جابر رزق.. حين تصبح الصحافة رسالة

- ‎فيأخبار

كتب محمد مصباح:

تمر اليوم 20 يونيو، الذكرى 29 لوفاة الداعية ورائد العمل الصحفي الإسلامي جابر رزق.. وسطر رزق سطورا ناصعة من الإضافات للعمل الصحفي، مدشنا مع صالح عشماوي الصحافة الإسلامية التي استكمل بناؤها عبدالمنعم سليم جبارة وغيره من أعلام الصحافة الإسلامية.

الصحفى الداعية جابر رزق الفولي، ولد في 2 أكتوبر 1936م، في قرية كرداسة التابعة لمحافظة الجيزة، نشأ في بيئة متواضعة متوسطة الحال، وكان عصاميًا في حياته، وله 3 أبناء أيمن، وأشرف، وأحمد.

درس الابتدائية في كرداسة، والثانوية بمدرسة السعيدية، ثم عمل مدرسًا للغة الفرنسية، ثم أكمل المرحلة الجامعية بجامعة القاهرة في كلية الآداب قسم الصحافة، وتخصص في العمل الصحفي فكان من أنجح الصحفيين الإسلاميين بمصر.

توفي يوم الاثنين 6 ذو القعدة 1408هـ الموافق 20 يونيو 1988م عن عمر يناهز الثانية والخمسين.. دفن في 24 يونيو1988 بمقابر الإخوان بالقطامية بجوار المرشد عمر التلمسانى عليهم رحمة الله حسب وصيته.. وكانت وصيته منذ أن بنيت مقابر الإخوان إذا انتقل إلى رحمة الله في حياة أبيه الحاج رزق جابر فيدفن كما يريد أبوه واذا انتقل إلى رحمة الله بعد وفاة أبيه يدفن بمقابر الإخوان بالقطامية، وكان والده عليه رحمة الله قد وفاته المنية قبل سفره إلى تركيا في أوائل ديسمبر 1987م.

مع الإخوان
تعرف على جماعة الإخوان منذ نشأته.. فقد كانت بلدته إحدى معاقل الحركة، عمل مدرسا للغة الفرنسية قبل أن يحصل على شهادة الليسانس من كلية الآداب جامعة القاهرة (قسم صحافة).

مسيرة مع الصحافة
وعقب التخرج عمل محررا فى مجلة الإذاعة والتلفزيون, التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعمل لمدة في القسم الفني.

وفى عام 1965م اعتقلته أجهزة الأمن, ضمن حملة الاعتقالات الكبيرة التى شملت الآلاف من المنتمين للإخوان المسلمين, خاصة من قريته "كرداسة".

أمضى "جابر رزق" فى السجن 9 سنوات بكاملها، وخرج فى عهد السادات عام 1974، وسجل بقلمه هذه الفترة الحالكة من تاريخ مصر فى عدد من الكتب.

وبعدما خرج من السجن واصل جهاده الصحفى والدعوي، وعاد إلى عمله فى "مجلة الإذاعة والتلفزيون"، وفيها نفذ أكثر من حملة صحفية كبيرة، منها حملته لكشف أفكار وآراء "طه حسين" فى ميزان الإسلام، من خلال آراء عدد من المفكرين والنقاد والعلماء، وأحدثت تحقيقاته في هذا الموضوع أثرًا كبيرًا، وتعرضت المجلة للضغوط حتى تم إيقاف الحملة بأوامر سياسية.

وفى عام 1976م عادت مجلة "الدعوة" للصدور من جديد، وتولى "رزق" إدارة التحرير، فأعطاها اللمسة الصحفية الساخنة والمشوقة، بمقالاته الحية وتحقيقاته وحواراته وعناوينه الجذابة.

وفى عام 1978 سافر للعمل فى الإمارات، لكنه عاد سريعا إلى مصر، وتولى مسئوليته فى "الدعوة"، التى كانت قد زادت شهرتها، وبدأت تتعرض للضغوط من أجهزة الأمن، خصوصا فى الفترة التى أعقبت توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" مع الكيان الصهيوني عام 1979.

وفى أوائل سبتمبر 1981م قبض عليه ضمن حملة على المعارضة بوجه عام، وقيادات الإخوان المسلمين بوجه خاص، وتم الإفراج عنه بعد نحو 5 أشهر، وخرج مرة أخرى ليواصل جهاده، مرافقا دائما المرشد العام للجماعة وقتها "عمر التلمساني"، ومستشارا إعلاميا له، ومسئولا عن الملف الإعلامى للجماعة.

وفي عام 1983 جاءته الفرصة ليكون رئيسا لتحرير مجلة "الإصلاح" التي تصدرها جمعية الإصلاح والتوجيه الإجتماعى بدولة الإمارات، لكنه فضل أن يكون قريبا من قيادة الجماعة التى كانت فى حاجة إليه.

وفى عام 1984 أصدر مجلة "البشير" (مجلة غير دورية)، بعد تعنت الأجهزة الأمنية بإيقاف مجلة الدعوة، وفي عام 84 اتفق الإخوان مع صاحبة ترخيص مجلة "لواء الإسلام" على تولي أمر تحريرها وطباعتها، وفى عام 85 تولى "رزق" رئاسة تحريرها.

نتاجه العلمي
انشغل "جابر رزق" كثيرا بالكتابة والتأليف؛ حيث ترك للمكتبة الإسلامية والسياسية مجموعة مميزة من الكتب وهي: "الأسرار الحقيقية لاغتيال الإمام الشهيد حسن البنا" و"مذابح الإخوان فى سجون ناصر- جزآن" و"مذبحة الإخوان فى ليمان طره" و"طه حسين.. الجريمة والإدانة" و"الإمام الشهيد حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه" و"الدولة والسياسة في فكر حسن البنا" و"المؤامرة على الإسلام مستمرة" و"محمد عواد الشاعر الشهيد" و"الإخوان المسلمون في سورية" و"النصيرية" وأخيرا كتاب "حسن الهضيبي.. الإمام الممتحن"، الذي صدر بعد وفاته رحمه الله.

وتكشف حياة رزق عن مثابرة وصبر وتحمل مشاق التأسيس لجيل من الصحفيين الإسلاميين الذين يتحملون نشر القيم والدفاع عن الإسلام وقضاياه عبر المنابر الإعلامية التي يستهدفها المستبدون حاليا بالإغلاق والحجب واعتقال مخرريها.. وهي سياسة ثابتة للعسكر منذ انقلاب يوليو.. لطمس الحقائق، ثم بناء عقلية المواطنين بطريقة معينة تريدها السلطة بقيم سلبية وتحطيم معنويات الناس لقتل إرادة التغيير والنهوض للإصلاح وإزاحة العسكر إلى ثكناتهم وتحرير العقول والعباد من نير استعمارهم للسياسة والاقتصاد، جالبين معهم الفشل.

رحم الله الأستاذ جابر رزق رحمة واسعة، ورزق الله الأمة برواد من أمثاله لمقاومة الظلم والاستبداد والقمع والتعبير عن معاناة الناس الحقيقية والرقابة على مؤسسات الدولة.. لا التطبيل والتشوية والردح والانهيار الأخلاقي الحالي.