عصابة العسكر تشوّه صورة مصر وتاريخها …المناطق الأثرية تحولت لـ”قاعات أفراح ومطاعم” بزمن السيسى

- ‎فيتقارير

 

حكومة الانقلاب حولت المناطق الأثرية إلى قاعات أفراح واحتفالات ومطاعم بزعم الاستفادة منها من الناحية المادية دون اعتبار لقيمتها التاريخية، ما يكشف عن الاستغلال العشوائي والإساءة لصورة مصر وتاريخها ومعالمها الأثرية التي لا تقدر بثمن .

هذا الإجراء يكشف عن جهل عصابة العسكر التي تريد نهب مصر واستنزاف المصريين دون تحقيق إنجاز على أرض الواقع، وهو ما يثير تساؤلات عن أين تذهب هذه الأموال ؟

كانت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي قد أثارت استياء خبراء الآثار، حيث ظهرت حديقة قصر محمد بك الشناوي الأثري بالمنصورة، الذي يعود تاريخ بنائه لعام 1928 وتم تسجيله كأثر إسلامي سنة 1999، وقد تحولت إلى ساحة انتظار للسيارات، وفقًا لما نشرته مبادرة «أنقذوا المنصورة» المتخصصة في الدفاع عن التراث. 

تأتي هذه الواقعة ضمن في سياق محاولات عصابة العسكر لاستغلال المواقع الأثرية والتاريخية في أنشطة تجارية وترفيهية تشمل إقامة حفلات زفاف، وفتح مطاعم وكافيتريات، إلى جانب تصوير إعلانات تجارية وعروض أزياء داخلها، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لهذه المواقع التاريخية. 

 

يشار إلى أن هذه الإساءات لتاريخ مصر وآثارها كانت قد بدأت في زمن الانقلاب منذ مايو 2016، عندما أقيم حفل زفاف داخل قلعة قايتباي الأثرية في الإسكندرية، التي بناها السلطان المملوكي الأشرف أبو النصر قايتباي (882-884 هـ) كما أقيم في أكتوبر 2018، حفل عشاء وعقد قران لأكثر من 300 شخص في معبد الكرنك بالأقصر، ما دفع غرفة شركات السياحة للمطالبة بالتحقيق في الواقعة.

وفي يونيو 2024 أقيم حفل زفاف ابنة الإعلامية مفيدة شيحة بساحة مسجد محمد علي في قلعة صلاح الدين بالقاهرة، وسبقها إقامة حفل زفاف ابنة الإعلامي طارق علام في المتحف القومي للحضارة المصرية، وكان الحدث الأبرز  زفاف رجل الأعمال الهندي أنكور جاين على عارضة الأزياء إريكا هاموند، والذي استمر أربعة أيام بين سفح الأهرامات والمتحف المصري الكبير وقصر محمد علي باشا. 

 

قوانين صارمة

 

في هذا السياق قالت الباحثة في الآثار الإسلامية الدكتورة رضوى زكي: "إن استغلال المواقع الأثرية في أنشطة تجارية “سيف ذو حدين”، فمن ناحية يوفّر موارد مالية لصيانة وحماية هذه المواقع، ومن ناحية أخرى قد يؤدي إلى إلحاق ضرر كبير بقيمتها التاريخية". 

وطالبت رضوى زكي في تصريحات صحفية بتطبيق قوانين صارمة تحدد الاستخدامات التجارية، وتضمن عدم الإضرار بالتراث، موضحة أن الموافقة على اقامة هذه الأنشطة يجب أن يسبقها إجراء تقييم صارم للأثر، واعتماد استراتيجيات متوازنة تشمل التخطيط المستدام لضمان عدم تجاوز الأنشطة قدرة المواقع الأثرية على التحمل، وكذلك توعية الزوار والمستثمرين بأهمية وقيمة هذه المواقع وضرورة حمايتها.

وحذرت من أن بعض الممارسات مثل استخدام الإضاءة غير الملائمة أثناء إقامة الحفلات، قد تؤدي إلى إلحاق أضرار بالمواد الأثرية، خاصة الإضاءة التي تولد حرارة عالية أو إشعاعات قد تتفاعل سلبًا مع الأحجار التاريخية.

وكشفت أن استخدام التكييف وبعض الديكورات غير المناسبة قد يتسبب في تلف الحوائط الأثرية، مؤكدةً ضرورة تحديد مناطق معينة لإقامة الأنشطة بعيدًا عن الأماكن الحساسة في المواقع الأثرية، مع الالتزام بالمعايير والإرشادات الدولية الخاصة بالحفاظ على التراث. 

وأعربت رضوى زكي عن رفضها استخدام المواقع الأثرية في هذه الأنشطة إلا في نطاق محدود لا يضر بسلامتها، متسائلةً اذا كانت حكومة الانقلاب لا يهمها إلا الكسب المادي فهل سنشهد يومًا بيع هذه الآثار من أجل الحصول على الأموال؟ .

ولفتت إلى حدوث تلاعب وتحايل على القوانين لاستغلال الآثار في أنشطة ضارة على المدى القريب والبعيد، وسط غياب تام للرقابة من الجهات المسؤولة، مشددة على رفضها بشكل قاطع استغلال المناطق الأثرية في أنشطة تتضمن استخدام النيران، مثل الطهي أو تدخين الشيشة .

واعتبرتً رضوى زكي  أن تحويل قصر ماماي في شارع المعز لدين الله الفاطمي إلى مطعم “نوعا من العبث” مؤكدة أنه يمكن استخدام الأماكن الأثرية في أنشطة لا تضر بها، مثل تحويلها إلى متاحف أو مراكز ثقافية أو مقرات دبلوماسية، وليس تحويلها إلى مطاعم وكافيتريات فهذه إهانةً للتراث المصري. 

وأكدت أن الأزمات الاقتصادية لا تبرر استغلال ما لا يُقدر بثمن وتعريضه للخطر؛ مشددة على ضرورة أن ننظر إلى التراث بعين المستقبل وليس فقط بعين الحاضر .

 

 

لائحة تنفيذية

 

وكشفت أستاذ مساعد الآثار والتراث الحضاري الدكتورة مونيكا حنا، أن التوسع في الاستغلال التجاري للمناطق الأثرية، يرجع إلى قرار ضم وزارتي الآثار والسياحة ووجودهما تحت إدارة واحدة، ما أدى إلى تعارض المصالح؛ موضحة أنه في الوقت الذي يهدف فيه الأثريون إلى الحفاظ على الأثر فإن القائمين على السياحة يريدون أن يٌدرّ الأثر المال. 

وقالت مونيكا حنا في تصريحات صحفية : "الحفاظ على التراث والآثار يحتاج إلى الفصل بين السلطات موضحة أن الاستثمار وعدم الاعتماد فقط على موارد السياحة في صيانة التراث، يتطلب أن تكون هناك لائحة تنفيذية تحدد نسبة عوائد تلك الاستثمارات، التي يتم إنفاقها على صيانة الآثار وترميمها، بحث لا تقل عن 30%، بما يضمن عدم الإضرار بالأثر".

وأكدت أن حكومة الانقلاب لا توجه شيئا من عوائد هذه الاستثمارت لترميم وصيانة الآثار، وما يجري هو استنزاف للموارد التراثية دون وجود خطة لصيانتها وترميمها وحمايتها، مشيرة إلى أن مسألة التأجير في المناطق الأثرية لصالح كافيتريات ومطاعم، يتم بشكل فج، كما يحدث في حديقة متحف التحرير، وفي قصر البارون .

وحذرت مونيكا حنا من أن إقامة منصة احتفالات أمام هرم زوسر فوق مقابر فرعونية يُعرض سلامتها للخطر، مشددة على ضرورة الحرص على الصيانة الدورية وتحديد الأعداد المناسبة للزوار، كي لا يؤثر ذلك بالسلب على الآثار، عبر الانباعاثات الكربونية والأحمال الزائدة . 

 

استغلال عشوائي

 

وأكد الدكتور حمدي السروجي، أستاذ الآثار بكلية الآداب جامعة طنطا، أن سلامة الأثر والحفاظ عليه، مسئولية الجميع، معربا عن أسفه لاتجاه القائمين على وزارة السياحة والآثار بحكومة الانقلاب، لتأجير عدد كبير من المناطق الأثرية لإقامة حفلات وأفراح وتنظيم فعاليات بهدف زيادة الدخل، وأصبح الأمر واقعًا مفروضًا .

وتساءل السروجي في تصريحات صحفية، هل يمكن قبول إقامة عُرس داخل ساحة مسجد أثري مع تفاعل الحضور بالرقص والغناء، مثلما حدث في أحد الأفراح التي أقيمت في ساحة مسجد محمد علي ؟ هل هذا يتناسب مع قدسية المسجد؟ 

وأضاف: يبدو أن وزارة السياحة والآثار بحكومة الانقلاب قد عجزت عن إيجاد بدائل أفضل لزيادة الدخل مما اضطرها للجوء لهذا الأمر، متسائلا لماذا لا نستفيد من الدول التي تستقطب أعداداً هائلة سنوياً من السياح بدون أن يكون لديها هذا الكم الهائل من الآثار وبدون تأجير ما لديها من إرث تاريخي؟

واشار السروجي إلى إن مصر مليئة بالكوادر الاقتصادية التي تستطيع وضع بدائل نافعة ومفيدة دون اللجوء للإساءة للآثار، محذرا من أن الاستغلال العشوائي للآثار والتعامل معها بدون تنظيم قد يسيء إليها.  

وأوضح أنه في حال كانت دولة العسكر مضطرة لتأجير المناطق الأثرية فيمكن استغلال مناطق أثرية معينة، وتجنب مناطق أخرى، على أن تقام الحفلات في ساحات خارجية تضمن عدم المساس بالأثر والاحتكاك المباشر به، محذرا من أن الأضواء المبهرة التي هي جزء أصيل من الحفلات تضر ضرراً بالغاً بالأثر، كما أن التعامل واللمس المباشر يضر به أيضا، ناهيك عن أن غالبية الحضور ليس لديهم الوعي الكافي بالأثر وكيفية التعامل معه والحفاظ عليه .