السعودية تُعدم الصحفي تركي الجاسر في ظل انشغال العالم بالحرب الإيرانية-الإسرائيلية
في خطوة أثارت استياء واسعًا بين المدافعين عن حقوق الإنسان، نفذت السلطات السعودية حكم الإعدام بحق الصحفي المعروف تركي الجاسر يوم السبت في العاصمة الرياض، مستغلة انشغال الإعلام العالمي بالحرب المشتعلة بين إيران وإسرائيل. ويُعد إعدام الجاسر سابقة في سجل القمع داخل المملكة، حيث يُنفذ لأول مرة بحق صحفي لم تثبت عليه أي تهم متعلقة بالعنف أو استهداف مباشر لأمن الدولة.
تركي الجاسر.. من هو؟
تركي الجاسر هو صحفي سعودي معروف بمواقفه الجريئة والداعمة للحريات، وكان من أبرز المنتقدين لحملة اعتقال العلماء والدعاة التي شنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. كما أبدى مواقف صريحة ضد القمع في مصر خلال مذبحة رابعة والنهضة، وضد الحصار المفروض على غزة.
وكان الجاسر يكتب تحت اسم مستعار عبر حساب "كشكول" المعارض، الذي انتقد فيه السياسات الداخلية والانتهاكات بحق الناشطين والمفكرين داخل المملكة. ويُعتقد أن الكشف عن هويته تم عبر تعاون أمني بين السلطات السعودية ومكتب "تويتر" الإقليمي في دبي، ما أدى إلى اعتقاله عام 2018.
الإعدام في ظل الغموض
أعلنت وزارة الداخلية السعودية تنفيذ حكم "القتل تعزيراً" بحق الجاسر، بزعم تخابره مع جهات خارجية، وتلقيه تمويلاً بهدف "زعزعة أمن الدولة". غير أن البيان الرسمي تجنب ذكر صفته الصحفية، كما لم يوضح الملابسات الحقيقية وراء احتجازه لسبع سنوات دون محاكمة عادلة أو ظهور إعلامي.
وكان الجاسر قد اختفى منذ لحظة اعتقاله، وأشيع لاحقاً أنه قُتل تحت التعذيب، إلى أن اتصل بأسرته في 2020. ومنذ ذلك الحين، لم يصدر أي توضيح رسمي بشأن وضعه، إلى أن فاجأت السلطات الجميع بإعلان تنفيذ حكم الإعدام فجأة، ووسط حالة صمت رسمي مطبق.
ردود فعل حقوقية غاضبة
العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، وعلى رأسها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، أدانت الإعدام ووصفته بأنه "رسالة ترهيب جديدة" تستهدف كل من يعبر عن رأيه في المملكة. وقالت الناشطة السعودية لينا الهذلول في تغريدة:
"إعدام تركي الجاسر جريمة سياسية. كان صوته مزعجًا للنظام، لا أكثر. لا تهمة حقيقية، ولا محاكمة عادلة، فقط قرار بالتخلص منه".
أما المحامي الحقوقي خالد الفقيه فصرّح:
"إعدام صحفي دون إعلان محاكمة علنية، أو عرض أدلة موثقة، يمثل انهيارًا تامًا لثقة العالم في منظومة العدالة السعودية، ويزيد المخاوف من عودة الإعدامات كأداة قمع مباشر".
أبرز تدوينات الجاسر
قبل اعتقاله، نشر الجاسر عبر حساب "كشكول" تغريدات شكلت مادة للنقاش الجاد داخل وخارج السعودية، من بينها:
- "حين يُسجن العلماء وتُكافأ لجان الذباب، فإنك لست في وطن، بل في مزرعة."
- "السكوت على قتل المدنيين في غزة خيانة. لا تغرنكم صفقات النفط."
- "كلنا نخشى مصير خاشقجي، لكننا لا نملك إلا الكلمة."
تغريدات كهذه وغيرها، كانت سببًا في ملاحقته، ووفقًا لمصادر حقوقية، فإن حسابه كان تحت مراقبة متواصلة منذ 2017.
خاتمة
إعدام تركي الجاسر لم يكن مجرد عقوبة جنائية، بل رسالة سياسية واضحة مفادها أن الكلمة الحرة لا مكان لها في ظل ولاية محمد بن سلمان. وبينما يواصل العالم انشغاله بالحرب الكبرى في الشرق الأوسط، تُنفذ الإعدامات في الداخل السعودي في صمت، لا يسمعه إلا من لا يزال يجرؤ على أن يتكلم.