قنديل يكشف الأسباب الحقيقية لإهانة “الصحفيين”

- ‎فيأخبار

كتب: حسين علام

قال الكاتب الصحفي وائل قنديل: إن سلطات الانقلاب لا تتوقف عند رغبةٍ سلطويةٍ جارفةٍ في إهانة نقيب الصحافيين المصريين، أو تأديب مهنة الصحافة، فقط، بل تتجاوز ذلك إلى ما هو أخطر وأفدح، بما يضع مصر كلها في فوهة بركان قمعٍ يوشك أن ينفجر، خاصة أن أصل حكاية نقابة الصحافيين وسلطة عبد الفتاح السيسي هي سلالم النقابة التي عادت تنبض بالهتاف، وتهتف ضد بيع الجزيرتين، تيران وصنافير، وتستقبل الغاضبين من التفريط في ثوابت الأمن القومي، ثم اعتصام صحافيين شابين داخل بيت الصحافة، عقب تحرّشات أمنية مخيفة طاولت منزليهما، وما تلا ذلك من اجتياح قوات الأمن مبنى النقابة، واختطاف الزميلين الصحافيين.

وأضاف قنديل -خلال مقال له بصحيفة "العربي الجديد" اليوم الأربعاء- أن استنهاض الجماعة الصحافية لطاقات الغضب والتصدّي لعربدة السلطة، كان في مواجهته التصعيد من نظام الانقلاب، ليصبح المطلوب كسر أنف النقابة والمهنة، وتم محاصرتها همجياً أشبه بمحاصرة الكيان الصهيوني مقر المقاطعة في رام الله، والذي انتهى بالإجهاز على ياسر عرفات، وإعلان وفاة السلطة الوطنية، واستبدالها بسلطة مطيعة، مطابقةٍ للمواصفات الصهيونية بها.

وأوضح أن القصتين تتشابهان في ترك عرفات الحصان وحيداً، وتخليه عن البندقية، وأعلن الإذعان للمشروع الصهيوني الأميركي، مستقيلاً من النضال التاريخي، مطفئاً الانتفاضة الباسلة. وعلى الرغم من ذلك، لم يرض عنه الأوغاد، فحاصروه في "المقاطعة" حتى قتلوه مسموماً، ولم يقدّروا تسليمه بنصوص "أوسلو".

وأشار إلى ان نقيب الصحافيين في مصر، منذ اللحظة الأولى، قرّر أن يكون "أوسلوياً مطيعاً"، مديراً ظهره لتلك الانتفاضة الهادرة للجماعة الصحافية، مرتعداً من حصار قوات الانقلاب، من دون أن يُبدي أية إرادة في المقاومة والتصدّي، بل بالغ كثيراً في إعلان الانسحاق أمام جبروت مشروع 30 يونيو الانقلابي، متحدثاً عن اللاصدام، واللامعركة بين الصحافة وسلطةٍ تكره الصحافة وتحتقرها، مفضلاً سلخ المعركة عن إطارها الوطني العام، واختزالها، موضحا أنه بذلك، قدّم خدمةً جليلةً للنظام، حين حقّق لها هدفها بإقامة جدار عازل بين الجماعة الصحافية والمجتمع ممثلا في قطاعاتٍ من الشعب، تدرك أن الصراع يستهدف حرمانها من المعلومة المجرّدة والرأي الحر المعارض، والحق في التعبير وتعرية الفساد والاستبداد.

وقال قنديل إنه على الرغم من ذلك كله، لم يرض عنه "الأسياد"، فحاصروا النقابة، بالهراوة والطبلة، وحشدوا فرق الاقتحام والرقص، فاعتدوا على المهنة وأهلها، ثم أعطوا الضوء الأخضر لقتل "بيت السلطة الرابعة"، وتنفيذ انقلابٍ صاخب، بغية استبدال كيانٍ آخر مطيع وداجن بها، حتى انتهى الأمر بنقيب الصحافيين "المنتخب" محبوساً مهاناً، صحبة اثنين من أعضاء مجلس النقابة.

وأضاف أن ما يجري مع نقابة الصحافيين ليس مجرد انتقامٍ غاشمٍ من السلطة، بل هو في سياقٍ عام، يستهدف خنق العمل النقابي، ومحاصرته داخل مقرّاته، حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، قبل أن يتمكّن من الالتحام بالمجتمع، والانفتاح على المواطن، ذلك المخلوق الذي تكرهه السلطة، منذ أن استجاب لنداء التغيير عام 2011، فأسقط النسخة القديمة منها، مذكرا بما تم مع "الأطباء"، إلى جانب العدوان الهمجي على مقرّ نقابة المحامين بأحد مراكز محافظة الدقهلية، والذي شنّته فرقٌ من البلطجية، مدعومة من الأمن، بالتزامن مع التنكيل بنقيب الصحافيين وزميليه، قائلا: "إن النظام بدأ عملية تقليم أظافر النقابات، بالتزامن مع تسخينٍ مثير في العلاقات مع الصهاينة، يتطلب إسكاتاً لكل المنابر التي يتوقع منها الغضب والاحتجاج على ما هو قادم من خطوات كارثية، كانت البروفة الأولى لها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير".

واختتم قنديل مقاله قائلا: "لا يريد السيسي صحافةً تنغّص عليه نشوته بليبرمان ونتنياهو، ولا يطيق نقاباتٍ مهنيةً ترفض تناول طعام التطبيع الحرام. لذلك، لم يكن مفاجئاً أن ينفعل غاضباً ضد الأقلام والأفلام التي تتحدّث عن سلبيات المناطق العشوائية، باعتبارها معامل لتفريخ العنف والبلطجة، ويقول إنهم "ناس زي الفل"، مكافأة لزعمائهم على أدوارهم البطولية في عروضٍ راقصةٍ احتفالاً بالتنازل عن الأرض، أو في استعراضاتٍ مسلحة، لإرهاب أعضاء النقابات المتمردة، متسائلا " كيف تكون النقابة عند مستوى المسؤولية والدور التاريخيين، بمواجهة العبث بالوطن؟".