كارثة انفجار خطوط الغاز: يد الجيش في الإهمال والتعتيم الرسمي ..من يدفع الثمن ؟

- ‎فيتقارير

 

شهدت مدينة السادس من أكتوبر انفجارين كارثيين في غضون أسبوعين، راح ضحيتهما ثمانية قتلى وعشرات المصابين بحروق بالغة. ورغم فداحة الحادثين، لم تقدم حكومة الانقلاب العسكري  أي اعتذار رسمي، ولم تعلن عن خطة لتعويض الضحايا. بدلاً من ذلك، اكتفت السلطات باتهام أربعة أفراد فقط بالإهمال، بينهم مقاول وسائق لودر ومهندسان، في محاولة لحصر المسؤولية بعيداً عن المؤسسات الكبرى التي يفترض أنها تشرف على مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك الشركات التابعة للجيش.

 

 

نقابة المهندسين تفضح غياب الإشراف والتنسيق

وفي محاولة لملء فراغ الدولة العسكرية البوليسية ، شكلت نقابة المهندسين لجنة تقصي حقائق، كشفت في بيان لها أن خط الغاز تم كسره أثناء أعمال حفر جرت دون وجود لافتات تحذيرية أو إشارات تدل على خطوط الغاز، كما تم ردم الخط المكسور دون إخطار الجهات المعنية، مما أدى إلى تسرب الغاز على مدى يومين وانفجاره لاحقًا. وأضاف البيان أن الحفر تم دون الرجوع إلى الخرائط أو التنسيق مع شركة "ناتغاس" المعنية بتشغيل الخط، في مخالفة صريحة للبروتوكولات الفنية، وهو ما كان يفترض أن يوقف المشروع فورًا.

 

وبينما تجاهل البيان الرسمي الإشارة إلى الجهة المسؤولة عن إسناد المشروع، أكد مهندسون شاركوا في التحقيق أن الإشراف الفعلي كان يتم من طرف شركة تابعة لإحدى الجهات السيادية، ما يجعل مقاولي الباطن يتصرفون دون الرجوع للمراكز المعلوماتية المدنية أو الالتزام بضوابط الأمان، لأن التعليمات تصدر "من فوق" ولا يجرؤ أحد على مراجعتها.

 

معاناة الضحايا ودور المؤسسات الخيرية

بينما غابت وزارة الصحة عن تقديم الدعم اللازم لعلاج الضحايا، تحملت مستشفيات خيرية مثل "أهل مصر" العبء الأكبر لإنقاذ المصابين. وبرزت منشورات مؤلمة من مؤسِّسة المستشفى، هبة السويدي، توثق الخسائر الإنسانية، ومنها وفاة سما عادل ومنة أيمن بعد صراع مرير مع الحروق.

 

الأسباب الجذرية: الإهمال والتعتيم المؤسسي

كتب المهندس هشام علي، استشاري نظم السلامة، أن الحادث نتج عن اصطدام لودر بخط الغاز أثناء أعمال حفر غير منسقة مع شركة "ناتغاس"، إضافة إلى تقادم البنية التحتية وغياب خرائط دقيقة للبنية الأساسية. وأشار إلى أن الجهة المسؤولة عن المشروع، التي تنتمي للجيش، غالباً ما تتصرف دون تنسيق مع الجهات المدنية أو الالتزام بالإجراءات القياسية.

 

تكرار الحوادث دون حلول

حادثا الواحات يمثلان امتداداً لسلسلة انفجارات مشابهة شهدتها مصر في الأعوام الأخيرة. في يوليو 2020، تسبب خط أنابيب نفط تديره شركة تابعة للجيش في انفجار هائل نتيجة أعمال تطوير عشوائية. ورغم التكرار المستمر لهذه الكوارث، لم تصدر الدولة تشريعات صارمة لضمان التنسيق بين الجهات المختلفة، ما يعكس غياباً ممنهجاً للمساءلة.

 

وجود مشاهير ضمن الضحايا يعكس فجوة في العدالة

زاد التعتيم الرسمي رغم أن بعض الضحايا كانوا من الشخصيات البارزة أو المشهورة. يطرح هذا سؤالاً حول قدرة النظام على توفير الأمان حتى لأكثر الفئات حظوة. ومع غياب المساءلة الجدية عن المتسبب الحقيقي، يبقى التواطؤ المؤسسي حجر عثرة أمام تحقيق العدالة للضحايا.

 

إلى متى يستمر الإهمال؟

تُعد الحوادث المتكررة في خطوط الغاز نموذجًا للإهمال المؤسسي الذي يتجاهل المعايير المهنية لصالح السرعة والأوامر الفوقية. وبينما تتوالى الكوارث، يبقى السؤال معلقاً: متى يتم تحرير المشاريع المدنية من هيمنة الجيش لضمان سلامة المواطنين؟

 

 

رغم فداحة الحادث المأساوي الذي أودى بحياة ثمانية مواطنين وأصاب العشرات بحروق قاتلة في مدينة السادس من أكتوبر، إلا أن الحكومة المصرية لم تصدر أي اعتذار رسمي، ولم تعلن عن خطة لتعويض الضحايا، بل اكتفت بإلقاء اللوم على مقاول وسائق لودر ومهندسين اثنين، في مشهد يتكرر مع كل كارثة، حيث يُختزل الإهمال المؤسسي في مسؤولية أفراد محدودين.

 

الانفجار، الذي وقع بطريق "الواحات – غرب سوميد"، ليس الأول من نوعه في المدينة، بل هو الثالث خلال أقل من أربعة أشهر، ما يسلط الضوء على أزمة هيكلية تتعلق بغياب التنسيق، وضعف الإشراف، وتدخل جهات سيادية في إدارة المشروعات دون خضوع فعلي للرقابة الفنية أو المدنية. وتشير مصادر مهنية إلى أن جهة الإشراف والإسناد للمشروع الذي وقعت فيه الكارثة، تتبع شركة تابعة لجهاز سيادي، تعمل خارج الأطر المعتادة، وبأوامر مباشرة تُقصي الأجهزة المدنية وتمنع تدخلها.

 

صمت رسمي رغم سقوط ضحايا من مشاهير النظام

اللافت في هذه المأساة، أن بعض ضحايا الانفجار كانوا من عائلات محسوبة على النظام، من بينهم الشابة منة أيمن (25 عامًا)، حفيدة مسؤول أمني سابق، وسما عادل (23 عامًا) التي كانت تعمل في مجال الإعلام الرقمي وتربطها علاقات بعدة شخصيات نافذة. ومع ذلك، لم يظهر أي تحرك رسمي استثنائي، بل ساد صمت مطبق في الإعلام الرسمي الذي اكتفى بنشر بيانات مقتضبة عن عدد الضحايا، دون مناقشة الأسباب أو تحميل جهات عليا المسؤولية.

 

 

مستشفيات أهلية تتولى إنقاذ الضحايا وسط تجاهل حكومي

وسط غياب وزارة الصحة عن مشهد العلاج، تصدّت مستشفى "أهل مصر" الخيرية، المتخصصة في علاج الحروق، لمعركة إنقاذ ضحايا الانفجار. وأكدت مؤسستها، هبة السويدي، في منشور مؤلم، وفاة الشابتين سما ومنة بعد صراع مع الحروق من الدرجة الرابعة، مشيرة إلى انهيار الطواقم الطبية من هول الإصابات، في ظل غياب أي دعم من الدولة.

 

قانون جديد قد يوسع دائرة المحاسبة

الاستشاري في نظم السلامة هشام علي، كتب تحليلًا فنيًا اعتبر فيه أن موقع الانفجار يعد "مكان عمل" يخضع لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003، وكان من المفترض أن يشهد تنسيقًا دقيقًا قبل أي أعمال حفر. وأشار إلى أن القانون الجديد رقم 14 لسنة 2025 قد يسمح بمحاسبة الشركات المُشغلة، لا الأفراد فقط، ما يفتح الباب لمطالبات أهالي الضحايا بمحاسبة الجهات العليا، وعلى رأسها الجهة السيادية المشرفة على المشروع.

 

سلسلة انفجارات تتكرر والفاعل مجهول

حادثا 30 إبريل و11 مايو ليسا استثناءً، إذ شهدت المدينة ذاتها انفجارًا مماثلًا في يناير 2025 بحي السابع، نتيجة سقوط كابلات كهربائية على خط غاز أثناء أعمال تطوير. كما شهدت القليوبية العام الماضي تسربات غازية خطيرة داخل محطات صرف صحي، فضلًا عن انفجار خط أنابيب النفط في طريق القاهرة-الإسماعيلية عام 2020، الذي أثار جدلًا واسعًا حول الإشراف العسكري على مشروعات البنية التحتية.

 

من يدفع الثمن؟

حتى الآن، لا تزال أسر الضحايا تنتظر إجابات. لا تعويضات، لا محاسبة حقيقية، ولا اعتراف رسمي بالمسؤولية. كل ما لديهم صور بناتهم المشتعلة على منصات التواصل، ووسم "#انفجار_الواحات" الذي حاول أن يوقظ ضميرًا عامًا نائمًا.

 

لكن مع استمرار التعتيم، وتجاهل وسائل الإعلام المقربة من السلطة لتفاصيل الحادث، يخشى المراقبون من أن تكون هذه المأساة مجرد حلقة جديدة في سلسلة كوارث "المقاولات السيادية"، حيث يدفع الأبرياء ثمن غياب الدولة، ويد القانون، والمهنية.