شاهد| “العسال” ابن الأزهر.. سجل مشرف من الجهاد والمعرفة

- ‎فيتقارير

كتب حسن الإسكندراني:

كان أحمد العسال -الداعية الإسلامي- رجلا قرآنيا ومربيا فاضلا، غلفت الدعوة كل حياته، غلفت الدعوة كل حياته فتحرك بها، وامتدت جسور معارفه إلى كل رموزها.

وتمر اليوم 16 مايو ذكرى مولده، فلقد ولد في الـ16 من مايو عام 1928م، بقرية الفرستق التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية، حيث سمات البيئة الزراعية المنتجة وحيث الصفاء الروحي والذهني والهدوء والسكينة، وكل القيم الإنسانية الجميلة التي تتسم بها المجتمعات الزراعية. نشأ أحمد العسال في أسرة مترابطة تعشق العلم وأهله.

وفي سنوات عمره الأولى حرص والده على أن يحفظه القرآن الكريم كاملاً،وأثناء حفظه للقرآن بالكتاب كان يذهب إلى المدرسة وحصل على الشهادة الابتدائية، ثم قدم له والده في المعهد الديني الأزهري الابتدائي بطنطا، وهناك تزامل مع الشيخ يوسف القرضاوي في فصل واحد.

وفي يوم من الأيام بعد خروجه من المعهد شده منظر "جوالة الإخوان المسلمين" تقف في الشارع وتهتف: "الله أكبر ولله الحمد"، فهزته تلك الهتافات ومضى خلف الجوالة، وعرف مقر شعبة الإخوان بطنطا.

تتلمذ في المعهد على يد الأستاذ البهي الخولي صاحب كتاب "تذكرة الدعاة"، وأحد أبرز أعضاء الإخوان في ذلك الوقت، فتولاه وزملاؤه بالتربية، كما تأثر بشدة بالأستاذ أحمد البس مدرس الابتدائي ابن قرية القضابة ببسيون الذي لم يترك وسيلة لنشر الخير إلا واتبعها بكل بساطة وتلقائية.

ولما دخل الثانوي تدرب على الخطابة وانضم لقسم نشر الدعوة في الإخوان، وكان يخطب الجمعة في القرى المحيطة بطنطا، وشارك في عقد وتنظيم المؤتمرات المنادية بمطالب الأزهريين ومساواتهم بغيرهم من خريجي الجامعات المصرية، فكان يحضر المؤتمرات التي يعقدها طلاب الأزهر في عواصم المديريات مع ممثلين عن المعاهد الدينية في أنحاء المملكة المصرية.

وقد حددوا فيها مطالبهم ونقلوها إلى المسئولين بالأزهر والحكومة المصرية ومنها: – إعادة النظر في المناهج والكتب الدراسية. – الاهتمام بالجانب التربوي والسلوكي لطلاب الأزهر. – إدخال اللغة الإنجليزية إلى المعاهد الأزهرية. – فتح باب الكليات العسكرية والمدنية أمام حملة الثانوية الأزهرية. – فتح معاهد دينية للفتيات. – إعادة فتح باب الدراسات العليا وتعيين معيدين بكليات الأزهر. ولم يكتف هو وزملاؤه بعقد المؤتمرات، ورفع المطالب والتوصيات بل كانوا أحيانًا يدعون إلى الإضراب أو تنظيم المؤتمرات، وكثيرًا ما حدث صدام بينهم وبين الشرطة، وتعرضوا للإيذاء من أجل الأزهر.

ومرت السنون وجاءت حرب فلسطين 1948م، وتطوع فيها عدد كبير من الإخوان لقتال الصهاينة، وكانت النتيجة حل جماعة الإخوان واعتقال أعضائها، فقام مع زملائه بالأزهر بعمل إضرابات ومظاهرات تنديدًا بحل الجماعة، واعتقل هو وزملاؤه من الطلاب إثر هذه المظاهرات، وتم ترحيله من قسم أول طنطا إلى الهايكستب، ثم إلى معتقل الطور، وكان الشيخ محمد الغزالي هو مسئول الإخوان في معتقل الطور، وكان معه في المعتقل الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ عبد المعز عبد الستار والشيخ السيد سابق. ظل في المعتقل 9 أشهر.

وبعد دخوله الجامعة والتى تزامنت مع حل جماعة الإخوان للمرة الثانية على يد رجال انقلاب يوليو، وأعيد اعتقاله وظل في السجن حتى يونيو 1956م، فخرج وأتم دراسته بكلية الشريعة بالدراسة، وبعد تخرجه منعته الحكومة المصرية من التعيين في أي مؤسسة تابعة لها، فعمل فترة في المدارس الخاصة بمصر الجديدة.

ورأس قسم الدعوة في كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود عام 1984م. تم تعيين العسال أستاذًا بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد – باكستان حيث عمل نائبًا لرئيس الجامعة ثم رئيسًا لها، وظل هناك حتى عام 2003م، ثم عمل مستشارًا لنفس الجامعة ذات العضوية في اتحاد جامعات العالم الإسلامي التابع للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وشارك في تأسيس الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، كما شارك في تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. استطاع الدكتور العسال خلال عشرين عامًا قضاها في باكستان أن يرتقي بالعلوم والثقافة الإسلامية، وأن يجعل من الجامعة الإسلامية هو ومن معه من أساتذة جامعة الأزهر صرحًا علميًّا نشيطًا أثمر قوة وتحصينًا للعقيدة والتعاليم الإسلامية بين طلاب الدول الإسلامية القادمين من دول آسيا الوسطى وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وروسيا والقوقاز والبلقان ودول إفريقية لدراسة العلوم الإسلامية، إضافة إلى أبناء المسلمين في الصين الذين يعانون من طغيان الفلسفة المادية، ويعانون من ضعف الكوادر الإسلامية المثقفة التي تستطيع مواجهة التيارات المادية العاتية.

أخذ الدكتور العسال في تطوير الجامعة وتطوير مناهجها وجلب أساتذة الأزهر لها، وأخذت وقته وجهده وفكره حتى قفزت قفزات سريعة أكاديميًّا وعمرانيًّا، وأصبحت خلال فترة قصيرة من الجامعات العالمية، فخرجت قيادات طلابية مؤهلة تأهيلاً يناسب العصر، وعلماء يقومون بإرشاد شعوبهم المسلمة متسلحين بسلاح العلم والتقوى، لهم دور ملحوظ في كل ميدان من الميادين الدعوية.

كان مرشد الإخوان التلمساني يقول عن العسال: "إنه رجل يمثل نموذجًا للشخصية المسلمة المخلصة، القادرة على التأثير بسلوكها في الآخرين، متفائل دائمًا، شديد التأثر بالقرآن، عميق في إسلامه، صلب في مصريته، وعالمي في أفقه".

استطاع الدكتور العسال استيعاب كم هائل من المؤلفات في الثقافات المتعددة العربية والفارسية والتركية والهندية والصينية داخل الحضارة الإسلامية، وكان مشروعه الفكري هو التمهيد لأجيال قادمة من أبناء المسلمين في البلاد غير الإسلامية لدراسة الإسلام، وإعداد الخريطة العامة لعرض منهجه لهم، بحيث يسهل الصعب، ويفتح الأبواب للدخول.

لقد ترجل فارس التربية والدعوة يوم 10 يوليو 2010م وتوفي عن عمر ناهز 82 عامًا.. رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله خيرًا عن المسلمين جميعًا.

من أبرز كلماته ما تعلق به بعدما نصحه الإمام حسن البنا: أن تحترموا اساتذتكم، وألا تضيعوا أوقاتكم، وأن تتذكروا أنهم مسئولون أن تتفقهوا دينكم، فإذا تفقهتم سدتم،وإذا سدتم قدرتم أن تقودوا.