في مشهد يعكس تكريس النظام العسكري البوليسي في مصر، أقر مجلس النواب التابع للسيسي، اليوم الثلاثاء، بشكل نهائي مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وسط اعتراضات حقوقية ونقابية واسعة تجاهلها البرلمان بشكل كامل، ما يكشف عن منهجية "سلق القوانين" لصالح السلطة الأمنية.
ورغم النداءات المتكررة من 12 منظمة حقوقية ونقابتي الصحفيين والمحامين، بضرورة مراجعة القانون لاحترام معايير حقوق الإنسان والخصوصية، مضى البرلمان الذي تُشرف على تشكيله الأجهزة الأمنية، في تمرير التشريع بلا مناقشة تذكر. جاءت التعديلات الحكومية المحدودة التي قبلها المجلس صورية، إذ اقتصرت على "إحكام الصياغة" دون أي تغيير جوهري في المواد المثيرة للجدل.
تهديد واسع للحقوق والحريات
القانون الجديد يمنح السلطات صلاحيات تعسفية واسعة لاعتراض المراسلات الإلكترونية ومراقبة الأنشطة عبر الإنترنت، بما يضفي شرعية قانونية على المراقبة غير القانونية للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين، وفقًا لتحذيرات المنظمات الحقوقية. وقد دعت تلك المنظمات المجتمع الدولي، خلال الاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، إلى الضغط على النظام المصري لضمان توافق التشريع مع التزامات مصر الدولية، وهي دعوات قوبلت بالتجاهل التام من البرلمان.
بوابة خلفية لتمديد الحبس الاحتياطي
ويكرّس القانون استمرار ظاهرة الحبس الاحتياطي المفتوح للمعارضين السياسيين، متجاوزًا الحدود الزمنية التي كانت موجودة في التشريعات السابقة (عامين كحد أقصى)، مما يسهم في إبقاء النشطاء والمحامين والصحفيين رهن الاعتقال المطول بناءً على اتهامات فضفاضة وتقديرات أمنية لا تستند إلى أدلة حقيقية.
وقد انتقدت منظمات حقوقية عدة هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، مشيرة إلى اتساع فجوة العدالة في مصر، خاصة في قضايا حرية الرأي والتعبير.
انتقادات حقوقية وتحذيرات قانونية
وفي بيان شديد اللهجة، أعرب المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة عن "استيائه وقلقه البالغ" من إقرار القانون، مؤكدًا رفضه الكامل للتعديلات التي وصفها بأنها "تجرد المواطنين من حقوقهم الدستورية والقانونية في محاكمة عادلة ومنصفة".
وأشار المركز إلى أن القانون أغفل ضمانات أساسية تتعلق بتفتيش المنازل والأشخاص والتنصت على الاتصالات الخاصة، كما خالف صراحة المعايير الدولية كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ومبادئ الأمم المتحدة لاستقلال القضاء ودور المحامين.
وأكد المركز أن إصرار البرلمان على تمرير القانون رغم الاعتراضات الواسعة، ينذر بتقويض نزاهة منظومة العدالة الجنائية المصرية، مما قد يضعف مصداقية أحكام المحاكم المصرية أمام المجتمع الدولي.
مطالبات بعدم التصديق على القانون
واختتم المركز بيانه بمناشدة رئيس الجمهورية بعدم التصديق على القانون أو نشره في الجريدة الرسمية، ودعا إلى إعادة طرحه لحوار مجتمعي حقيقي وشامل، لتفادي ما أسماه "العوار الدستوري والقانوني" الذي يعصف بمسار العدالة، ويعزز الطابع القمعي للدولة.