لماذا هنّأت إسرائيل نفسها بتنازل السيسي عن أرض مصر؟ هذه أضرار صفقة تيران وصنافير

- ‎فيتقارير

كتب- كريم محمد:

 

قصة جزيرتي تيران وصنافير لا تكمن في تنازل مصر عن السيادة عليهما للسعودية، ولكن فيما سيترتب على هذا القرار، خلفيات التعجيل بهذا التنازل.

 

القصة باختصار تتعلق بتحقيق حلم للدولة الصهيونية منذ الخمسينات يتعلق برغبتها في تحريك سفنها وقواتها في البحر الاحمر، ولأن المنفذ الوحيد لها هو مضيق تيران، فقد ظلت حبيسة ممنوعة من الابحار للبحر الاحمر.

ِ

فرصتها الاولي جاءت مع العدوان الثلاثي عام 1956 وانسحاب القوات المصرية من منطقة تيران وصنافير ليحتلها الجيش الصهيوني ثم اضطرت للانسحاب منها مع انسحاب قوات التحالف الغربية.

 

والفرصة الثانية سنحت لها قبل حرب 67 حين غلق عبد الناصر المضيق، وما انتهي اليه الامر بهزيمة الجيش المصري واحتلالها الجزر مرة أخري، حتى اضطرت للانسحاب منها بموجب اتفاقية السلام مع مصر ولكن وفق ترتيبات تفرض على مصر السماح لسفنها بالعبور الحر في مضيق تيران.

 

المشكلة التي ظلت تؤرق الصهاينة هي أن سيادة مصر على هذه الجزر تعطي لها الحق في التواجد العسكري هناك، ومن ثم امكانية غلق مضيق تيران في وجه الملاحة الصهيونية وإغراقها في حالة تولي نظام وطني حكم مصر ودخوله في حرب مع العدو الصهيوني لذلك جاءت الصفقة الكبرى التي دشنها ترامب.

 

هذه الصفقة الكبرى تقوم على تطبيع العلاقات بين اسرائيل ودول الخليج خاصة السعودية والبدء بالتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وفتح ممرات بحرية وجوية بين الطرفين (بدأ ترتيب فتح ممر جوي مباشر بين جدة واسرائيل بدعوي تسفير الحجاج الفلسطينيين)، وضمنها نقل تبعية تيران وصنافير للسعودية بحيث تصبح ممرا دوليا لا سيادة لمصر عليه وليس من حقها غلقه في أي حرب مقبلة.

 

وفي أبريل 2016 قالت مجلة نيوزويك الأمريكية إن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية والتي نقلت بمقتضاها تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة، تشير لأن الصفقة أكبر من مجرد جزيرتين، وأنها "تظهر تحسناً في العلاقات بين إسرائيل وجيرانها في الخليج تشجعه مصر".

 

وأضافت: إنه "من الواضح أن السعودية وافقت على احترام بنود اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة في 1979، رغم أن السعودية رفضت تلك الاتفاقية عند توقيعها وقطعت علاقتها مع مصر، ولكن الزمن تغير".

 

الصهيوني "ليبرمان" يهنئ شعبه!

الدليل علي هذا المكسب الذي حصل عليه الصهاينة هو تهنئة الصهيوني أفيجدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل، في حساب منسوب له على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" جنود الاحتلال بتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، مؤكدًا أن "ممر تيران سيصبح ممرًا ملاحيًا دوليًا لا سيادة لمصر عليه".

 

وقال ليبرمان: "خالص التهنئة لشعبنا الإسرائيلي وجنودنا الأبطال في حرب الأيام الستة 1967م بمناسبة نقل تبعية جزر تيران وصنافير للسعودية ليصبح ممرًا ملاحيًا دوليًا لا سيادة لمصر عليه، وبذلك فقد تم إثبات حقنا في الحرب عام 1967م ضد قرار عبد الناصر بإغلاق مضيق تيران ومنع السفن الإسرائيلية بالمرور فيها، وبناء عليه فهذا القرار التاريخي اليوم يثبت أمام العالم أجمع أحقية إسرائيل في جميع الآثار المترتبة على الحرب بالسيطرة على سيناء واستعادة أورشليم (القدس) وهضبة الجولان وغزة يهودا والسامرة وغيرها من الآثار السياسية والعسكرية"!؟.

 

ودفع هذا التنازل المصري عن الجزر قول صحيفة هآرتس أن السعودية لن تحترم حرية المرور فحسب، بل أيضا ستلتزم بشروط الاتفاقية بين مصر والسعودية التي ستتيح للسعودية حظر نشر قوة عسكرية في الجزر، خاصة عندما تكون الولاية القضائية على الجزر توفر لها أيضًا السيطرة على الجانب الشرقي من البحر الأحمر، الذي يؤدي أيضًا إلى ميناء العقبة.

التنازل ضمن اتفاق مع إسرائيل 

 

لهذا سأل الكاتب "عمار علي حسن" السيسي في سلسلة اسئلة وجهها له: "هل التنازل عن تيران وصنافير مربوط حقا باتفاق أشمل تدخل فيه إسرائيل، وترعاه أمريكا، والهدف منه صناعة حدود بحرية بين السعودية وإسرائيل بما يوجب دخول المملكة طرفا في "اتفاقية السلام" المصرية ـ الإسرائيلية، أو فتح باب لتفاوض بين الرياض وتل أبيب؟ وهل لهذا علاقة بدخول إسرائيل في تحالف عربي تسنده واشنطن ضد إيران ومن معها؟".

 

كما سأله عن "فتح ممر بين الجزيرتين توظفه إسرائيل بعد استلام السعودية لهما في إعطاء دفعة قوية لمشروعها بحفر قناة بين خليج العقبة والبحر المتوسط أو إنشاء قطار سريع بينهما الأمر الذي يعني تدمير وظيفة قناة السويس؟ وكيف يستقيم هذا مع قرار السيسي بحفر فرع جديد للقناة وإنفاق كل هذه الأموال الطائلة عليه لاسيما بعد الإصرار على إنهاء الحفر في سنة واحدة بما رفع التكلفة، ثم الحديث عن مشروعات كبرى على شاطيء القناة؟".

 

وسأل "عمار" السيسي: "ماذا لو دخلت تيران وصنافير بعد تسليمها إلى هذا المسار وبيعت لشركات تقف وراءها إسرائيل ولو من بعيد، أو باعها المالك الثالث إلى رابع يعمل ضدنا؟".

 

وهل هناك علاقة بين موافقة إسرائيل على انتشار الجيش المصري في سيناء لمحاربة الإرهابيين وبين قضية تيران وصنافير؟ وهل أدخلتنا إسرائيل في "حرب استنزاف" ضد الإرهابيين، المتهمة هي لدى كثيرين منا بمساعدتهم وتوجيههم، لنقع تحت ضغط يفضي في النهاية إلى التنازل عن الجزيرتين؟

 

نقل حماية تيران وصنافير إلى إسرائيل

لم تكن مصادفة أن يدلي نقيب الصحفيين الاسبق، مكرم محمد أحمد، المقرب من الأجهزة الامنية المصرية بتصريح تلفزيوني علني يقول فيه أن "إسرائيل هي من سيؤول اليها المهام الأمنية لتيران وصنافير"، وأن السعودية لن تستلمهم أبدا"، فهي تبدو "رسالة" حملتها أجهزة مصرية رسمية له.

 

"مكرم" قال في حوار مع فضائية "صدى البلد"، الإثنين 17 أكتوبر 2016، إن "السعودية أجبرت السيسي علي التنازل المصري عن السيادة على الجزيرتين، قبل هبوط طائرة الملك سلمان بالقاهرة"، وأن "اسرائيل" – لا السعودية – هي التي سوف تنقل مصر لها المهام الأمنية على الجزر.

 

وبسبب ارتباط "تيران" باتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية، اضطرت الرياض للتعامل مع اتفاقية كامب ديفيد واسرائيل فعليا، برغم أنها لا تقيم علاقات دبلوماسية معها.

 

وحاول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن يحسم هذا الامر خلال لقاؤه مع الصحفيين بمقر السفارة السعودية بالقاهرة 10 أبريل 2016، بقوله إن "السعودية لن تنسق مع إسرائيل بشأن الجزيرتين بعد انتقال السيادة عليهما لبلاده".

 

ولكن الوزير السعودي عاد ليؤكد في الوقت ذاته "التزام بلاده بكل الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر بشأن الجزيرتين، ومنها اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين القاهرة وتل أبيب"، ما يثير لبس حول كيفية الالتزام بالاتفاقية وهي مع اسرائيل، وفي الوقت نفسه عدم التنسيق مع اسرائيل؟

 

ويقول الخبير السياسي المصري "محمد سيف الدولة" إن تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بينهما، معناه أن تصبح السعودية في هذه الحالة شريكا في الترتيبات الامنية في اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر واسرائيل الواردة في الملحق الأمني بالمعاهدة".

 

ويشير "سيف الدولة" إلى أن "تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، سيجعل السعودية التي لا تعترف بإسرائيل حتى الان على المستوى الرسمي ولم توقع معها معاهدات سلام، طرفا فعليا في الترتيبات الامنية المصرية الاسرائيلية الخاضعة لمراقبة الامريكان وقوات متعددة الجنسية MFO".

 

ويقول الدكتور "نايف الشافعي" مؤسسة موسوعة المعرفة، المقيم في امريكا، أنه "لا مصر ولا السعودية يستطيعا أن يطآ تيران، فهي في حوذه القوة متعددة الجنسيات تطبيقا لمعاهدة السلام"، ما يعني أن المسئوليات الامنية ستنقل "نظريا" سواء للسعودية او لإسرائيل.

 

التزامات السعودية نحو إسرائيل

 وفي 13 أبريل 2016، زعم وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، إن حرية مرور إسرائيل في مضيق تيران مضمونة في وثائق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة في 1979، وأن ذلك انعكس في وثيقة تسلمتها إسرائيل، وتضمن الوثيقة التزام المملكة العربية السعودية، التي ليس لديها اتفاقات رسمية مع إسرائيل، على الاستمرار في المبادئ التي توصلت إليها إسرائيل ومصر في اتفاق السلام الموقع بينهما عام 1979.

 

وأضاف يعلون في مؤتمر صحفي، مع مراسلين عسكريين: "قُدم لنا طلب كان يحتاج موافقتنا، وموافقة الأمريكيين الذين شاركوا في معاهدة السلام والقوة المتعددة الجنسيات ومراقبي حفظ السلام، وتوصلنا إلى اتفاق بين الأطراف الأربعة، السعوديون والمصريون وإسرائيل والولايات المتحدة، لنقل مسؤولية الجزر، بشرط أن يفي السعوديين بواجبات المصريين في الملحق العسكري لمعاهدة السلام".

 

مكاسب إسرائيل وخسائر مصر

القصة باختصار هي أن السيسي باع الجزر، والسعودية دفعت الثمن 16 مليار دولار كما قال وزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشي يعلون، والدولة الصهيونية قبلت الهدية التي سمحت لها بحرية الملاحة في مضيق تيران نحو البحر الاحمر، وخسارة مصر ورقة ضغط على العدو الصهيوني.

 

ومن خلال خريطة الحدود الجغرافية تبدو مخاطر نقل السيادة على الجزيرتين، وتداعياتها الأمنية والسياسية والاقتصادية على دول المنطقة فيما يلي:

 

أولاً: تسليم "تيران وصنافير" للمملكة العربية السعودية، وتخلى الجانب المصري عن التواجد العسكري بهما، يفتح باب الآمال العريضة أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي في حفر قناة "بن جوريون"، وجعلها بديلا لقناة السويس تربط البحرين الأحمر والمتوسط.

 

ثانيًا: فتح البحر الأحمر من خليج العقبة إلى مضيق عدن، مرتع أمام سفن وغواصات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما يسهل على الكيان الصهيوني ضرب جميع الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر، دون الحاجة لمرور على الجانب المصري عبر قناة السويس.

 

ثالثًا: سهولة تدشين مركز لوجيستي إقليمي، على الضفة الشرقية من خليج العقبة، الأمر الذي يعد ضربة قاصمة لميناء "جبل على" الإماراتى، والحد من عبور السفن التجارية لمياه الخليج العربي بعد توفر البديل واختصار المسافات

 

رابعًا: تسليم الجزر سوف يضع المحتل الإسرائيلى في خاصرة مصر بمباركة عربية وغربية، ويساهم في محاصرتها اقتصاديا بحرمانها من موارد شريان حيوي –قناة السويس-، لينتهى بها المطاف لدولة معزولة غير قادرة على حماية أمتها العربية وخروجها من المعادلة الإقليمية والدولية.