تواصلت المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على تخوم العاصمة الخرطوم صباح اليوم الجمعة، حيث اندلعت خلال الساعات الماضية معارك عنيفة قرب جسر سوبا جنوبي العاصمة، وأفادت مصادر ميدانية بأن الجيش حقق تقدمًا، وسيطر على مواقع مهمة، وسط توصل روسيا والسودان إلى اتفاق يسمح لموسكو بإنشاء قاعدة بحرية على ساحل الدولة المطلة على البحر الأحمر، بينما تفاقم الوضع الإنساني في السودان مع استمرار عمليات القتال.
وقال شهود عيان: إن “اشتباكات وقعت شرق النيل صباح اليوم الجمعة، حيث يضيّق الجيش الخناق على جسر المنشية الرابط بين شرق النيل وعمق مدينة الخرطوم من الناحية الشمالية”.
كما أكد الشهود أن الطيران الحربي حلق في سماء العاصمة، بينما قصف الجيش بالمدفعية المنطلقة من قواعده شمال أم درمان مواقع لقوات الدعم السريع في الخرطوم وأم درمان.
تفاقم الوضع الإنساني في السودان
وحذَّرت منظمات إنسانية من تصاعد العنف في مخيم سوداني يعاني المجاعة قرب مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور المحاصرة، مع استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
كما حذر نائب مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في السودان من تبعات استمرار القتال في مدن البلاد.
وأضاف أن حوالي 30 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة، وأن 70% من المتضررين من الصراع هم من النساء.
انهيار البنية التحتية وزيادة معاناة المواطنين
حذر خبراء ومسئولون في منظمات دولية ومحلية من تزايد التأثيرات الكارثية للدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية والمنشآت العامة في السودان بسبب الحرب المستمرة في البلاد منذ منتصف أبريل 2023.
وأشار الخبراء إلى أن الدمار الناجم عن القصف الجوي والأرضي وعمليات النهب الواسعة ترك أكثر من 60 بالمئة من مناطق البلاد بلا خدمات صحية أو تعليمية.
وإضافة إلى شبكات المياه والكهرباء والمرافق الصحية والتعليمية، طال الدمار أكثر من 4 جسور و200 مبنى عام وتاريخي ومئات الآلاف من المنازل، كما أثر بشكل كبير على البنية التحتية الزراعية.
وتشير تقديرات إلى خسائر مباشرة تتراوح ما بين 180 إلى 200 مليار دولار وغير مباشرة تفوق 500 مليار دولار أي نحو 40 مرة من ناتج السودان السنوي البالغ متوسطه نحو 36 مليار دولار.
ويرسم الخبير الاقتصادي والمالي عمر سيد أحمد صورة قاتمة لتداعيات الحرب المستقبلية متوقعا أن تستغرق عملية إصلاح ما دمرته الحرب من بنى تحتية سنوات طويلة في ظل اقتصاد منهك تراجعت إيراداته بأكثر من 80 بالمئة بسبب الحرب.
وأوضح سيد أحمد أن “الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية في السودان يستوجب العمل لسنوات طويلة وتوفير تمويل ضخم يصعب الجزم بإمكانية الحصول عليه في ظل الضبابية التي تحيط بالحرب الحالية وبالوضع السياسي للبلاد”.
مضيفا: “ستواجه البلاد تحديات كبيرة في تأمين الموارد المالية اللازمة وتوفير بيئة سياسية مستقرة”.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن ما بين 70-80 بالمئة من المرافق الصحية في المناطق الأكثر تضررا من النزاع،
مثل الجزيرة وكردفان ودارفور والخرطوم، وحوالي 45 بالمئة في أجزاء أخرى من البلاد، بالكاد تعمل أو مغلقة،
مما يؤثر على ملايين الأشخاص.
كما تقول الأمم المتحدة: إن “الصراع ترك دمارا متعدد الأوجه على البنية التحتية التعليمية، حيث أدى إلى تدمير جزئي وكلي طال أكثر من 5 آلاف مدرسة ومؤسسة تعليمية ووضع بالتالي مستقبل نحو 19 مليون طالب على المحك”.
الجيش السوداني يقترب من القصر الجمهوري
يواصل الجيش السوداني تقدمه في العاصمة الخرطوم، حيث نجح خلال الأسابيع الأخيرة في استعادة السيطرة
على مواقع استراتيجية كانت تحت سيطرة ميليشيا الدعم السريع، مما يعكس تحولاً كبيرًا في مسار الصراع الذي اندلع منذ أبريل .
وتمكن الجيش من استعادة السيطرة على مناطق رئيسية، أبرزها كافوري، التي تعد معقلاً لقوات الدعم السريع، إضافة إلى السيطرة على مخطط اللؤلؤة السكني قرب جسر سوبا، وهو موقع استراتيجي مهم يعزز نفوذه في العاصمة.
وفي 12 فبراير الحالي، أعلن الجيش تقدمه نحو مركز الخرطوم بحري بعد السيطرة على الرميلة والمنطقة الصناعية، مقتربًا من القصر الجمهوري.
وأحرز الجيش السوداني تقدمًا كبيرًا باستعادة مقر الكتيبة الاستراتيجية في السوق العربي، إضافة إلى السيطرة على مناطق مثل شمبات وأبو صالح، ما ساهم في قطع خطوط إمداد قوات الدعم السريع.
كما نجح في 28 يناير الماضي في السيطرة على أبراج بشير والأبراج الزرقاء، والتي كانت تُستخدم كنقاط قنص من قبل الميليشيا المسلحة.
وفي إقليم النيل الأزرق، استعاد الجيش منطقة بوط، مما عزز موقعه في محاصرة قوات الدعم السريع
في شرق النيل وشرق الجزيرة.
كما شهدت مناطق أم درمان وجنوب دارفور مواجهات عنيفة، مع تراجع قوات الدعم السريع إلى المواقع الصناعية والجنوبية.
روسيا تحصل على موافقة السودان على إنشاء قاعدة بحرية
وتوصلت روسيا والسودان إلى اتفاق يسمح لموسكو بإنشاء قاعدة بحرية على ساحل الدولة المطلة على البحر الأحمر،
وفقاً لما صرح به وزير الخارجية السوداني.
قال علي يوسف أحمد الشريف في تصريحات: “لقد اتفقنا على كل شيء”، وفي العام الماضي، أعلن الجيش السوداني أن روسيا وافقت على تزويد الخرطوم بالأسلحة مقابل السماح لها بإنشاء محطة عسكرية للتزود بالوقود على الساحل السوداني.
دعم روسيا لجيش السودان
وفي ديسمبر الماضي باعت روسيا ملايين البراميل من الوقود وآلاف الأسلحة ومكونات الطائرات النفاثة للجيش السوداني، فيما أرسلت إيران شحنات من الأسلحة وعشرات الطائرات المُسيرة.
وهذا الدعم سمح للجيش السوداني باستعادة السيطرة على أجزاء من العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة خصمه؛ ميليشيا قوات الدعم السريع.
يتزامن هذا الاتفاق مع جهود موسكو الرامية إلى الحفاظ على سيطرتها على قاعدتين عسكريتين استراتيجيتين في سوريا، وهما قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية، وذلك عقب الإطاحة بحليفها الديكتاتور الهارب بشار الأسد خلال ديسمبر الماضي.