القاهرة التاريخية بقبضة الإمارات.. بزنس عسكري يدمر مصر

- ‎فيتقارير

أطلق الكثيرون من التراثيين والادباء والمعماريين صرخات متصاعدة لوقف تسليم القاهرة التاريخية لمستثمرين اماراتيين..تحت دعوى التطوير.. وتزايدت المخاوف لدى المهتمين بالتراث المصري بشأن الاعتداء على القيمة التاريخية لمنطقة القاهرة الخديوية، التي تتركز تحديداً في منطقة “وسط البلد”..

وجاءت تصريحات رجل الاعمال الاماراتي ، قريب الصلة باسرائيل، محمد العبار عن تطوير المنطقة وتحويلها إلى ما يشبه “الداون تاون” في إمارة دبي، وسط توقعات بأن تمنح الحكومة شركة العبار العقارية هذا المشروع بنظام الاستفادة المشتركة لتحقيق عوائد مالية دولارية، على غرار منطقة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي.

وتحدث العبار ، مؤخرا،  عن اهتمامه بالاستثمار في مصر وإعادة هيكلة المباني الحكومية الشاغرة في المنطقة، قائلا إن شركته تسعى إلى المساهمة في تطوير منطقة وسط البلد بالقاهرة، بالشراكة مع الحكومة المصرية.

وكشف رجل الأعمال الإماراتي عن وجود مفاوضات جارية بالفعل مع الحكومة المصرية، لكن الحكومة لم تتسلم بعد المباني من الوزارات التي أخلتها، وقال: “عند حدوث ذلك سيتم طرح عطاءات للشركات العقارية المحلية والعالمية، وسنكون من أوائل المتقدمين”.

وكان مصطفى مدبولي رئيس حكومة الانقلاب قد أكد  ما جاء على لسان رجل الأعمال الإماراتي، مشيراً إلى أن الأنباء عن تقدم مستثمرين أجانب بعرض لتطوير منطقة وسط البلد وإنشاء محلات ومولات في المنطقة كانت “جزءاً من الموضوعات التي تمت مناقشتها مع اللجنة الخاصة بتصدير العقار”. كاشفا أن هناك بالفعل “تكليفا” لمكتب استشاري (دون أن يعلن اسمه أو سابقة أعماله!) ليضع الرؤية الكاملة لتطوير منطقة وسط البلد.

 

ووفق تقارير إخبارية، فقد تقدمت  شركة إعمار الإماراتية بعرض لصندوق مصر السيادي، الذي يمتلك المباني والعقارات الحكومية في منطقة وسط القاهرة، بهدف إعادة تطويرها.

وتضمن العرض تدشين شراكة مع الصندوق لتحويل المباني إلى فنادق، على أن تحصل الحكومة المصرية على نسبة يتم التفاوض حولها من العوائد السياحية.

ولكن  المشكلة تكمن في أن العرض يتضمن تحويل بعض القصور التاريخية في هذه المنطقة إلى فنادق، وهو ما تخشى الحكومة من ردة فعل علماء الآثار بشأنه، باعتبار أن هذه القصور من المفترض أن تتحول إلى متاحف مفتوحة للزائرين ولا يمكن التصرف بها.

ويدخل تطوير منطقة وسط البلد  ضمن اهتمامات الحكومة المصرية منذ انتقال وزارات حكومية، شغلت حيزاً واسعاً من مساحتها وكثافتها البشرية والسكانية، إلى العاصمة الإدارية الجديدة قبل عام ونصف تقريباً.

و كان الجدل يدور حول إسناد تطوير المنطقة إلى شركات مصرية لم تكن عند مستوى التطلعات سابقاً، أو الانفتاح على مستثمرين أجانب، وتحديداً الإماراتيين، الذين يهدفون إلى تحويل المنطقة إلى ما يشبه “الداون تاون” في دبي، ولديهم خطة واضحة في هذا الشأن.

فيما الإخفاق في تطوير المنطقة، سواء من جهاز التنسيق الحضاري أو محافظة القاهرة أو شركة الإسماعيلية، خلق فرصة للمستثمرين الإماراتيين، الذين لديهم خطط لربط المنطقة، التي يطل جزء منها على النيل، بمناطق أخرى تستحوذ عليها شركات إماراتية بالقرب منها، ومن بينها جزيرة الوراق.

فيما يتخوف مهتمون بالتراث المصري من مسألة نزع السيادة تحت مسمى التطوير، لأن سيطرة الحكومة على هذه المناطق في المستقبل لن تكون كما هي الحال إذا قامت هي بذاتها بتطوير المنطقة.

وتأتي المفاوضات الجارية مع رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار وعدد آخر من شركائه المستثمرين ضمن توجهات الحكومة لإبرام صفقات استثمارية، أسوة بمنطقة رأس الحكمة.

وشهدت زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أخيراً إلى دولة الكويت التطرق إلى إمكانية منح مناطق جديدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من محافظة مرسى مطروح، وكذلك بعض المناطق على ساحل البحر الأحمر لشركات استثمارية كويتية.

وقال إن الهدف هو الحصول على عوائد مليارية دولارية تخفف من أي أزمات متوقعة بسبب تعقيدات المشهد الحالي في قطاع غزة وإمكانية انعكاس ذلك سلباً على الاقتصاد المصري.

وسبق أن أبدى العبار اهتمامه بمنطقة وسط القاهرة، وقال في تصريحات إعلامية في 21 أغسطس 2023 إن “شركتي (إعمار) و(إيجل هيلز) تقدمتا بطلب رسمي للحكومة المصرية لإعادة هيكلة المباني الحكومية وسط القاهرة، سواء من خلال الترميم أو إعادة البناء”.

جاءت صفقة رأس الحكمة بعد استحواذ مجموعتين إماراتيتين، هما “إيه دي كيو” القابضة و”أدنيك”، على نسبة كبيرة من الفنادق التاريخية في مصر، كما اشترت المجموعتان 40.5% من شركة “آيكون” التابعة لرجل الأعمال المصري طلعت مصطفى.

ومن جانبه، أكد مصدر مطلع بجهاز التنسيق الحضاري في القاهرة أن منطقة وسط البلد، التي تقع في إطار القاهرة الخديوية، أثبتت أنها مصدر جذب قوي للاستثمار والسياحة، واستطاعت أن تلفت أنظار رجال الأعمال المصريين إليها قبل أن تجذب الشركات الخليجية.

 

وأضاف المتحدث أن هناك مشروعاً لتطوير المنطقة بدأ عام 2014، وانعكس ذلك على تطوير البنايات التاريخية والشوارع والميادين الرئيسية مع الحفاظ على الصبغة التاريخية للمنطقة.

وحقق رجال الأعمال الذين قاموا بشراء عدد من البنايات، مع إرضاء السكان لتركها وتحويلها إلى مشروعات جذب سياحي وشقق فندقية، استفادة مثلى من هذه المشروعات.

 

شركة الإسماعيلية

وكانت الحكومة قد شجعت شركة الإسماعيلية، وهي إحدى شركات القطاع الخاص، على امتلاك وترميم العديد من المباني وفقاً لاشتراطات الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وانعكس ذلك على شكل البنايات واستعادة الوجه الحضاري للقاهرة الخديوية، وتسعى إلى تقديمها للمستثمرين الأجانب بما يتماشى مع أهدافها من أي عملية بيع أو شراكة استثمارية مستقبلية.

 من القصور الى الفنادق

 رؤية الحكومة للقاهرة تتضمن تحويل المباني الحكومية إلى فنادق سياحية، نظراً لكونها ذات طراز معماري يرتبط بتوزيع الغرف الإدارية على مساحات متقاربة بشكل متساوٍ، وعلى أدوار منخفضة.

لكن المشكلة، تتمثل في كيفية تهيئة المناطق المحيطة بهذه الفنادق، حيث إن أحد أسباب عرقلة مشروع تحويل مبنى الحزب الوطني إلى فندق، وكذلك مجمع التحرير الشهير بميدان التحرير، هو عدم القدرة على تخصيص جراجات للسيارات، وهناك اقتراحات باستقطاع أجزاء من جراج التحرير ليتبع الفندق.

ووافق المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، سنة 2023، على طلب الصندوق السيادي تغيير الاستخدام الكامل لمبنى مجمع التحرير ليصبح فندقاً، ضمن خطة شاملة تهدف إلى إعادة استخدام مباني الوزارات والإدارات الحكومية وسط العاصمة، وتخطيط المناطق المحيطة بها والمتصلة بها.

ويهدف الصندوق إلى عرض أصول مملوكة للدولة للبيع للمستثمرين المصريين والأجانب، منها مبنى مجمع التحرير ووزارة الداخلية، وخمسة أصول أخرى بعد نقل ملكيتها بالكامل إلى الصندوق.

وقد ألغى قرار رئاسي صدر عام 2020 حالة المنفعة العامة عن المباني المطروحة للبيع والإدارة للقطاع الخاص، في إطار خصخصة أنشطة محددة، ونقل الملكية لصالح الصندوق السيادي، الذي أنشأته الحكومة عام 2018.

 

يذكر أن الصندوق السيادي أسند تطوير “مجمع التحرير” إلى شركة “غلوبال فينتشرز” ومجموعة “أوكسفورد”، ومقرها الولايات المتحدة، سنة 2021، لتحويله إلى فندق يحمل علامة “كايرو هاوس”، يضم غرفاً وأجنحة فندقية وشققاً فاخرة، بالمشاركة مع شركة “العتيبة للاستثمارات” الإماراتية.

ومع استمرار بزنس النظام في بيع الاصول التاريحية لمصر، يخسر التاريخ والحضارة المصرية  الكثير من الاهمية الاستراتيجية والخصوصية الحضارية، التي يمكن ان تدر الكثير من المقدرات الاقتصادية والحضارية والانمائية لو احسن استغلالها..