أعلن ترامب أن الولايات المتحدة نفذت ضربات جوية على 3 مواقع نووية إيرانية (فوردو، نطنز، أصفهان) وانضمت رسميًا إلى الحملة الجوية "الإسرائيلية" ضد إيران، بحسب (أسوشيتد برس).
وهو ما دعا مراقبين للتساؤل عن الاقتراب من مواجهة إقليمية واسعة، وتبعات هذا التصعيد الخطير، على الشرق الأوسط عموما وعلى مصر على وجه الخصوص.
وفي تقرير نشرة (إنتربرايز) أكد أنه "مع تصاعد المخاوف من اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقا في أعقاب الهجمات الجوية المتبادلة بين إيران وإسرائيل، نسلط ضوءا على ما قد يعنيه هذا لمصر، فالسؤال المطروح يتعلق بالضغوط الناتجة عن الاضطرابات في تدفقات الطاقة ومسارات الشحن والملاحة البحرية والتدفقات السياحية، ومدى تأثيرها على الوضع الخارجي لمصر واستقرار اقتصادها، وما إذا كانت هذه العوامل قد يصاحبها نفور من جانب المستثمرين الأجانب؟ نستعرض في السطور التالية التداعيات الاقتصادية المحتملة على مصر في حال استمرار الأعمال العدائية في المنطقة أو تصاعد وتيرتها.".
9 تداعيات رئيسية
وركز تقرير (التصعيد الإسرائيلي الإيراني: ما هي التداعيات المحتملة على مصر؟) على عدة تداعيات أبرزها النفط وقناة السويس والطاقة والدعم وصفقات بيع الأصول .
وأشار إلى أن التصعيد قد يؤدي إلى “اضطرابات في سلاسل التوريد، مما قد يؤثر سلبا على التضخم وربما يعرقل دورة التيسير النقدي في مصر”، وفق ما قالته رئيس إدارة البحوث المالية بشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار نعمت شكري لإنتربرايز، مضيفة أن أسعار النفط ارتفعت، مما صاحبه إعلان وزارة البترول احتياجها إلى خفض إمداداتها من الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية.
واستقصت النشرة تصريح الخبير المصرفي هاني أبو الفتوح من أنه في ظل ارتفاع أسعار النفط، من المرجح أن تزيد فاتورة الاستيراد، مما قد يضع ضغوطا على ميزان المدفوعات على المدى القصير. وقال أيضا إن “الجنيه لم يشهد تراجعا حادا حتى اللحظة، لكنني أعتقد أن استمرار التوتر قد يدفع بعض المستثمرين الأجانب إلى التحوط، مما يزيد الطلب على الدولار محليا”.
وأشار إلى أن محاولات تأمين احتياطي استراتيجي للطاقة اتضح في توقيع مصر اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعي خلال عطلة نهاية الأسبوع لبناء احتياطي استراتيجي من المنتجات البترولية لمدة ستة أشهر، في خضم تزايد المخاطر الجيوسياسية. يمكنكم متابعة التفاصيل الكاملة في فقرة “طاقة” أدناه.
ورجح التقرير مزيد من ارتفاع أسعار النفط في ظل استهداف إسرائيل مواقع الطاقة الإيرانية حيث وسعت "إسرائيل" نطاق أهدافها أمس ليشمل البنية التحتية للطاقة في إيران، بضربة استهدفت منشأة إيرانية لمعالجة الغاز الطبيعي في حقل بارس الجنوبي للغاز — الذي يعد الأكبر في العالم. ومع أن إنتاج الحقل موجه بشكل أساسي للسوق المحلية الإيرانية، فإن تحول إسرائيل نحو استهداف منشآت الطاقة قد يضيف مزيدا من التقلبات إلى سوق الطاقة الدولية.
احتياطي السلع والدعم
وعن التداعي الداخلي المتمثل في (احتياطيات السلع الأساسية يجب أن تساعد في الحفاظ على استقرار السوق المحلية والأسعار) أشار التقرير إلى : “مدد الكفاية الاستراتيجية من جميع السلع الأساسية تفوق حاليا حاجز الستة أشهر، مما يعكس جاهزية الدولة وقدرتها على التعامل مع أية مستجدات على الساحتين الدولية والإقليمية دون التأثير على توافر السلع أو استقرار الأسواق”، وفق ما قاله وزير التموين بحكومة السيسي شريف فاروق من أن الوزارة تكثف الرقابة الميدانية للتصدي للاحتكار أو رفع الأسعار وضمان استمرار توريد المنتجات.
ورأت انتربرايز في ارتباط المؤثر، أن ملف إصلاح الدعم يعود إلى طاولة النقاش مجددا مضيفة أن إحدى النتائج المحتملة لهذا التصعيد الإقليمي تتمثل في التحول في الاستراتيجية المالية للحكومة. قد تدعم الأحداث تقدم مصر المحتمل بطلب إلى “صندوق النقد الدولي بإعادة النظر في جدول تطبيق رفع أسعار المحروقات والكهرباء نظرا للأحداث الحالية”، وفق جنينة. وأكد أبو الفتوح أيضا على هذا الرأي، قائلا: “قد يستدعي الأمر إعادة تقييم بعض بنود الدعم أو تسعير المنتجات البترولية، وهو ما ستكون له آثار اجتماعية واقتصادية لا يمكن تجاهلها".
أسواق المال
وحذرت النشرة من موجة نزوح جديدة للمال الساخن من مصر حيث أسواق رأس المال قد تشهد موجة نزوح جديدة: “قد نشهد بعض عمليات البيع بدافع الخوف في تعاملات أذون الخزانة والأسهم من جانب المستثمرين الأجانب، وهي استجابة أولية بسبب زيادة المخاطر الجيوسياسية في المنطقة”، بحسب شكري.
ونقلت "إنتربرايز" عن الخبير الاقتصادي هاني جنينة: “قد يحدث تخارج جزئي، وهو طبيعي نتيجة التخوف من اهتزاز سعر الصرف”، ومع ذلك، استبعد إمكانية حدوث تخارج كامل مماثل لأزمة الأموال الساخنة في عام 2022، ما لم تتعطل التدفقات الرئيسية بشدة. “التخارج الكلي لن يحدث إلا إذا شك المستثمر في توقف تام لإيرادات السياحة والتحويلات وخلافه، وهو مستبعد تماما لأن حركة السياحة ورؤوس الأموال خلال العامين الماضيين — وهي أعوام اضطرابات سياسية حادة — أظهرت عكس ذلك تماما”، بحسب جنينة.
وأضافت أن "المخاوف من تدفقات المحافظ الأجنبية إلى خارج سوق الدين المحلية المصرية، حسبما قال مصدر حكومي. وأن الشهر مايو الماضي عودة المستثمرين الأجانب إلى أدوات الدين المحلية المقومة بالجنيه بعد تخارج حاد في أبريل، مدعومين بدورة التيسير النقدي التي اتبعها البنك المركزي. ومن المتوقع أن يساعد تحول وزارة المالية نحو آجال استحقاق أطول للديون في التخفيف من التعرض لتقلبات الأموال الساخنة.
واعتبرت النشرة أنه في الوقت الراهن.. مصر لديها بعض الحيز للمناورة؛ برغم المخاطر، لا يزال وضع الاقتصاد الكلي في مصر مستقرا بما يكفي لتحمل الاضطرابات قصيرة المدى، وفق جنينة.
مضيفا أنه “مما نراه الآن أن هامش التحوط من خطر تخلف مصر عن سداد ديونها الخارجية ما زال منخفضا جدا عند مستويات 5.3%. وهذا سيسمح لمصر بالاستمرار في برنامج إصدار السندات والصكوك لإعادة تمويل الديون الخارجية المستحقة خلال النصف الثاني من هذا العام".
وأشارت إلى أن برنامج الصكوك لا يزال في مساره حيث ما زال من السابق لأوانه تقييم كيفية تأثير التصعيد الإقليمي على إصدار الصكوك المرتقب، فقد صرح مسؤول حكومي لإنتربرايز بأن البرنامج يمضي قدما وفق المخطط. ويجري حاليا إعداد مجموعة من المشروعات والاستثمارات في إطار محلي أوسع لإصدار الصكوك.
قناة السويس
ورأت النشرة أنه لا تأثير فوري على قناة السويس لكن المخاطر قائمة حيث لم تشهد قناة السويس اضطرابات حتى الآن، “لكن أي اضطراب في أمن الملاحة الإقليمية أو ارتفاع كبير في تكلفة التأمين قد يدفع بعض الخطوط الملاحية لإعادة النظر مؤقتًا في مساراتها”،.
ونقلت عن خبير أنه "من شأن هذا أن يعرقل الجهود المبذولة لإعادة خطوط الشحن العالمية إلى الممر الملاحي. فقد انخفضت إيرادات قناة السويس بنسبة 62.3% على أساس سنوي لتصل إلى 1.8 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي 2024-2025 على خلفية اضطرابات البحر الأحمر التي دفعت السفن إلى تغيير مسارها بعيدا عن القناة".
تنويع مصادر الطاقة
وعبر Ibrahim Nawar نصح الخبير اقتصادي د. إبراهيم نوار في مقال نشره عبر فسبوك بعنوان (لماذا لا تتجه مصر إلى تنويع مصادر الطاقة بعيدا عن "إسرائيل"؟) محذرا من أن ".. الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك (الغاز) تتسع إلى 3.1 مليار قدم مكعب يوميا بنسبة 43.6% من احتياجات الاستهلاك، يتعين من الآن تدبير العملة اللازمة لتمويل استيرادها، وتحديد أفضل المصادر المتاحة، سواء بالاتفاق مع دول عربية التي لديها فائض للتصدير، مثل سلطنة عمان والجزائر، أو عن طريق توقيع عقود استيراد فصلية متوسطة الأجل حتى عام 2030 مع موردين موثوق فيهم. كذلك من المهم أن يكون لدى الحكومة استراتيجية طويلة الأجل للطاقة، تغطي فترة تتراوح بين 10 إلى 25 عاما، تأخذ في اعتبارها إمكان أن تكون مصر سوقا لإعادة تصدير الغاز، كما تردد الحكومة في بياناتها الاحتفالية.".
تخبط سياسات الطاقة
وأكد أن سياسة الطاقة في مصر "استمرت في التخبط وتجاهل حقائق الواقع حتى أصبحنا وجها لوجه أمام فصل الصيف، بينما الحكومة لا تزال تدور حول نفسها، تصدر التصريحات الغبية من ناحية تنفي فيها أن هناك أزمة في إمدادات الغاز، وتتخبط في مفاوضات عقيمة مع الموردين من ناحية أخرى. ووصلت الأمور منذ الشهر الماضي إلى اختناقات خطيرة في إمدادات الغاز، انتهت الى إصدار قرارات غريبة على أي صانع سياسة اقتصادية بتقليل الإمدادات إلى المصانع، وعلى رأسها مصانع الأسمدة والبتروكيماويات التي لا تستخدم الغاز كوقود فقط، وإنما تستخدمه كمادة خام أو “لقيم” للتشغيل وإنتاج سلع حيوية للأسواق مثل الأسمدة النيتروجينية. هذا يعني عمليا نقص منتجات تلك المصانع في السوق المحلي، كما يجعلها تتوقف عن التصدير. وتعتبر الصناعات البتروكيماوية وصناعات الأسمدة من أهم الصناعات التصديرية في مصر. وبدأت التداعيات السلبية في هذه المصانع بتقليل الورديات وساعات العمل وانتهت حتى الآن في بعض المصانع إلى التوقف عن العمل جزئيا، وهو ما يعد خسارة حقيقية لمصر.".
وأشار إلى أن "..أزمة إمدادات الغاز عادت إلى المربع الأول، لكن الصناعة هي التي تدفع الثمن حتى الآن. غير أن الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد، بل زادت حدتها بسبب الحاجة إلى الوفاء بالتزامات توفير الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء في الأردن، وهي التزامات تعاقدية نشأت باتفاقية بين مصر والأردن لتصدير الغاز عام 2004 لمدة 15 عاما. لكن تقلبات إنتاج الغاز في مصر مع زيادة احتياجات الاستهلاك تسبب في أزمات امدادات متقطعة منذ عام 2009 حتى عام 2011 عندما توقفت الإمدادات تماما حتى عام 2019.
وخلص "د.نوار" إلى أنه ".. وعلى الرغم من أن الحكومة استطاعت توقيع عقود لاستئجار أرصفة عائمة لتغويز الغاز المسال (أي تحويله الى غاز طبيعي)، فإنها لا تزال تجد صعوبة في التعاقد على إمدادات كافية لتغطية احتياجات الاستهلاك بسبب وجود عقبات تمويلية. وكنا قد أشرنا في مقال اول يناير الماضي إلى ضرورة البحث عن حل تمويلي مستدام يمنع تكرار هذه الأزمة من سنة إلى سنة، خصوصا وأن العجز في إمدادات الغاز من المرجح أن يستمر حتى عام 2029. ولا شك أن الحكومة حاليا في وضع لا تحسد عليه، خصوصا مع ارتفاع أسعار النفط والغاز والاضطرابات الحالية في أسواق الطاقة. لكن المسئولية تقع عليها في ضرورة إيجاد حل عملي لأزمة شاركت هي في حدوثها بالإهمال والتخبط. المسألة الأساسية هنا هي أن الإفراط في استيراد الغاز من إسرائيل يضع الاقتصاد المصري تحت رحمة التقلبات السياسية والاقتصادية هناك، ويجعله تابعا لقطاع الطاقة الإسرائيلي. النداء الذي نوجهه هنا هو ضرورة العمل على تنويع مصادر استيراد الطاقة بعيدا عن "إسرائيل".