كشف حسام بهجت رئيس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن مصر تمرّ عبر العشر سنوات الأخيرة بكارثةٍ غير مسبوقة في السجلّ الحقوقيّ.
ونوه في حوار مع “المفكرة القانونية” إلى أن مصر لم تكن يوما بلدا ديموقراطيا يحترم حريّات مواطنيه، لكنها كانت في السابق قبل وصول السيسي إلى الحكم ديمقراطية مقيدة وسجل حقوقي إشكالي جدّ مقلق تعتمره انتهاكات جزء كبير منها بنيوي.
وأضاف أنه ورغم كل هذه القيود، كان هناك مجال سياسي وفضاء مدني يتسم بالحيوية وفيه صور عديدة من المقاومة المجتمعية لهذه القيود والانتهاكات، كان هناك أحزاب معارضة لها ممثلون في البرلمان ينجحون في التسلل خلال الانتخابات المزورة أو المقيدة، وحركات اجتماعية، ومظاهرات في الشارع، وحراك طلابي وعمالي ونسوي وشبابي.
دولة سلطوية
وأوضح بهجت، أنه في عصر السيسي، يمكننا الوقوف على ثلاثة أوجه أساسية للتغيير الكارثي الذي حدث بشكل عمدي من قبل نظامه، الأول هو انتقال مصر من وضعيّة الدولة السّلطوية إلى كونها تمثّل اليوم أحد أسوأ البلدان المنتهكة للحقوق في العالم، أي واحدة من الدّول صاحبة أسوأ سجلات حقوق الإنسان.
وتابع أن هذا ليس من باب التقييم العاطفي أو المبالغة، وإنما بالرجوع إلى أيّ من المقاييس العالمية لأيّ من وجوه حقوق الإنسان، مؤكدا أن مصر أصبحت للمرة الأولى في الترتيب الأدنى على جميع المقاييس، وأحيانا من بين الدول العشر الأدنى، وأحيانا أخرى الخمس، أو حتى الأكثر سوءا، فمثلا فيما يخص عدد أحكام الإعدام الصادرة سنة 2022، احتلّت مصر المرتبة الأولى في عدد إصدار الأحكام والثانية في تنفيذها بعد الصين، وفق منظّمة العفو الدولية.
وإذا نظرنا الى عدد المعتقلين السياسيين أو عدد المواقع المحجوبة أو إلى مؤشر سيادة القانون أو مؤشّر حرية الإعلام أو مؤشّر الفساد جميعها مقاييس عالمية، لا تستهدف مصر بالتحديد، لكنها أصبحت تحتلّ فيها للمرة الأولى أحد المراكز الأكثر تدنيّا.
قضاء مقيد وقمع للحريات
أما عن الملمح الثاني فقال رئيس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن تقييد الفضاء المدنيّ إلى القضاء شبه الكامل على أيّ فضاء مدني في مصر بدءا من تصفير أعداد المظاهرات الشعبيّة والاجتماعية، والقضاء على الحركة العمالية، والإلغاء الفعلي لانتخابات الاتحادات الطلابية، إلى القضاء شبه الكامل على المجتمع المدني المستقل وخصوصا الحقوقي منه.
وقال إنه في نهاية عصر مبارك، كنّا نتحدّث عن حوالي 30 منظمة حقوقية مستقلّة تعمل في مصر، لافتا إلى أنه اليوم أصبح العدد أقلّ من خمس منظمات مع انتقال الغالبية منها للعمل في المنفى أمام الضغوط التي تمارس عليها لإغلاق أبوابها أو تقليص نشاطها.
وأشار إلى أن هناك قضاء على التنوع الإعلامي، ليس فقط عن طريق اعتقال الصحفيين، بل كذلك عبر شراء الأجهزة الأمنية حرفيا لما يتجاوز 90% من الصحف والقنوات التلفزيونية الخاصة، فضلا عن الإعلام المملوك للدولة، ثم الحجب غير القانوني للعدد القليل المتبقي من المواقع الصحفية المستقلة على الإنترنت، وتدجين كامل للسلطة القضائية والنيابة العامة، والقضاء على الحركات الاجتماعية، وحشد البرلمان بما يتجاوز 99% للنواب المختارين من قبل الأجهزة الإعلامية وتسليم البلد بالكامل ليس حتى لحزب حاكم كما كانت عليه الحال في عهد مبارك، بل إلى ائتلاف حاكم من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام.
الانفلات الأخلاقي
وعن الملمح الثالث والأخير أشار بهجت إلى السلطوية الأخلاقية، فالنّظام الذي يدّعي أنّه أنقذ مصر من الحكم الديني، في الواقع نشهد منذ 2013 مع مجيئ هذا النظام إلى الحكم، زيادة غير مسبوقة في الملاحقات الأمنية والاعتقال لأشخاص بسبب توجّههم الجنسي أو هويتهم الجندرية، وملاحقة ومقاضاة وسجن النساء بسبب محتوى على الإنترنت بدعوى مخالفته لقيم الأسرة المصرية، اعتمادا على قانون صدر في 2018 في عهد السيسي من خلال مادة جديدة في قانون الجريمة الإلكترونية الأول في مصر، وتضاعف الملاحقات بتهم ازدراء الأديان تستهدف مواطنين بتهم الإلحاد أو تغيير الديانة، أو التعبير عن آراء في الشأن الديني مخالفة للتفسيرات السائدة للإسلام، أو فقط بسبب الانتماء الى أقليات دينية غير معترف بها مثل البهائيين أو الشيعة المصريين.
دوافع الكارثة الحقوقية
بالنسبة للدافع من وراء ذلك، قال بهجت إن هناك ما يشبه متلازمة كرب بعد الصدمة، الذي يحرك النظام، إذ لا يجب أن ننسى أن السيسي وقت اندلاع الثورة في 2011، كان يشغل منصب مدير المخابرات العسكرية وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلّحة الذي حكم البلاد بعد سقوط مبارك، وهو رأى الرءوس تتدحرج.
وأشار إلى أنه من ناحية يخشى من تكرار ذلك في حالة إتاحة أي فرصة لممارسة الحقوق الدستوريّة في المجال السياسيّ والمدنيّ، ومن ناحية ثانية يعاقب وينتقم بشكلٍ ممنهج من جميع من يلومهم النظام على سقوط نظام مبارك أو على التحريض على الثورة فضلا بالطبع عن كونه نظامًا عسكريّا بالكامل.
ولفت إلى أن مبارك ومن سبقوه أيضا كانوا من المؤسسة العسكرية لكنهم كانوا مدعومين من القوّات المسلحة، بخلاف النظام الحالي الذي يمثل القوات المسلحة في الحكم وبالتالي يحتقر المدنيين ويزدري الديموقراطية ويتعامل مع أي انتقاد بوصفه سوء خلق وقلة أدب في حق رأس الدولة، ويضاف إلى ذلك في الفترة الأخيرة الإدراك المتزايد للأزمة الشعبية غير المسبوقة للرئيس الحالي التي تكاد تتحول إلى ازمة شرعية للنظام بسبب الأزمة الاقتصادية والناتجة عن السياسات الاقتصادية لهذا النظام وبسبب الفشل الدبلوماسي في إدارة أهمّ الملفات الخارجية سواء فيما يخص ملف مياه النيل في المفاوضات مع أثيوبيا، أو ملفات تمس مصر مباشرة في ليبيا وفلسطين والسودان.
أما فيما يخص الدعم المباشر للغرب، فقال بهجت إنه تكرار لنفس الخطايا التي ارتكبها الحلفاء الخارجيّون في عهد مبارك بدعوى الحفاظ على الاستقرار ومقاومة الإرهاب، وزاد عليها الآن في المركز الأول تقريبا مكافحة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا في حالة الاتحاد الأوروبي وضمان أمن إسرائيل في حالة الولايات المتحدة وحرية الملاحة في قناة السويس.
واختتم كل هذه الأسباب التي نلخّصها عادة في مصر بـ “اللعنة الجيوسياسية” بسبب موقع مصر ودول جوارها، وتسود القناعة الخاطئة بأن مصر “أكبر من أن تفشل” وأن على الحلفاء الخارجيين في الغرب أو الخليج أن يستثمروا في النظام الحالي تجنّبا للمجهول خاصة بعد تجربة 2011.