في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل الوسط الصيدلي، وافق برلمان الانقلاب على تعديل تشريعي يُلزم خريجي كليات الصيدلة بسنة تدريب إجباري بعد التخرج، مقابل مكافأة شهرية لا تتجاوز 2500 جنيه (نحو 49 دولاراً)، وهو ما اعتبره كثيرون تدخلاً مباشراً في اختصاصات نقابة الصيادلة ومحاولة للسيطرة على المهنة بشكل مركزي تحت مظلة الدولة.
قانون جديد يثير الشكوك حول استقلال النقابة
القانون الجديد يشترط قضاء سنة تدريبية في مستشفيات أو مؤسسات صحية معتمدة من الدولة قبل منح خريجي الصيدلة ترخيص مزاولة المهنة. ووفقاً للنص، لن يتم تسجيل الصيدلي في وزارة الصحة إلا بعد اجتياز هذه السنة الإلزامية، على أن يكون التدريب تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس أو من تندبهم الجهات الحكومية المختصة.
هذا التعديل أثار موجة اعتراضات داخل أوساط الصيادلة، وسط اتهامات للبرلمان والحكومة بمحاولة "تأميم" النقابة وسحب صلاحياتها في اعتماد الخريجين ومنح التراخيص المهنية، وهو ما كان يعد من صميم اختصاصاتها المستقلة.
رافضون: تجاهل النقابة وتهميش دورها
وانتقد صيادلة ونقابيون تمرير القانون دون التشاور مع نقابة الصيادلة، مؤكدين أن القرار يمثل انتقاصاً من دور النقابة في تنظيم شؤون المهنة، ومخالفة للمادة 77 من الدستور التي تنص على استقلال النقابات المهنية.
وقال أحد أعضاء مجلس نقابة الصيادلة (فضّل عدم ذكر اسمه) إن "القرار يعكس إصرار الدولة على إدارة المهنة من فوق، دون أدنى اعتبار لرأي النقابة أو لواقع سوق العمل"، محذراً من أن هذا الاتجاه "يفتح الباب أمام مزيد من التدخلات التي تهدد استقلال النقابات ككيانات مدنية".
أزمة فائض الصيادلة وتناقض السياسات الحكومية
ورغم تبرير الحكومة لهذا التعديل بوجود فائض ضخم في أعداد الصيادلة مقارنة بالمعايير العالمية، تساءل معارضون للقانون عن سبب استمرار وزارة التعليم العالي في منح تراخيص لإنشاء كليات صيدلة جديدة في الجامعات الخاصة.
وأعربت النائبة إيرين سعيد عن استيائها من غياب التخطيط الاستراتيجي، قائلة إن الوزارة "تتعامل مع ملف الصيادلة بسطحية شديدة"، مشيرة إلى أن الدولة تفتح كليات جديدة سنوياً دون رقابة حقيقية أو تقييم لاحتياجات السوق.
أرقام صادمة… ومكافأة لا تليق بمستوى المهنة
تشير بيانات المجلس الأعلى للجامعات إلى أن عدد خريجي الصيدلة ارتفع بنسبة 55% في سبع سنوات فقط، ليبلغ أكثر من 14 ألف خريج سنوياً، بينما بلغ عدد الصيادلة المقيدين في النقابة أكثر من 216 ألفاً، أي بمعدل صيدلي واحد لكل 438 مواطناً، وهو رقم يفوق المعدلات العالمية بأكثر من أربعة أضعاف.
وعلى الرغم من هذه الأرقام، فقد أثار تحديد مكافأة التدريب عند 2500 جنيه شهرياً استهجان الخريجين والنقابيين، الذين اعتبروها "غير كافية لتغطية مصاريف التنقل والمعيشة، فضلاً عن كونها مهينة لمكانة الصيدلي"، بحسب تعبير أحد خريجي كلية الصيدلة بجامعة القاهرة.
تقليص دور النقابات
يرى مراقبون أن القانون الجديد يكشف عن توجه حكومي متصاعد لتقليص دور النقابات المهنية وتحويلها إلى أذرع تنفيذية تابعة للسلطة، في إطار ما وصفه البعض بـ"إعادة هيكلة للمجتمع المدني تحت سيطرة الدولة". وبينما تبرر الحكومة قراراتها بالحاجة إلى ضبط سوق العمل، يحذر نقابيون من أن المساس باستقلال النقابات يهدد بجعل المهن الطبية أداة بيروقراطية خالية من الكفاءة والتمثيل الحقيقي.