مخالفات البناء تحولت إلى مافيا فى زمن الانقلاب حيث تُقام المبانى دون ترخيص، على مرأى ومسمع من موظفى الأحياء والمجالس المحلية وتُباع الوحدات بسرعة الصاروخ عبر سماسرة محترفين، ويكتشف المواطن لاحقًا أنه ضحية لصفقة فاسدة، لا ذنب له فيها سوى أنه صدّق أن هناك دولة تحميه.
مخالفات البناء شبكة مصالح مغلقة، يتداخل فيها موظفو الأحياء وسماسرة محترفون، وملاك عقارات لا يعرفون القانون إلا لتجاوزه، كل طرف له دور محدد فى تمرير الجريمة، ومن يخرج عن النص، يتم التشهير به داخل «دائرة التآمر» بتهم مختلفة.
الوحدات المخالفة تُباع يوميًا بالملايين، بينما قرارات الإزالة تُجهز فى الأدراج، بانتظار من يدفع أكثر..هكذا تحولت مافيا مخالفات البناء إلى شبكة منظمة من الفساد، تعبث بمصير أحياء كاملة، فى ظل غياب بالقانون.
الكحول
حول هذه المافيا كشف سمسار شهير عن واحدة من أخطر حيل البناء المخالف التى تستخدمها العصابات العقارية للهروب من قبضة القانون، موضحا أن الحيلة تتمثل فى «الكحول»، وهو رجل مسن مُستغل، لا يمتلك من العقار شيئًا، لكن اسمه يُكتب فى كل أوراقه الرسمية من عقود وتراخيص وتحرير محاضر المخالفات.
وقال السمسار الذى رفض الكشف عن هويته خوفًا من بطش المخالفين : المخالف الحقيقى لا يكتب باسمه شيئًا، بل يأتى برجل مسن ضعيف، غالبًا فقير أو مريض، يُقنعه بتسجيل كل شيء باسمه مقابل راتب شهرى لا يتجاوز 5 آلاف جنيه وبعض الوجبات البسيطة .
وأوضح أنه فى هذه الحيلة، يتم استخدام هذا الرجل المسن كبش فداء، لتبرئة المخالفين من أى مسئولية قانونية، بينما يظل الأخير فى الظل، يواصل بيع الوحدات السكنية المخالفة بملايين الجنيهات، فى أمان كامل، دون أن يقترب منه أحد.
وأضاف السمسار: أن المخالف يلعب على المكشوف، وتبدأ اللعبة بمساعدته فى تهريب المستندات والورق، بينما كل محضر يتعلق بالمخالفة يُحرر باسم هذا الرجل المسن، ليظل المخالف بعيدًا عن الأنظار تمامًا، موضحا أن الكحول هو فقط ضحية يُستخدم كأداة فى منظومة فساد شاملة، بينما يحقق المخالف أرباحًا ضخمة من ورائه.
احتيال منظم
يقول محسن. م، أحد سكان حدائق القبة، : هناك وحدات سكنية تُبنى بالكامل فى أيام معدودة، ويتم تشطيبها خلال أسبوع على الأكثر، لتُطرح بعدها للبيع بأسعار تتراوح بين 1.5 إلى مليوني جنيه للشقة الواحدة، رغم كونها مخالفة بالكامل.
وأشار إلى أن هناك «احتيالا منظما» يتم به خداع المشترين، «المخالف بيظبط أوراق الوحدة بشكل احترافى جدًا.. أوراق مطبوعة على كمبيوتر شبه رسمية، عشان يطمن المشتري، مؤكدًا أن الأوراق تكون مزورة ببراعة، ولا يكتشف المشترى الخدعة إلا بعد فوات الأوان.
وأكد محسن، أن بعض موظفى الحى أنفسهم باتوا جزءًا من هذه المنظومة، حيث يتم التغاضى عن المخالفة فى بدايتها، بل والمساعدة فى «تظبيط» الأوراق، مما يفتح الطريق أمام بيع هذه الوحدات دون عوائق فى الوقت المطلوب، موضحا أن المخالف دلوقتى مش بيهرب، ده بيشتغل عينى عينك، وبيبيع الشقة بمليون ونص و2 مليون كأنها مرخصة، والضحية هو المواطن اللى بيكتشف بعد كده إن الشقة مخالفة وصادر ضدها قرار إزالة .
عقارات بلا قانون
وأكد أسامة. أ، موظف حكومى بالمعاش أن المخالفات لم تعد استثناءً، بل أصبحت القاعدة، موضحا أن اللى بيبنى مخالف مش بيشتغل بعشوائية، بيختار الأحياء اللى فيها طلب وسعر المتر فيها عالى، عشان يقدر يغامر ويكسب بسرعة، وحدات بتتبنى وبتتباع فى أيام، والكل ساكت .
وقال أسامة : فرق المتابعة والإشغالات، والاسكان، والرصد، التابعة للأحياء تمر يوميًا فى الشوارع، وترى المخالفات فى بداياتها، لكنها لا تتخذ أى إجراءات رغم أن المفترض أن أول ما يشوفوا شدة أو صب سقف بدون ترخيص، يبلغوا رئيس الحى ويصدر قرار إزالة فورى، لكن اللى بيحصل هو العكس.. صمت وتواطؤ، لحد ما العقار يبقى أمر واقع ومغلق الأبواب بالجنازير.
المواطن ضحية
وأشار إلى أن المشهد الأكثر قسوة، يبدأ بعد البيع، المواطن الذى اشترى وحدة بمدخرات عمره، يكتشف بعد فترة أن العقار صادر بحقه قرار إزالة، ومجموعة محاضر، دون أن يجد من يوجه له إنذارًا أو يفتح له باب تفاوض، اللى باع بيختفى، والمواطن يُترك فى مواجهة دولة العسكر، رغم أنه ضحية مش مجرم .
وأوضح أسامة، أن عمليات البناء المخالف تُنفذ فى وضح النهار، وعلى مدار أسابيع، دون أن تتدخل الأجهزة التنفيذية مما يؤكد وجود تواطؤ أو تغاضٍ ممنهج داخل منظومة الإدارة المحلية، لافتا إلى أنه فى ظل هذا الواقع، لم يعد الحديث عن قرارات إزالة كافيًا، بل المطلوب تحقيق شفاف فى ملفات الأحياء، ومحاسبة من تواطأ أو تغاضى أو تستر .
وشدد على أن تمرير مخالفة بناء ليس خطأ إداريًا، بل جريمة يدفع ثمنها المواطن البرىء وحده، بينما ينجو المخالف الحقيقى، ويكرر فعلته فى مكان آخر بمساعدة موظفين فاسدين.