الأحمق المطاع .. دونالد ترامب

- ‎فيمقالات
PHOENIX, ARIZONA - DECEMBER 22: U.S. President-elect Donald Trump smiles during Turning Point USA's AmericaFest at the Phoenix Convention Center on December 22, 2024 in Phoenix, Arizona. The annual four day conference geared toward energizing and connecting conservative youth hosts some of the country's leading conservative politicians and activists. (Photo by Rebecca Noble/Getty Images)

بقلم / عصام عبد الله

يُعرف (عيينة به حصن الفزاري) بالأحمق المطاع وسبب التسمية، أن أباه وكان سيد قومه قد أصابه مرض عُضال، فجمع أولاده وطلب منهم أن يغمدوا السيف في صدره على أن يكون من يفعل هذا سيدا للقوم بعده. أحجم الجميع وتقدم عينية فأعمل السيف في صدر أبيه وصار سيد القوم، يأمرهم فيطيعون عن بكرة أبيهم، فهل انتهى الأمر بنهاية عينية؟ الواقع يؤكد أن عالم اليوم يعج بكثيرين من عينة عيينة.. الأحمق المطاع.

فهذا رئيس دولة نووية يهدد الولايات المتحدة ويتحرش بها، ويساعد روسيا في حرب أوكرانيا بالسلاح والعتاد والرجال، لكنه يقمع شعبه ويقهره ويحتكر الوطن في شخصه وشخص أخته التي لا يثق بأحد سواها ويحكون عنه قصصًا تشبه القصص المروية عن جحا في غرابتها.

وهذه رئيسة وزراء دولة من السبع الصناعية أعدم الشعب جدها (بوسوليفي) وعشيقته، ثم عاد ذات الشعب ينتخبها من أقصى اليمين لتعاود الكرة في ثوب جديد وظرف مغاير.   

وهذا رئيس وزراء الكيان يفشل في حربه ضد غزة، ويفقد الآلاف من جنوده  بين قتيل ومعاق ومصاب، ويعرض كيانهم البغيض للتحلل السريع لا لشيء إلا لغريزة البقاء في السلطة خوفا من المساءلة السياسية والقانونية.

وهذا رئيس دولة -ممثل فاشل- جعل دولته ملعبا لصراع دموي بين الغرب وروسيا خسرت فيها دولته استقلالها وأراضيها ومعادنها النفيسة ناهيك عن مئات الآلاف من الجنود والعتاد ويصبح هو دمية في يد الغرب.

وهذا آخر يقتل ويسجن، ويسرق ويفسد، يتنازل عن الأرض والعرض، يهدر ثروات البلاد في مشروعات لا طائل فيها إلا عمولات الفساد، يفرط في حقوق البلاد التاريخية وفي موارد الحياة ويضع المواطن على شفا جرف هار يوشك أن ينهار اليوم أو غدا.

وتشمل القائمة من يعبث بهوية بلاده وينشر الفساد ويصرح أنه باقٍ في الحكم حتى الثمانين!! وحاكم آخر يحارب الإسلام في كل شيء ومكان يقول (لو علم شعبي ما أفعله لرجمني في الشوارع).

أما كبيرهم-دونالد ترامب- رئيس أكبر دولة في العالم فهو عنصري سادي، سافر الوجه، صفيق لا يصلح إلا لحلقات المصارعة، يتعامل مع السياسة بمنطق التاجر النخاس، يؤمن بتفوق الجنس الأبيض ذي العيون الزرقاء حسب نظرية دارون المزعومة، لا يفهم سوى لغة الحسابات المالية، يعادي المكسيك في الصباح ويهادنها في المساء، يطلق التصريحات النارية ضد كندا آناء الليل ليتودد إليها أطراف النهار.

يعتقد أن انسحاب أمريكا من دعم المنظمات الدولية يوفر مليارات للميزانية، ولا يعي أن هذه المليارات هي القوة الناعمة التي تحكم بها أمريكا العالم في ظل فشل عسكري أمريكي متكرر بدأ بفيتنام وانتهى بغزة وأفغانستان مرورا بلبنان وإيران والعراق والصومال.

يظن هذا الأحمق الطماع أن تهديد الدول يحقق مكاسب مالية سريعة، وأن وضع تعريفات جمركية ومطاردة المهاجرين وذوي المواهب سيجعل أمريكا أعظم، ولا يدري أنه يقودها إلى حتفها ويرفع العالم إلى رفع راية العصيان، والتخلي عن عملتها، والتوقف عن دعمها مخابراتيًا وعسكريًا واقتصاديًا في ظل مديونية دولته التي فاقت كل حد.

فوقية وشعوبية

إن الفوقية التي يعجب بها كثير من الشعوبيين لن تجني منها أمريكا سوى تكوين كيانات جديدة تتوحد ضد رغبات أمريكا، وتعزف عن دعمها مخابراتيا وعسكريا ولوجستيا بالتلكؤ تارة والإسرار أخرى بل وبالجهر تارات أخرى

إن سنة التداول سنة ربانية (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، لن تستطيع أمريكا -أو غيرها- أن تغيرها، فالأمم كالأفراد تولد وتكبر وتقوى ثم تشيخ وتضعف

وليعلم الجميع أنه إذا أراد الله شيئا سلب اللبيب عقله، والواقع أن المؤسسات الكبرى في الولايات المتحدة -الدولة العميقة- غير قادرة حتى اللحظة عن كبح جماح تهور الأحمق ومراهقته المتأخرة، وربما نشهد في القريب زوال القطب الأوحد.

الخروج من الشرنقة

ربما لا يدري الأحمق المطاع أن بلاده لم تقم لها قائمة كقطب أوحد إلا على أكتاف المنظمات الأممية وعلى رأسها الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وصندوق النقد، والبنك المركزي وغيرها.

إن المواقف التي تأخذها أوروبا-حاليا- بالاعتماد على نفسها ورغم اتفاقها العسكري هي خطوة كبيرة للخروج من شرنقة أمريكا، وسياسية الصين الهادئة -طويلة النفس- التي تعلم أنها على موعد مع مواجهة كبرى مع الولايات المتحدة كلها، تريد أن تختار التوقيت والطريقة سوف تأتي بنتائج مذهلة.

إن انسحاب الولايات المتحدة من المنظمات الدولية يعطي الفرصة للصين -إن أرادت- أن تشغل مركزها وتسد الفراغ، وتبسط سيطرتها على العالم بديلا للولايات المتحدة كما حلت الأخيرة محل بريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أو على أقل تقدير تنشيء نظاما دوليا متعدد الأقطاب.

إن حالة الاستقطاب غير المسبوقة التي وصلت لها أمريكا بين أنصار ترامب وخصومه تلقى بظلال قاتمة على مستقبل الاتحاد الفيدرالي بين الولايات التي كان اقتحام الكابيتول عام 2020 أحد تجلياته.

إن احتقار ترامب لكثير من رؤساء الدول – الذين يحذرون الولايات المتحدة – وكذلك عدم نهجه الطبيعة العقدية والسياسية للشعوب، وعدم الإلمام بالإرث التاريخي والحضاري لهم، لن يؤدى-على المستوى المتوسط والطويل- إلا إلى عزلة الولايات المتحدة عن العالم.