كتب: يونس حمزاوي
ترامب, لوبان, بشار, وحفتر.. هذه الأسماء تجمعها عدة أشياء، منها أنهم طغاة ومتطرفون في عدائهم للإسلام، كما أنهم جميعا كانوا محل تقدير واحترام ودعم من جانب قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي وأنصاره وإعلامه.
يقول الكاتب جمال سلطان: «لا أعرف لماذا يقف مناصرو السيسي دائما إلى جوار الشخصيات المتطرفة والمكروهة عالميا والمعادية للإسلام والمسلمين والعرب، والمعادية للحرية والكرامة الإنسانية، والمعادية لكل القيم الحضارية النبيلة، هذا أمر يحار المرء في فهمه، لا يقف الأمر عند طاغية مجرم دموي مثل بشار الأسد، دمر بلاده ومزقها وجعلها نهبا لعشرات المليشيات وعشرات الجيوش، وجعلها مضرب الأمثال في الخراب، حتى عند السيسي نفسه، الذي طالما كان يروعنا بمقولته الشهيرة: "مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق"، واليوم ينحاز إعلام السيسي وأنصاره إلى المرشحة المتطرفة الخاسرة في انتخابات فرنسا "ماري لوبان"، رمز التطرف والعنصرية والكراهية، وقد وصلت الأمور إلى حد الهجاء للفائز "ماكرون" ومحاولة تشويهه والتقليل من شأنه، في الوقت الذي يبدون فيه تعاطفا كبيرا مع الخاسرة المتطرفة، وكأنها مرشحة العروبة والإسلام في تلك الانتخابات!».
عنصرية ترامب ولوبان
يقول خالد بيضون، الأستاذ في جامعة ديترويت: "من البداية إلى النهاية، كشفت حملة 2016 الانتخابية عن أن مشاعر معاداة الإسلام ما زالت حية وقوية ومؤثرة سياسيا أكثر من أي وقت مضى. بالنسبة لترامب، لم يكن ذم المسلمين وتحميلهم مسئولية أفعال ليس لهم علاقة بها مجرد شعار انتخابي، بل كان عبارة عن استراتيجية اعتمدها بنجاح."
ولم يفعل ترامب الكثير في أغلب الأحيان لتبديد هذا الاستنتاج، فقد قال في مقابلة أجريت معه في مارس 2016: "أظن أن الإسلام يكرهنا."
وإذا كانت الإدارة الأمريكية هي انعكاس للزعيم الذي يجلس في المكتب البيضاوي، فلا ينبغي أن يفاجأ أحد بأن آراء ترامب المتناقضة حول الإسلام تجد صداها في فريق المستشارين الكبار الذين عينهم والذين يحيطون به.
ويتمترس في خندق معاداة الإسلام في إدارة ترامب أولئك المسئولون الذين يعتمدون أكثر الآراء تشددا وتطرفا، والتي عبر عنها الرئيس ترامب. من هؤلاء مستشار الأمن القومي "مايكل فلين" الذي أقيل، والمستشار الأقدم "ستيف بانون"، ووزير العدل المعين جيف سيشنز.
كذلك جاء البرنامج الانتخابي لماريان لوبان، يشمل حزمة من الإجراءات العنصرية المتطرفة التي أزعجت حتى العواصم الغربية ذاتها، ووصف الرئيس الفرنسي الجديد طرحها بأنه دعوة إلى الحرب الأهلية، وقالت إنها ستغلق المساجد وتطرد المسلمين وتوقف هجرة فقراء الجنوب- العرب والأفارقة- إلى فرنسا، وهو خطاب يفترض أن يتصدى له أي شخص لديه مسحة من مروءة، ناهيك عن عروبة أو إسلام، فما الذي يسعد أنصار السيسي في غلق المساجد وطرد المسلمين من فرنسا؟ هل وصل الهوس إلى هذا المستوى من التدني؟َ بحسب سلطان.
أسباب انحياز السيسي لترامب ولوبان
بالطبع معلوم أسباب انحياز قائد الانقلاب لكل من السفاح بشار الأسد والجنرال الطامح خليفة حفتر في ليبيا، فكلاهما له خلفية عسكرية ديكتاتورية، ولا يكترث بحقوق الإنسان ولا الديمقراطية ولا دولة القانون، ولديهم الدافعية الذاتية لقتل الآلاف بل مئات الآلاف من أجل أطماعم في السلطة، حتى لو أدى ذلك إلى خراب بلدانهم. ولكن لماذا يدعم السيسي وينحاز لكل من ترامب ولوبان؟!.
ما يفسر ذلك أولا هو خطاب "ماري لوبان"، الذي قالت فيه "إن فرنسا بحاجة إلى تحالف جديد في المنطقة العربية بدعوى مواجهة الإرهاب"، وقالت "إنها لو فازت فسوف تشكل تحالفا مع كل من: الإمارات، ومصر، وسوريا بشار، وإيران، ضد ما وصفته بالإرهاب".
إذن فقد كان العالم كله يحذر من فوز ماري لوبان، وأنها ستكون خطرا على أوروبا والعالم، بينما كان مؤيدو السيسي يبتهلون من أجل فوزها، وكذلك أنصار بشار الأسد في سوريا، بينما كان أحد أهم داعميها- كما هو معروف- الرئيس الروسي "بوتين"، الذي كان يخجل أن يظهر ذلك، ويتعامل بحنكة وغموض، تحسبا للنتائج والعواقب، ورغم أنه ضرب ضربته قبل ساعات من الانتخابات عن طريق "ويكليكس"، حيث نشر آلاف الوثائق المسيئة لماكرون والمدمرة لسمعته، لكن الخطة في النهاية فشلت، وفاز ماكرون.
ولعل أحد أهم أسباب انحياز السيسي للمتطرفة لوبان، هو خطابها المتماهي تماما مع قائد الانقلاب، حيث رهنت مواجهة الإرهاب على استخدام سلاح "الخوف" من الإرهاب لترويض الناخب، وطرح فكرة أن "الأمن والأمان" مقدم على مطالب الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، وأن الإجراءات الأمنية القاسية والعنيفة هي التي تردع الإرهاب وتحمي فرنسا، وهو تقريبا نفس خطاب السيسي تماما.
بينما طرح الشاب السياسي "ماكرون" رؤية مغايرة، ترى أن الديمقراطية هي الحصن ضد الإرهاب، وأن الاعتدال والحرية والحفاظ على حقوق الإنسان وعلى قيم الاستنارة، هي خط الدفاع الأول عن فرنسا ضد الإرهاب، وعند صناديق الانتخابات انحاز الشعب الفرنسي إلى خطاب النضج والعقل والاعتدال، انحاز للحرية والديمقراطية، ولم يرضخ للابتزاز بتخويفه من الإرهاب؛ وهذا ما أزعج البعض في العالم الثالث على ما يبدو، بحسب سلطان.