كتب- سيد توكل:
معمّرو الانقلابات العسكرية الذين تجاوزت أعمارهم الستين والسبعين، سخروا اقلامهم لتاييد الجنرالات، ولا زالوا يرفعون عقيرتهم بالطبل والغناء لأبو الهزائم جمال عبد الناصر ووريثه غير الشرعي عبد السفيه عبد الفتاح السيي، على رأس هؤلاء المطبلين الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل، الذي طبق مقولة تضمن له العتاب العفيف للجنرال السفيه والغزل في هزائم الماضي وعدم الوقوع تحت طائلة خدش وجرح الذات العسكرية!
القصة تبدأ عندما رد "قنديل" على تصريحات "السيسي" بمؤتمر الشباب الأخير، بالإسماعيلية، وقال في مقاله المنشور بصحيفة "القدس العربي"، تحت عنوان "ردًا على السيسى": "منذ متى -بالضبط- بدأ الانهيار في مصر؟ وهل هو صحيح أن مصر اندبحت؟ واندبح اقتصادها من وقتها؟
وأضاف مستفتحًا موشح غزل على الطبلة والمزمار: "لسنا بصدد ولع مجاني بالتقليب في أوراق التاريخ، بل بصدد فهم له أثره المباشر في اختيارات الاقتصاد والسياسة الآن، والذي لا يقرأ الماضي على نحو صحيح، والماضي الأقرب بالذات، يكتب عليه أن يعيش في خطاياه للأبد"، والسؤال لماذا لا يرى قنديل ورفاق الطبلة العسكرية أنهم يعيشون في وحل الخطايا، ولماذا يستمر في هذا الوحل يأكل ويشرب من روث انقلاب 30 يونيو؟
من هنا بدأنا
نعود بذاكرة "قنديل بك" في ستينات القرن الماضي، حيث وقف أبو الانقلاب جمال عبد الناصر، في أحد خطاباته، يتحدث عن المساعدات الأمريكية لجنرالات يوليو 1952، والتي كانت وقتها عشرات الملايين، مؤكدا أن المصريين قادرون على تقليل استهلاكهم الغذائي مقابل عدم تدخل الكفيل الأمريكي في رغبات عسكر الانقلاب على الرئيس محمد نجيب.
وبعد 50 عامًا وقف السفيه عبد الفتاح السيسي في أعقاب منع السعودية لإمدادات شركة أرامكو من البترول ليقول للمصريين «ما تاكلوش وما تناموش» كروشتة لابتزاز الكفيل الخليجي الذي يمول الانقلاب.
وبين الخلاف مع الكفيل الأمريكي، وحتى روشتة الخروج من ضغط الكفيل السعودي، سار بنا التاريخ بعد 50 عاما، فيما ظل الشعب هو الذي يجب عليه دفع الثمن مع فارق الأثمان وفارق من نقاوم وفارق مفهوم الاستقلال والتبعية.
نسي "قنديل بك" أن ناصر وقف يردد في مسرحية مفضوحة: «المعونة الأمريكية مستعدين نوفرها على الجزمة.. إحنا شعب مبيحبش الرزالة والغتاتة.. إذا كان الأمريكان فاهمين إنهم بيدونا شوية معونة علشن يتحكموا فينا، وفى سياستنا، أنا بقولهم إحنا مستعدين نقلل استهلاكنا من المواد الغذائية، فى سبيل أن نحافظ على استقلالنا اللى حاربنا علشانه».
وأضاف: «اللى مش عاجبه سياستنا يشرب من البحر.. ولو البحر الأبيض خلص.. يشرب من البحر الأحمر.. فلا يمكن أن نبيع استقلالنا بملايين المعونة.. واللى يتكلم أى كلمة مش عجبانا هنقطع لسانه.. لأننا شعب مش بنقبل الناس الرزلة».
ثورة يوليو الأمريكية!
كان خطاب صبي واشنطن، بمناسبة اعتراض الإدارة الأمريكية على سياسة وزارة التموين المصرية فيما يتعلق بالدعم وتوفير السلع للمواطنين، كما جاء على لسان السفير الأمريكي وقتها في لقائه بـ«مساعد رئيس الوزراء لشئون التموين».
بعد 50 عاما، وقف السفيه السيسي، وسط الذين شاركوا في الندوة التثقيفية الثالثة والعشرين للشئون المعنوية بالقوات المسلحة، يطالب المصريين بأن «مايكلوش ومايناموش إذا كانوا يبحثون عن استقلالية قرارهم».
الدعوة الأولى لـ "الانقلاب الأول" كانت في مواجهة الإدارة الأمريكية، أما دعوة "الانقلاب الثاني" كانت بعد أيام من قطع السعودية إمداداتها البترولية عن جنرالات العسكر، بعد أيام من تصويت العسكر لصالح مشروع قرار روسي ضد الثورة في سوريا، الأمر الذي دفع مندوب المملكة لقول أن تصويت مصر لصالح روسيا «مهزلة».
وقال السفيه في مسرحية مشابهة للمسرحية الأولى: «مصر تركع لله فقط.. عايزين يا مصريين تبقى عندكم استقلالية بجد، ماتاكلوش وماتناموش.
وتابعت الفترة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي تقارير عن وجود سخط فى الشارع من بعض المواطنين من نقص فى السكر والأرز، وأطلب من المصريين التحمل لكى يكون لديهم وطن مستقل».
جدير بالذكر أن ألة الدعاية السياسية التابعة لجبهة الانقلاب العسكري الذى حدث في مصر في 3 يوليو 2013، تروج أن ثمة تشابها بين قائد هذا الانقلاب "السيسى" وبين جمال عبد الناصر، وبرهنت في سبيلها لايجاد هذا التشابه بأن عبد الناصر انقلب على شريكه في ثورة يوليو اللواء محمد نجيب حينما اقصاه من الحكم في انقلاب في 1954، ورغم ذلك استمرت مشروعية حكم عبد الناصر، بل وتحققت على يديه – بحسب مزاعم إعلام العسكر- اعظم "نهضة" شهدتها مصر في تاريخها، بعد تلك النهضة التى تحققت في عهد محمد على، وبالتالى يصبح انقلاب السيسى مبررا ومغفورا وقد يحقق هذا الانقلاب نهضة مشابهة للتى حققها عبد الناصر، والحقيقة ان هذا الطرح والذي يتبناه أمثال الكاتب عبد الحليم قنديل هو فى الواقع طرح ملفق جملة وتفصيلا، يقصد منه احكام لف العمائم على العقول لقبول انقلاب السيسي.