في وقت تخرج فيه غزّة من حرب إبادة غير مسبوقة، وبعدد شهداء باهظ (أكثر من 37 ألفاً)، وجرحى يتجاوزون المائة ألف، ناهيك عن مفقودين ومنكوبين تقدّر وكالات الأمم المتحدة أنهم يحتاجون عقوداً قبل أن يتعافوا وبيئاتهم الاجتماعية، فلا يرى الرئيس الفلسطيني الذي يقيم في مقر المقاطعة برام الله من ذلك شيئاً، فانشغالاته لا تشمل “تعاطفاً” من أي نوع أو درجة، بل إنه وهو بحكم منصبه يمثّل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة، لم يخاطب جزءاً أصيلاً من شعبه مرة واحدة بينما كان يُباد، ولم تذكر وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، أو حتى اللاتينية، أن عباس فعلها مرة واحدة.
ليفجع مرسوم عبّاس الصادر أخيراً بوقف مخصّصات عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، بل نقلها إلى مؤسسة أخرى، عائلات الشهداء والأسرى ، وفي هذا إهانة لتاريخ من الدم الذي بذله الفلسطينيون عبر تاريخهم لتحرير بلادهم، وليس تركها لعبّاس أو سواه ليعبث فيها ويهين رموزها.
وفي وقت ترفع فيه المقاومة شعار الصمود والتمسّك بالثوابت كي لا تذهب ريح الفلسطينيين في العالم، لكن عبّاس، بدلاً من الاستثمار في صمود شعبه، يهدر الفرصة ويبادر من طرف واحد لتقديم التنازلات، ولمن؟ لرئيس أميركي يقوم بتغيير قواعد اللعبة السياسية كلها، ما يعني أن عبّاس يتحرّك في الوقت الضائع، وضد نفسه قبل شعبه، باتخاذه قراراً بالغ السوء، كان يمكن تحمّل تبعاته لو كان ثمة ثمن كبير دُفع للفلسطينيين، مثل الاعتراف بدولة مستقلة حتى لو على الورق، أما أن يأتي قراره الآن، وعلى سبيل الرهان على تفهّم وتقدير من إدارة ترامب، والضغط بالتالي على نتنياهو فمجانية شائنة ومهينة للرجل (عبّاس) وشعبه مؤيدين أو معارضين، في الضفة الغربية أو قطاع غزّة .
تفريط وتآمر بمكانتهم
ومن جهتها قالت الكاتبة السياسية فادية البرغوثي: إن “السلطة الفلسطينية تتآمر على قدسية مكانة الشهداء والأسرى ورمزيتهم بين المواطنين في الشارع الفلسطيني”.
وأوضحت البرغوثي في تصريح أن هناك نقيضين واضحين في هذا الوطن؛ طرفٌ قدّم دماءه وأرواحه ومستقبله في سبيل تحرير الأسرى واسترداد كرامتهم، وطرفٌ فرّط بالأسرى والشهداء وبحقوقهم، ويتأمر على قدسيتهم ورمزيتهم.
وبينت أن تحويل ملف الأسرى والشهداء إلى ملف إداري بحت، وإحالته إلى عهدة “مؤسسة التمكين الاقتصادي”، مع تعديلات طالت قانون رعاية الأسرى، يُعدّ تجاوزًا خطيرًا.
وشددت على أن هذا القرار يهدف إلى تجريد هذه الفئات المناضلة من مكانتها الوطنية وحقوقها المشروعة.
وبينت هذا القرار، بجوهره، ينفي الرواية الوطنية الفلسطينية ويقوّض مكانة الأسرى والشهداء وقيمتهم النضالية، وحقهم المشروع في الدفاع عن فلسطين.
وأوضحت أن تبنّي فكرة أن الأسرى والشهداء “إرهابيون” بحيث تُخضع مستحقاتهم لأهواء ومعايير الجهات المانحة، التي تسير وفق محددات الاحتلال ومخططاته، أمر في غاية الخطورة.
وعدت البرغوثي القرار إهانةً لهذه الفئات المناضلة، إذ يُحوّلهم إلى مجرد فئة معوزة، مؤكدةً أن القرار يسعى إلى ربط التضحية بالفقر، والوطنية بالعوز.
وبيّنت أنه في الوقت الذي ينبغي فيه التمسك بالقضايا الوطنية والوقوف في وجه رياح التغيير الأمريكية، تتخذ السلطة وقيادتها قرارات تضر بالقضية الوطنية.
ودعت السلطة لعدم الانحناء كلما هبّت زوبعة يتطلب الثبات في مواجهتها، لأن ذلك وحده هو السبيل للحفاظ على ثوابتنا وقضايانا المقدسة، لا التفريط بها”.
ولفتت إلى أن السلطة الفلسطينية كان يفترض بها رفض التدخل الخارجي بهذه القضية وغيرها من القضايا الوطنية، وتتمسك بحماية الأسرى والشهداء، وتدافع عنهم، وتخوض في سبيل كرامتهم معركةً يقف خلفها شعبنا بكل أطيافه.
خطورة الاستيلاء على مخصصات الأسرى والشهداء
وكشف باحث مختص في شؤون الأسرى عن خطورة كبيرة وراء تحويل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مخصصاتهم إلى مؤسسة التمكين الاقتصادي.
وقال الباحث والأسير المحرر عبد القادر بدوي: إن “مؤسسة تمكين أهلية غير حكومية، والخطورة تتمثل بغياب الحصانة لها والثقة الحكومية ما يضعف استمرارها”.
وأوضح أن “إسرائيل” وأمريكا تحاولان الضغط على السلطة الفلسطينية بإلغاء المخصصات، وهذا القرار يمثل نزع للشرعية عن النضال الفلسطيني، وأشار بدوي إلى أن هناك ضغطا كبيرا دوليا لوقف مخصصات الأسرى.
وبين أن ظروف توقيع عباس للمرسوم غامضة وجاءت في فترة حوار ونقاش مع جميع المؤسسات التي تعنى بالأسرى.
دعوات للتظاهر ضد عباس
دعا الناشط السياسي مزيد سقف الحيط إلى الخروج في الشوارع و الميادين لإسقاط قرار رئيس السلطة محمود عباس قطعن رواتب أهالي الشهداء والأسرى وتحويلهم إلى مجرد حالات اجتماعية.
وقال سقف الحيط: إن “قضية رواتب عائلات الأسرى والشهداء ليست مجرد قضية معيشية فحسب ، بل هي قضية وطن وكرامة وطنية”.
وشدد على وجوب قيام الشعب الفلسطيني كاملاً أن يقف وقفة حقيقية جادة ضد هذا القرار الذي تجاوز كل الخطوط الوطنية الحمراء.
وأشار إلى أن هذه التحركات والاحتجاجات يجب أن تتقدمها فصائل العمل الوطني والمؤسسات المجتمعية والنقابات والاتحادات الطلابية والعمالية وتجمعات المستقلين السياسية وكل أحرار الشعب.
وقال:”خرجنا جميعاً إلى الميادين والساحات من أجل إسقاط قانون الضمان وأسقطناه ، واجبنا اليوم إسقاط هذا القرار بالخروج إلى الساحات و الميادين ورفع الصوت عالياً”.
وأضاف: “وهنا من خلال صفحتي المتواضعة هذه أدعو ذوي الأسرى والشهداء ومؤسساتهم وعلى رأسهم السيد قدورة فارس تنظيم فعاليات إحتجاجية تتصاعد تدريجياً وصولاً إلى إعلان الإضراب الوطني الشامل والمفتوح حتى إسقاط القرار”.
وكان عباس أصدر مرسومًا رئاسيًا يلغي المواد الواردة في القوانين والأنظمة المتعلقة بدفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى.
وبموجبه سينقل برنامج المساعدات النقدية، وقاعدة بياناته، ومخصصاته المالية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي.