بعد الاعتقالات والاغتيالات والمصادرات.. الطرف الثالث يعتلي السعودية

- ‎فيتقارير

أحمدي البنهاوي
لن يتأخر المتابعون كثيرًا في الحصول على إجابة لرؤية كيف تمكن الطرف الثالث في المملكة العربية السعودية، خلال نحو عامين، من الصعود إلى سدة الحكم، وبقيت له خطوة قصيرة ليكون على مسافة واحدة من قادة الطرف الثالث في المنطقة العربية: عبد الفتاح السيسى في مصر، ومحمد بن زايد في الإمارات، ومحمد بن سلمان في المملكة.

وخلال هذه الفترة القصيرة، يرى مراقبون أن محمد بن سلمان يمثل فعليا الطرف الثالث، فهو من اعتقل العلماء، وأجبر آخرين على الصمت، ومنع فريقا ثالثا من السفر وحدد إقامته، بل وأعلن الحرب على الصحوة الإسلامية، التي يعود عمرها في المملكة إلى نحو 30 عاما.

ويماثل "بن سلمان" الأطراف العربية في زيارة إسرائيل، ويحرص على قضاء حوائجه في الكتمان، كما حرص السيسي وعبد الله على كتمان لقاء العقبة بصحبة نتنياهو وكيري.

ويدعم "بن سلمان" السيسي ويشاركه العروض العسكرية في مصر، ويلغي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالمقابل ينشئ هيئتين ترفيهيتين لدعم العلمانية في السعودية بقوة، بمواجهة الخطابات الدينية التي سبق وانتقدها السيسي في احتفالات المولد النبوي.

وجاءت الاعتقالات الأخيرة ومصادرة الأموال من خلال تجميد الحسابات المصرفية للأمراء والوزراء بدعوى الفساد لمن شاركهم رحلاتهم وحفلاتهم ومسامراتهم يوما، سيرا على مقولة أحد النشطاء مقلدا السيسي "بكره أكبر وأضربكم كلكم"، فالسيسي برأي المراقبين هدد رجال الأعمال بلجنة مماثلة للجنة نهب أموال الإخوان، وكان أكثر مكرا من الطرف الثالث السعودي الذي قدر بعضهم مجمل ما استولى عليه من مليارديرات السعودية بنحو 2 تريليون ريال.

انقلاب ملكي

ورأى المحرر محمد السعيد أن المَثَل الأعلى الذي يحتذيه "ابن سلمان" بالتأكيد هو عمه "عبد الله"، رغم أن صعود "ابن سلمان" هرم السلطة بدا في ظاهره انقلابًا على التقاليد الملكية، وحتى السياسات التي أرساها عمه الراحل.

فمنذ صعود والده إلى العرش مطلع عام 2015، وضع "ابن سلمان" نصب عينيه مهمة تقويض سلطة شبكة رجال الدين في البلاد، كمفتاح لإعادة تشكيل النظام السياسي.

ورغم أن السلطة الدينية كانت بالفعل تخسر مساحات سيطرتها بسرعة كبيرة منذ عهد "عبد الله"، فإنها لم تتعرض لهذا القدر من الإذلال الذي عانته، وظهر ذلك في "فتاوى شرعية" تجرّم قيادة المرأة للسيارة، بعد قرار (سبتمبر) الماضي، بالسماح للنساء بالقيادة لأول مرة.

ولم يقتصر الضرر على المكانة الرمزية للشيوخ فحسب، ولكنه أضر بمكانتهم السياسية أيضا، حيث كان حظر قيادة المرأة للسيارة أشبه بفيتو ديني يمارسه رجال الدين على السلطة الحاكمة، وبدا أن رفع هذا الحظر هو مسمار أخير دقه "ابن سلمان" في نعش التحالف الديني السياسي المكون للمملكة.

أول المرحبين

وجد المجلس العسكري من الشعب المصري مادة عصية على العسكر، فابتدع مقولة "الطرف الثالث" للهروب من أي مسئولية بهذا الادعاء الكاذب، الذي هرب بحجته من ضرب الثوار في ميدان التحرير ومحمد محمود، وركل ست البنات، والاعتداء على المعتصمين عند وزارة الدفاع، فكانت حجة الطرف الثالث مرفوضة لدى عموم الجماهير، فأبت إلا الوقوف بجوار المظلومين من خلال الاستحقاقات الانتخابية التي ألقاها جزرةً لطالبي الاستقرار بعد الثورة، مستعينا بمواد للشيخ الشعراوي يتحدث فيها عن الثائر الحق الذي قام ليهدم الفساد وهدأ ليعيد الأمجاد!.

ولذلك لم يجد المراقبون غضاضة في قبول أن يكون السيسي أول المرحبين بقرارات الاعتقالات بالسعودية، وقال عبد الفتاح السيسي: إن "إجراءات السعودية الأخيرة المتمثلة باعتقال عدد من الأمراء والوزراء بتهم تتعلق بالفساد، تعكس حكمة وحزم القيادة بتوازن فائق".

وأشار خلال حوارين إعلاميين مع قناة "سي.إن.بي.سي" الأمريكية، وصحيفة الشرق الأوسط السعودية، إلى أن "العلاقة مع السعودية استراتيجية ولها أهمية كبيرة، في الحفاظ على الأمن القومي العربي".

ولكنَّ المتابعين اختلفوا حول إمكانية أن يستفيد السيسي من أموال الأمراء الموجودة في البنوك والشركات والمشاريع المصرية القائمة التي صدر قرار بتوقيفها، والحجز على أموالهم واحتجازهم في مكان ما، منها بعض الشخصيات التي لها استثمارات بمصر، وعلى رأسهم الأمير الوليد بن طلال، الذي باتت تعهداته لوزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، سحر نصر، بضخ استثمارات في مصر بقيمة 800 مليون دولار غير مضمونة.

حبيب العادلي

وجددت الأحداث وثاقة الصلة بين الطرف الثالث الذي ألقى التحية العسكرية للمتهم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وهو يرتدي بدلة السجن الزرقاء، وحبيب العادلي الذي وردت أنباء عن توظيفه في السعودية، وعمله بأحد الأجهزة الأمنية فيها. وتساءل عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن أسباب الاستعانة بالوزير المصري الهارب والمدان بقضايا فساد في بلاده، في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى تطوير منظومتها الأمنية.

واعتبر البعض أن القرارات المفاجئة التي استيقظ عليها العالم العربي، صباح 5 نوفمبر، اتخذها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتوقيف 11 أميرا وعشرات الوزراء السابقين، بعد ساعات من تشكيل لجنة لمكافحة الفساد برئاسته، هي قرارات برائحة حبيب العادلي.