تواجه المستشفيات الحكومة بزمن الانقلاب أزمة حادة في توفير المستلزمات الطبية بسبب أزمة الدولار وصعوبة الاستيراد مما أدى إلى زيادة قوائم الانتظار وتوقف العمليات الجراحية بل وأصبح تحويل المرضى بين المستشفيات لحل أزمة نقص المستلزمات أمرًا شائعًا، ما يرهق المرضى وأسرهم.
وتتحمل هيئة الشراء الموحد المسئولية عن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية حيث فشلت فى توفير مخزون استراتيجي منها، خاصة تلك التي تعالج الأمراض المزمنة بسبب عدم حصولها على الأموال اللازمة من حكومة الانقلاب وبالتالى أصبح عليها مديونية لصالح الشركات التى تورد الأدوية والمستلزمات الطبية.
يُشار إلى أن هناك أزمة كبرى تتعلق باختفاء الكثير من الأصناف الدوائية المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة، نتيجة ارتفاع سعر الدولار، تجاوزت نحو ألف صنف، أبرزها أدوية ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب، والمرارة، والغدة الدرقية، والكلى، واضطرابات المعدة، بالإضافة إلى أدوية حمى البحر الأبيض المتوسط، والسرطان، ونقاط الأنف للرضع والبالغين، وأدوية البرد وأمراض النساء.
وتشير التقديرات إلى أن نقص الأدوية في السوق يتراوح بين 30% و40%، من بينها 15% من الأدوية التي لا تتوفر لها بدائل.
الاسم العلمي
حول هذه الأزمة قال علي عوف -رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية- إن الكثير من الأدوية الناقصة تم توفيرها منذ شهور، مؤكدا أن هناك جهودا تبذل لمنع تكرار الأزمة مجددًا.
وأكد عوف فى تصريحات صحفية أن الأزمة تعود بشكل أساسي إلى إصرار العديد من الأطباء على كتابة الاسم التجاري للدواء بدلًا من الاسم العلمي، كما يتمسك المرضى بالحصول على علامات تجارية محددة، رغم توافر بدائل فعالة في الصيدليات.
وأشار إلى أن هذا السلوك يؤدي إلى تفاقم المشكلة، لأن معظم الأدوية التي تعاني من نقص في السوق لها بدائل متاحة.
وشدد عوف على أن الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية ومراكز التأمين الصحي ملزمون بكتابة الاسم العلمي فقط عند وصف العلاج، حيث يتم صرف الدواء المتاح أو بديله في حال عدم توافره، مؤكدًا أن تغيير عادات الأطباء والمرضى يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تقليل حدة الأزمة.
هيئة الشراء الموحد
أكد محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء أن الأزمة متفاقمة منذ عام 2023 واستمرت في العام 2024 بسبب عدم استقرار أسعار الصرف، محذرا من أن تأثير الأزمة أصبح كارثيًا على قطاعي الدواء والمستلزمات الطبية، لأن معظم هذه المنتجات يتم استيرادها من الخارج.
وقال فؤاد فى تصريحات صحفية إن المشكلة الأكبر، كانت في الدواء لأنه مسعَّر جبريًا، أما المستلزمات الطبية فهي تُباع في السوق الحر، لكن بعد ظهور هيئة الشراء الموحد، لم يعد بإمكان أي جهة شراء المستلزمات الطبية بشكل مباشر، بل أصبح الأمر مرهونًا بالهيئة، وهنا بدأت المشاكل حيث تراكمت الديون على الهيئة لصالح الشركات الموردة، ولم تتمكن الشركات من تحصيل مستحقاتها، ما جعلها عاجزة عن استيراد مستلزمات جديدة أو حتى توفير الحد الأدنى من المخزون الاستراتيجي.
وكشف أنه بسبب نقص المستلزمات الطبية، توقفت بعض أنواع القسطرة القلبية، وتأثرت عمليات تركيب الدعامات، كما تعطلت جراحات المفاصل والعظام بالكامل، لعدم توفر المسامير والمفاصل الصناعية، حتى عمليات زراعة الكلى والكبد تأثرت بشدة بسبب نقص الأدوات الجراحية والأدوية المصاحبة لها.
وأوضح فؤاد أن الأزمة طالت أيضًا أجهزة السمع للأطفال، حيث أصبح هناك نقص حاد في السماعات الطبية وقطع الغيار اللازمة لها، حتى ذوو الاحتياجات الخاصة الذين يعتمدون على الكراسي المتحركة واجهوا صعوبة كبيرة بسبب نقص قطع الغيار، ما أدى إلى مأساة حقيقية للكثيرين.
سوق سوداء
وأشار إلى أن الأزمة لم تقتصر على المستلزمات الطبية فقط، بل امتدت إلى الأدوية، حيث لا تزال هناك أزمة في بعض الأصناف الدوائية الأساسية موضحا أن حكومة الانقلاب حاولت مواجهة الأزمة بتوفير الأدوية الاستراتيجية والحيوية في صيدليات الإسعاف لكن المشكلة أن هذه الصيدليات محدودة العدد وموجودة فقط في بعض المدن الكبرى، مما يعني أن مريضًا في مطروح أو أسوان أو الفيوم قد لا يجد دواءه بسهولة، وهو أمر غير مقبول.
ولفت فؤاد إلى أن مفهوم “الإتاحة” في قطاع الدواء يعني أن يكون العلاج متوفرًا في كل مكان وزمان يحتاجه المريض، وليس أن يضطر للسفر إلى محافظة أخرى للحصول عليه، موضحا أن هذه الأزمة تعكس مشكلة أعمق في التخطيط والإنتاج، حيث إن نقص الأدوية يعود إلى تأثر الصناعة الدوائية بالأزمة الاقتصادية، خاصة أنها صناعة مسعّرة جبريًا، ما يجعل الشركات مترددة في الإنتاج بكميات كبيرة خوفًا من الخسائر.
وأعرب عن أسفه لأن أزمة الأدوية طالت حتى مرضى السرطان، مؤكدا أن نقص أدوية العلاج الكيميائي تسبب في وقف جلسات العلاج لعدد كبير من المرضى .
وتابع فؤاد: هناك أدوية أخرى ما زالت مفقودة، مثل أدوية الهرمونات الضرورية للنساء في حالات الحمل أو تأخر الإنجاب، والتي أصبحت تُباع بأسعار خيالية في السوق السوداء.
وأشار إلى أن حقنة “جيناتور” على سبيل المثال، التي تباع رسميًا بـ 245 جنيهًا لم تعد متوفرة في الصيدليات، لكنها موجودة في المستشفيات الخاصة بأسعار تتراوح بين 800 جنيه و3000 جنيه حسب مستوى المستشفى! مؤكدا أن هذه الفوضى أدت إلى ظهور سوق سوداء ضخمة للأدوية، حيث تستغل بعض الجهات نقص الأدوية في الصيدليات لبيعها بأسعار مضاعفة، وهو ما يهدد حياة المرضى الذين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف.
مرضى الفشل الكلوي
وأكد فؤاد أن مرضى الفشل الكلوي لم يسلموا من الأزمة، حيث يواجه قطاع الغسيل الكلوي نقصًا حادًا في الفلاتر والأجهزة والمواد الأساسية المستخدمة في الجلسات، ما أدى إلى توقف مراكز الغسيل الكلوي عن العمل وهو ما يعرض حياة المرضى للخطر .
وقال إن أجهزة الغسيل الكلوي تحتاج إلى صيانة دورية وتغيير قطع الغيار بانتظام لتجنب انتشار العدوى، خاصة فيروس سي، وهو ما جعل الأزمة أكثر خطورة، لأن استمرار نقص هذه المستلزمات يعني زيادة المخاطر الصحية للمصابين، محذرا من أن الارتفاع الجنوني في أسعار الأدوية جعل الوضع الحالي لا يُحتمل، لأن المرضى أصبحوا عاجزين عن تحمل تكاليف العلاج، والأزمة تتفاقم دون وجود حلول جذرية.