كتب- مجدي عزت:
دخلت لبنان أمس مرجل التسخين الإقليمي، من جديد، بإعلان سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية من السعودية.. وأحدثت الاستقالة صدمة سياسية في الأوساط اللبنانية والإقليمية على حد سواء، وصفها وزير العدل اللبناني بالملتبسة والمشبوهة في الزمان والمكان والوسيلة والمضمون.
هكذا كانت استقالة سعد الحريري، ما أدى لانقسام المجتمع اللبناني إلى فرق متعددة بين مرحب ومستهجن وباحث عن دوافعها وسياقاتها، ومحذر من تداعياتها على البلد التي لم تخرج من مشاكلها الداخلية منذ عام 2005.
أعلن سعد الحريري استقالته في مكالمة هاتفية مع رئيس الجمهورية من السعودية، إحدى الأطراف المتحكمة بلبنان لتوازن القوى بينها وبين إيران، ما جعل المراقبون يؤكدون أن الاستقالة تمثل إعلان حرب وشيكة في المنطقة.
قال الحريري في استقالته إنه يعلن استقالته؛ لخشيته على حياته، ولأنه يشعر بوجود دولة داخل الدولة "حزب الله"، وهاجم إيران مؤكدا أن لها رغبة جامحة في تدمير العالم العربي، وأنها أينما حلت يحل الخراب والفتن.
خبراء ربطوا بين حديث الحريري عن مخاوف أمنية وبين وقائع اللقاء الذي جمع الحريري بمستشار المرشد الإيراني للشؤون الخارجية علي ولايتي، أول من أمس الجمعة. وتقول المصادر إن ولايتي "نقل للحريري رغبة إيرانية بسماع موقف واضح منه بشأن الخلاف الإيراني السعودي، وبلغ الأمر حد تخييره بين المحورين في المواجهة المُتوقع ارتفاع حدتها بين الطرفين". وهو ما اعتبره الحريري تهديداً استوجب العودة إلى السعودية بعد يومين فقط على زيارتها. ليُترجم الحريري في خطابه، وفي فك الارتباط مع "حزب الله" عبر الحكومة، تصريحات وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، عن نية المملكة "تطيير الحزب".
ويقول البعض أن الحريري تلقّى رسالة قاسية من الإيرانيين تشبه رسالة (رئيس الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان في ذلك الحين) رستم غزالة لوالده، فأبلغه السعوديون بوضوح أنه عليه الاستقالة…
تصعيد سعودي إيراني
ويؤكد المراقبون أن استقالة الحريري بهذه الطريقة، ثم إعلان السعودية أنها ستقطع أيدي إيران في المنطقة، ثم تأكيد إسرائيل أنها تستعد لمواجهة حلف إيران في المنطقة ينذر بحرب قادمة، أو تهيئة لحرب كثرت نذرها في الآونة الأخيرة.
ويضيف المراقبون أن الهدف من هذه الاستقالة هو الضغط على إيران للتنازل عن ملفات أكثر أهمية بالنسبة للسعودية "البحرين واليمن" بعد تزايد خسائرها عسكريًا وسياسيًا وحقوقيًا.
ايران
وقد سارعت إيران، عبر مستشار رئيس البرلمان الإيراني حسين أمير عبداللهيان، إلى الرد على الحريري، إذ وصف استقالته بالقرار المتسرع، معتبراً أنها ستنعكس سلباً على المنطقة وسيستفيد منها أعداؤها، وكان مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام قد ذكر أن استقالة الحريري جاءت بعد تنسيق مع كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بهدف إثارة توتر المنطقة. ورأى هو الآخر أن قرار الاستقالة ليس حكيماً، وأنها لن تحمل خيراً للبنان.
اسرائيل والسعودية
ومثل التقارب بين إسرائيل والسعودية في الآونة الأخيرة عاملا يساهم في تسريع وتيرة المواجهة مع إيران وحلفائها.
لكن استقالة الحريري أو اللعب على فكرة المقعد الشاغر هو الخيار الأسوأ في العلوم السياسية، وقد يكون هو الحل الأخير بعد اليأس من مواجهة توسع إيران في المنطقة، ما جعل بعض المراقبين لا يتوقعون حربا واسعة، لكنه ينذر بحال أكثر سوءا في الداخل اللبناني.
يشار إلى أن الاستقالة تاتي بعد أقل من عام على تولي الحريري رئاسة الوزراء للمرة الثانية، بعدما اختار العودة إلى رئاسة الحكومة العام الماضي بعد انتخاب مرشح "حزب الله" للرئاسة ميشال عون، وبعد أن أسقط حزب الله وحلفاؤه حكومته الأولى (9 نوفمبر 2009 – 12 يناير 2011).
مستقبل مظلم
ومع ارتفاع الخشية من ملء الفراغ السياسي الذي أنتجته استقالة الحكومة عبر الشارع أو عبر الأعمال الأمنية من قبل أي من أطراف الأزمة، تتعدد الاحتمالات المطروحة، بما في ذلك إمكانية أن يتخذ التصعيد بعداً إضافياً من قبل الرياض – الحريري، كأن يؤلف الحريري حكومة منفى، أو أن يختار الحزب وحلفاؤه المضي في مواجهة سياسية من خلال تسمية شخصية سنية محسوبة عليهم لرئاسة الحكومة، أو تكليف الحريري بتصريف الأعمال لمدة غير مُحددة بانتظار اكتمال عوامل التسوية أو التصعيد الإقليميين.