في خطوة وصفها حقوقيون بـ"الاندفاع السلطوي"، مضى، المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي قُدمًا في إقرار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، رغم اعتراضات داخلية واسعة، وتحذيرات دولية متصاعدة من تداعياته على منظومة العدالة، وضمانات المحاكمة العادلة. تحذير أممي من نظام المحاكمات عن بُعد والتوسع في سلطات النيابة أحدث هذه التحذيرات جاء من لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة، التي أعربت في تقرير صدر منتصف مايو الجاري عن قلقها العميق من إقرار القانون الجديد، مشيرة إلى أنه يُكرّس محاكمات عن بُعد دون ضمانات كافية، ويُوسّع من سلطات النيابة العامة في الحبس الاحتياطي، ويمنحها صلاحيات تعيق عمل الدفاع بمنع المحامين من الوصول إلى ملفات القضايا بدعوى مصلحة التحقيق". كما انتقدت اللجنة استمرار العمل بمحاكم أمن الدولة طوارئ في نظر قضايا مُحالة قبل إلغاء حالة الطوارئ في 2021، ووصفت الإجراءات فيها بأنها استثنائية وتفتقر للضمانات، وأبدت قلقًا بالغًا من القوانين المصرية الخاصة بمكافحة الإرهاب، التي تمنح قوات الأمن صلاحيات واسعة لتوقيف الأشخاص لأجل غير مسمى، خارج أي رقابة قضائية فعالة. برلمان بلا حوار مجتمعي.. وقانون مُفصّل للقبضة الأمنية ورغم هذه التحذيرات، وافق مجلس النواب الانقلابي، في 29 أبريل الماضي، على مشروع القانون، بعد إدخال تعديلات على 17 مادة منه، وجاءت الموافقة في تجاهل تام لملاحظات نقابة الصحفيين التي أرسلت ورقة تفصيلية للبرلمان تتضمن اعتراضات على النصوص المُقيّدة للحقوق، إضافة إلى اعتراضات من نقابة المحامين وحقوقيين بارزين خلال مؤتمر صحفي استضافته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. إحدى المواد التي أثارت جدلاً هي تلك المتعلقة بفرض غرامات كبديل للحبس الاحتياطي، والتي اعتبرها حقوقيون خطوة شكلية لا تعالج جوهر الانتهاك، بل تُستخدم كأداة ضغط قضائي جديدة. نظام لا يُبالي.. سجل أسود في قمع الحريات لا تُعد هذه المرة الأولى التي يُظهر فيها نظام السيسي استهتاره بالمجتمع المدني والهيئات الدولية، فمنذ انقلابه العسكري في 2013 على أول رئيس مدني منتخب، الرئيس الشهيد محمد مرسي، يعتمد السيسي نهجًا قمعيًا يُقصي فيه كل صوت معارض، ويُقنن القبضة الأمنية عبر تشريعات مُفصّلة على مقاس الأجهزة الأمنية. ورغم النداءات المتكررة من منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية ومقرري الأمم المتحدة الخاصين، لا تزال السلطات الانقلابية بتعليمات من السيسي نفسه تتوسع في تشريعات تُقيد حرية التعبير والتجمع، وتشرعن انتهاكات طالت آلاف النشطاء والمعارضين. قانون لا يعكس عدالة بل يُكرّس الاستبداد في ضوء ما سبق، يُنظر إلى القانون الجديد بوصفه حلقة جديدة في مسلسل التحلل من مبادئ العدالة وسيادة القانون، وليس خطوة نحو إصلاح منظومة العدالة كما يُروّج له إعلام النظام، ويبقى الأرجح أن السيسي لن يصغى لأي مناشدات، سواء من الداخل أو الخارج، ما دام النظام ماضٍ في ترسيخ أركان الاستبداد بقوانين تُكمم الأفواه وتُرهب الخصوم.