في تطور جديد، لأزمة سد النهضة ورغم إعلان مصر فشل المفاوضات وتوقفها لعدم جدواها عام 2023، واتهامها إثيوبيا بـ”التعنت” طوال 13عاما، وعقد مجلس الأمن الدولي، الخميس الماضي جلستين دون اتخاذ قرار، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مصر والسودان، للحوار وفي الوقت الذي أعلن فيه أنه سيفتتح السد خلال شهور، أكد أن السد سيضمن تدفق المياه على مدار العام بعد اكتماله ولن يلحق ضررا بدولتي المصب.
وتفاقمت أزمة قضية مياه النيل صارت خطرا وجوديا على حياة الشعب المصري، وسط معاناة البلاد من فقر وشح مائي، بعد اتفاق مبادئ سد النهضة في 23 مارس و2015الذي وقعه المنقلب السفيه السيسي، والرئيس السوداني السابق عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي مريام دالسين، بالعاصمة السودانية الخرطوم، ورفع ثلاثتهم أيديهم في إشارة للتفاهم التام، وشاهدوا فيلما قصيرا عن “سد النهضة العظيم”، والذي جاء بعد عام من مفاوضات برعاية الإمارات، عمل على فك حظرالتمويل.
وكان حضور ممثل البنك الدولي مراسم توقيع الاتفاق، إشارة للمقرضين والممولين الدوليين بانتهاء الأزمة بين الدولالثلاث، وإيذانا برفع الحظر عن تمويل السد الإثيوبي، وفق مراقبين، لكنه ورغم مرور 10 سنوات على الاتفاقية، يزداد ملف مياه النيل تعقيدا، وحققت إثيوبيا هدفها بإنجاز سد النهضة، بينما قال خبراء إن الاتفاق عمل على تقوية ظهر إثيوبيا، وأعاد الحياة لمشروعها، وكان سببا في إفشال عشرات من جولات التفاوض جرت برعاية الأمم المتحدة ومنظماتهاوالاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة.
شح مائي وجفاف متوقع
وتعاني مصر بسبب توقيع السيسي على اتفاق مبادئ سد النهضة ، فقرا مائيا متصاعدا، حيث قال رئيس وزرائها مصطفى مدبولي نيسان/ أبريل 2021، إنها “دخلت مرحلة الفقر المائي الحاد”، فيما تؤكد صفحة وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب ، معاناة مصر من ندرة مائية فريدة، وأنها تأتي على رأس قائمة الدول القاحلة؛ باعتبارها الدولة الأقل أمطارا بالعالم، وتعاني الشح والفقر المائي الشديد، ويبلغ نصيب الفرد نصف حد الفقر المائي المدقع الذي حددته الأمم المتحدة، بـ1000 متر مكعب سنويا.
ومن منظمة “اليونسكو” وفي مارس 2024، قال وزير الموارد المائية والري هانى سويلم: إن “مصر تعتمد على نهر النيل لتوفير 98 بالمئة من مواردها المائية، و75 بالمئة منها تستخدم لإنتاج 50 بالمئة فقط من احتياجاتها الغذائية، وأنها تواجه نقصا بنسبة 55 بالمئة من احتياجاتهاالمائية البالغة 120 مليار متر مكعب سنويا.
وفي 27 مارس 2024، قال سويلم: إنه “وفقا لاتفاقية إعلان المبادئ فإنه لو تسبب سد النهضة بأي أضرار لدول المصب فعلي المتسببأن يدفع ثمن هذا الضرر، مشيرا إلى أنه من حق الدولة المصرية اتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة التهديد المباشر لأمنها”.
الرئيس مرسي والمجلس العسكري
في عام 2011، حينما أعلنت أديس أباباعزمها على بناء سد على النيل الأزرق أهم روافد نهر النيل الموسمية وبحجم يقدر بـ80 إلى 85 بالمئة، بمنطقة بني شنقول القريبة من الحدود السودانية، وهو ما رفضتهالقاهرة والخرطوم، معربتين عن مخاوفهما من تأثر حصتيهما التاريخية من مياه النيل (55.5 و18.5 مليار متر مكعب مياه) للأولى، والثانية، تواليا.
ورفضت مصر ، خلال حكم المجلس العسكري(2011- 2012) ومن بعده الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي (2012- 2013)، عائقا أمام تمويل السد الإثيوبي، حيث توقفت مؤسسات دولية عن الإقراض والتمويل، ليعيد اتفاقمبادئ سد النهضة فرص أديس أبابا في البناء بالحصول على 4.7 مليار دولار هي تكلفة السد لإنتاج 6000 ميغاوات من الكهرباء.
بنود مجحفة وخيانة واضحة للسيسي
وفي أبريل 2014، قرر الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وإيطاليا والبنك الدولي وقف تمويل بناء سد النهضة، وتجميد قروض دولية لإثيوبيا بقيمة 3.7 مليار دولار، بينها قرض صيني بمليار دولار.
وكانت خارجية الانقلاب قد أكدت حينها أن الاتفاق ضم 10 مبادئ تتسق مع قواعد العامة بمبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، و”يوفر إطارا لتعهدات تضمن التوصل لاتفاق حول أسلوب وقواعد ملء خزان السد،وتشغيله السنوي”، فيما خرجت الصحف المصرية تحمل عنوان: “السيسي حلها”.
وفي يوليو 2021، كشف عضو فريق التفاوض الإثيوبي بملف سد النهضة زيرهون آبيبي، عن تأثير اتفاق المبادئ على دولتي المصب، ودوره في اتخاذ إثيوبيا قرارات ملء حوض السد وحجز مياه النيل الأزرق دون توافق معها.
وردا على اعتراض القاهرة والخرطوم على ملء السد بقرار إثيوبي منفرد، قال آبيبي: إنه “من المستحيل إيقاف التعبئة، لاسيما أن دولتي المصب قبلتا بقواعد الملء والتشييد وفق اتفاقية المبادئ”.
انهيار مكانة مصر
ويرى مراقبون أن اتفاق المبادئ دفع إثيوبيا لتغيير لهجتها ورفع سقف طموحاتها وملء السد للعام الخامس على التوالي والذي تم نهاية تموز/ يوليو حتى سبتمبر من العام الماضي، ودون التوصل لاتفاق ثلاثي ملزم.
وأكد خبراء حجم خسارة مصر بعد 10 سنوات من توقيع اتفاقية مبادئ سد النهضة، مؤكدين أن النظام الحالي من يتحمل أخطاء ذلك الملف، مشيرين إلى موضع صعب لمصر من ملف مياه النيل الآن، وملمحين إلى بعض نقاط الحل والخروج من الأزمة، وفق رؤيتهم.
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل: “منذ العام 2013، حتى الآن انهارت مكانة مصر”.
تماما دوليا وقاريا، وفي الإقليمين العربي وبالشرق الأوسط، بل إنها أصبحت دولة محتلة الإرادة، وصارت رجل المنطقة المريض، تماما كاللقب الذي أطلقته أوروبا على الدولة العثمانية في نهاية حكمها.