل تنصيبه بيومين، وفي مقابلة هاتفية على قناة “إن بي سي نيوز”، تحدث ترامب عن نقل جزء من فلسطينيي غزة لإندونيسيا.
وقالت القناة الأميركية، في 18 يناير: إن “إدارة ترامب تقترح إندونيسيا من بين الدول المستضيفة مؤقتا لفلسطينيي غزة البالغ عددهم مليوني نسمة”.
من جانبها، زعمت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن وزير الخارجية الإندونيسي السيد سوغيونو كان أحد النظراء الأوائل الذين تلقوا مكالمة هاتفية من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو و”رحب الأخير باستعداد إندونيسيا للدخول في عملية السلام بالشرق الأوسط وإعادة الإعمار بعد الصراع”، وفقا لبيان أميركي حول المكالمة.
رفض إسلامي
مثلما رفضت مصر والأردن، أعلنت إندونيسيا أن “أي محاولة لنقل فلسطينيي غزة هي إستراتيجية لطرد الفلسطينيين من بلادهم”، ورفضت طلب ترامب.
ونفت الخارجية الإندونيسية أن تكون حكومتها قد تلقت أي معلومات من أي طرف، عن أي خطط تتعلق بنقل بعض فلسطينيي غزة البالغ عددهم مليوني نسمة إلى إندونيسيا كجزء من جهود إعادة الإعمار بعد الحرب.
وقالت الحكومة الإندونيسية: إن “أي محاولات لتهجير أو إبعاد فلسطينيي غزة أمر غير مقبول على الإطلاق، وإن مثل هذه الجهود لإخلاء غزة من السكان لن تؤدي إلا إلى إدامة الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية، وتتوافق مع الإستراتيجيات الأوسع التي تهدف إلى طرد الفلسطينيين من غزة”.
أيضا نفى رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما، تلك الخطط، قائلا: “هذه أخبار كاذبة، لم يطلب منا أحد ذلك، ولن نتمكن من تحمّل هذا العبء”.
وقال: “إننا نتمنى ونصلي لكي تتاح للشعب الفلسطيني الفرصة للعيش في دولته، كشعب حر في ظل حكم ديمقراطي”.
وتشير صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في 27 يناير إلى أن أحد أهداف خطة ترامب لتهجير فلسطينيين لإندونيسيا وألبانيا ودول إسلامية أخرى هو إنقاذ حكومة نتنياهو.
ونقلت عن مصادر أن “الاقتراح المثير للجدل بتطهير غزة وتشجيع الدول العربية على استيعاب سكانها قد يُبقِي حزب (وزير المالية المتطرف الذي هدد بالانسحاب من الحكومة) بتسلئيل سموتريش في الائتلاف.
وربما يدفع (وزير الأمن المتطرف الذي استقال من الحكومة) إيتمار بن غفير، إلى العودة لحكومة نتنياهو، وبقاء الائتلاف اليميني قويا.
التطبيع
في تقرير نشره عام 2024، دعا معهد “ميتفيم” الإسرائيلي إلى أن تكون إندونيسيا جزءا من خطة اليوم التالي للحرب في غزة، وأن يتم استخدام قدرات إندونيسيا ومزاياها لتشكيل اليوم التالي للحرب في غزة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر.
وبرر الموقع ذلك بأن “إندونيسيا تمتلك أدوات وقدرات فريدة في الترويج للإسلام المعتدل، وبالتالي التعامل مع المجتمع الفلسطيني بعد الحرب”.
وزعم أن “التطبيع مع إسرائيل سيسهم في توسيع القاسم المشترك بين إندونيسيا ودول المعسكر السني المعتدل، التي سبق لها تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وهو ما يتيح لها أن تكون لاعبا أكثر نشاطا في قضايا الشرق الأوسط”، وفق تعبيره.
وأفصح المعهد الصهيوني عن الهدف، وهو ربط التهجير بالتطبيع، بقوله: إن “هذا يتم على خلفية توقيع اتفاقات أبراهام، وإمكانية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وبروز اسم إندونيسيا بعدها كمرشحة أخرى”.
وأشار أيضا إلى أن “هذه العلاقات الدبلوماسية مع إندونيسيا ستعد خطوة مهمة في طموح إسرائيل منذ بداية الطريق لإيجاد طريق إلى العالم الإسلامي، وأكبر دولة إسلامية في العالم”.
ويشير الإلحاح الأميركي والإسرائيلي على نقل فلسطينيين إلى إندونيسيا وألبانيا، للرغبة في استغلال ذلك ضمن خطط التطبيع مع الدول الإسلامية والتركيز على التطبيع مع السعودية، لمكانتها الدينية كونها دولة الحرمين الشريفين، لإقناع الدول الإسلامية أن تحذو حذوها.
وسبق أن أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في 22 سبتمبر 2023 أن إسرائيل تعتقد أن سلسلة من الدول الإسلامية تنتظر تطبيع السعودية علاقاتها مع تل أبيب؛ لتبرر لنفسها التطبيع وتحذو حذو “أهم دولة إسلامية” وهي بلاد الحرمين.
وأكدت أن تل أبيب تتوقع بعد الاتفاق مع السعودية، أن يكون هناك طوفان من تطبيع العلاقات مع العالم الإسلامي، سيشمل إندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش وسلطنة عمان وموريتانيا وجزر القمر ودولا إفريقية أخرى.
هذه التقارير حول “طوفان التطبيع القادم” هي سبب ترحيب صحف إسرائيل وتشجيعها لصفقة التطبيع مع السعودية، وتأكيدها أن الحرب التي اندلعت بين حماس وإسرائيل عرقلت هذا التطبيع الإسلامي، مثلما عرقلت التطبيع السعودي، وفق صحف آسيوية.
وقبل “طوفان الأقصى” جرت سلسلة لقاءات وترتيبات أشار لها نتنياهو ووزير خارجيته وكبار مسؤولي الموساد الذين يقودون هذه العملية التطبيعية، مع مسؤولي 6 دول إسلامية.
وتحدثوا عن ترتيبات فعلية للتطبيع معها، لا ينقصها سوى إعلان التطبيع السعودي الإسرائيلي كي تبرر هذه الدول لشعوبها سبب التطبيع وهو أنها تتبع بلاد الحرمين.
ورغم أن دولا إسلامية آسيوية عديدة، خاصة إندونيسيا وماليزيا- تعارض إقامة علاقات مع إسرائيل، أشارت تقارير صحفية عديدة إلى أن إسرائيل نجحت في إقامة علاقات سرية مع هذه الدول الإسلامية لتمهيد الطريق للتطبيع.
وفي أعقاب تطبيع إسرائيل للعلاقات مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، صرح سفير إسرائيل لدى سنغافورة، ساجي كارني، لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست” 7 أبريل 2021 أن الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا، خاصة إندونيسيا وماليزيا، يتوقع أن تقيم “علاقات مثمرة ” مع إسرائيل.
ومع السجالات الدائرة، يبقى الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه حجر العثرة أمام مشاريع لتهجير والإبادة الجماعية التي يديرها اليمين لصهيوني في إسرائيل وأمريكا.
وإن فشلت مخططات التهجير القسري للفلسطينيين نحو مصر والأردن، تبقى المخططات الأوسع، نحو دول آسيا وأوروبا الفقيرة، كأحد أركان المشروع الاستعماري لإسرائيل وأمريكا، والذي يحتاج لعم وإسناد عربي لصمود الفلسطينيين بالسلاح ولسياسة والمال والإعمار.