كتب- محمد مصباح:
في علم السياسة يبدو واضحًا لجوء الأنظمة الحاكمة بالاستبداد والقمع إلى الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتسويغ سياسات معينة يستهدفها النظام، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو استغلال الأحداث التي تقع في التوجه نحو سياسات يريدها النظام، وقد لا تروق للمجتمع المحلي أو الإقليمي.
وتكشف تطورات حادث استهداف أقباط المنيا، وردات الفعل من قبل النظام المصري عن مخطط السيسي للتدخل العسكري بليبيا لصالح حليفه خليفة حفتر ومن اجل الاستيلاء على حصص كبيرة من النفط الليبي، في ظل غياب سيطرة الدولة الكاملة على التراب الليبي.
ضربات قائد الانقلاب العسكرية التي استمرت ليومين، أيضًا جاءت محاولة تنفيس الغضب الداخلي المتعاظم، من خلال فتح جبهة عسكرية خارجية، بدءًا من ليبيا، وتحديدًا درنة. الضربات الجوية التي استهدفت مواقع عسكرية ومدنية في ليبيا خاضعة لسلطة فصائل إسلامية معروفة بعدائها الشديد لتنظيم "داعش"، ومع هذا التنفيس للغضب الداخلي في الخارج، يحصد الحليف الوثيق للنظام المصري، قائد القوات التابعة لبرلمان طبرق خليفة حفتر، مكاسب عديدة، بما أن المواقع المستهدفة من المقاتلات المصرية كانت تشكل حاجزًا أمام تقدّم قواته في هذه المنطقة من الشرق الليبي.
ورغم الضربات التي لا يراها كثير من المصريين غير ذي جدوى، زادت حدّة الغضب الشعبي، خصوصًا في أوساط المصريين الأقباط، لجهة العجز الرسمي عن حمايتهم. وظهر الغضب المتعاظم خلال جنازات الضحايا، وهو الغضب الذي امتد ليشمل عددًا كبيرًا من رجال الدين في الكنيسة القبطية.
ارتباك السيسي المعهود
ورغم الحديث عن نجاحات عسكرية في نتائج الضربات العسكرية، والتي لم تسمها وزارة الدفاع في بيانها أمس، قال المتحدث باسم "مجلس شورى مجاهدي درنة" محمد المنصوري في شريط فيديو إن غارات الطيران المصري "لم تسفر عن أي استهداف لأي موقع من مواقع المجلس إنما استهدفت مواقع مدنية"، وأكد أن "الأضرار كلها مادية، ولم تتسبّب بأضرار بشرية".
ثلاثة سيناريوهات
وتطرح هذه الضربات عددًا من السيناريوهات المستقبلية، التي قد تعكس الطريقة التي ستتعامل بها عصابة السيسي مع الأوضاع الميدانية في ليبيا مستقبلاً..
الأول: تدخّل عسكري مباشر من قبل جيش السيسي، بدعوى محاربة الإرهاب لإعادة التوازن العسكري للنزاع الداخلي الليبي لمصلحة قوات حفتر وبرلمان طبرق عموماً، مع إصرار الولايات المتحدة وأوروبا على استمرار حظر توريد الأسلحة لكل الفصائل الليبية بما في ذلك جيش حفتر، على عكس ما يطالب به السيسي ودول حليفة له مثل الإمارات وروسيا.
الثاني: أن السيسي أسرع بتنفيذ هذه الضربة الجوية بما تيسر للاستخبارات الحربية المصرية من معلومات محدودة حصلت عليها من الاستخبارات الأمريكية أو الروسية، على خلفية رغبة محمومة في توجيه ضربة سريعة بهدف الاستعراض الإعلامي، بغضّ النظر عن ارتباط "مجلس شورى درنة" أو غيره من الفصائل بجريمة المنيا بالفعل من عدمه. وكان لافتاً الاحتفال السريع الظاهر على الصفحات الأولى للصحف المصرية الصادرة أمس السبت بـ"الثأر السريع".
الثالث: السيسي قرر على خلفية اتفاق قديم بينه وبين حفتر والإمارات أن يتدخّل بشكل أساسي في الحرب الليبية لتخفيف الضغط على الجبهة الداخلية التي ثبت أنها تتضرر من ضعف التأمين العسكري للحدود المصرية الليبية من جهة، ومن جهة أخرى فرض نفسه كلاعب أساسي في الحرب أمام الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، ومن جهة ثالثة محاولة إبادة القدرات العسكرية لكل الفصائل الإسلامية المسلحة من دون تمييز، وهو ما عبّر عنه السيسي من قبل أكثر من مرة بالتأكيد أنه لا يوجد فارق بين "داعش" و"القاعدة" و"الإخوان المسلمين"، وهي فكرة محورية في خطاباته بشأن الإرهاب وكررها في القمة العربية-الإسلامية-الأميركية الأسبوع الماضي في الرياض.
وبحسب مراقبين، يبدو في التعامل الأمني مع الأزمات في عهد السيسي أن تداخلاً "غير صحي" بين مهام الاستخبارات العامة والاستخبارات الحربية والأمن الوطني (أمن الدولة) والأمن العام، لا سيما مع اعتماد السيسي في المقام الأول على الاستخبارات الحربية في جمع المعلومات عن هذه المنطقة.
ويظهر ارتباك السيسي وعمله وفق منطق العصابة جليًا في تلك الضربات العسكرية؛ حيث لم يحصل على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب على الرغم من انعقاده، وذلك يخالف المادة 152 من الدستور، حتى إنه لم يجتمع بمجلس الدفاع الوطني الذي تنص المادة نفسها على وجوب أخذ رأيه أيضاً في شن عمليات حربية في الخارج!!.