“امتحانات الثانوية العامة”.. مهرجان التسريبات والغش الجماعي

- ‎فيأخبار

أحمدي البنهاوي
تاريخ حافل بالغش في ظل حكومات المخلوع والانقلاب على السواء، على مدار السنوات العشر الماضية، كللتها مشاهد تسريب الامتحانات، ووضعتها تقنيات "الموبيلات" في إيصال عمليات الغش على الطلاب بسهولة، بعد أن كانت "البراشيم"، والكتابة على الحوائط ومقاعد الجلوس، ومكبرات الصوت خارج المدارس، وفي المناطق الملاصقة للجان"، وكذلك اعتداء الطلاب على المراقبين بالضرب في عدة محافظات، وسط غياب أمني تام إلا من اعتقال الطلاب أثناء أدائهم الامتحانات.

غير أن المختصين في مجال التعليم يرون أن الحاصل نتاج طبيعي لحالة الانفلات والفشل التي تعيشها مصر، ومن الطبيعي أن تحدث هذه الفوضى بسبب إسناد الملفات المهمة بالوزارة إلى ستة لواءات في القوات المسلحة لا يملكون أي خبرة على الإطلاق.

غش الثمانينات

طرق الغش الجماعي كان يشرف عليها في المراكز النائية "العُمد" أو أعضاء مجلس الشعب من أساطين الحزب الوطني، فيقوم بتحديد "عزومة" تكاد تكون إجبارية لرئيس اللجنة والمراقب الأول وأعضاء "الكنترول" والمراقبين والملاحظين في بيته العامر، قُبيل الامتحان، على وليمة فخمة، فيها ما لذ وطاب من اللحوم الحمراء والبيضاء والمحاشي والمسبكات.

ويتكفل أحدهم بجمع الأموال من أولياء الأمور لضمان توريد علبة سجائر، وخمسة سندوتشات، وحاجة ساقعة، وتعيين أفراد اللجنة يوما بيوم، وتأجير سيارة لنقلهم إلى مقار إقامتهم ذهابا وإيابا، فهو تعاون نظير ثمن معروف!.

في منتصف الثمانينات وفي أبو كبير شرقية، وفي إحدى لجان الثانوية العامة، كان الطلبة يتسلمون أوراق الإجابة والأسئلة ولا يلمسونها، ويتركونها أمامهم نحو نصف الساعة، ثم تُدوي صفارة من الخارج كأنها إشارة البدء، فيندفع من كل لجنة طالب بحجة الذهاب إلى دورة المياه، ويعود مُحملا برزمة من الأوراق المُصوّرة، فيها الإجابات النموذجية للامتحان، فيقوم بتوزيعها على زملائه لنقلها إلى ورقة إجابتهم.

ولم يجد الدكتور فتحي سرور، وزير التربية والتعليم عام 1985، بُدا إزاء حالات الغش الجماعي في الحسينية شرقية، من أن يُعلن عن نتيجة الإدارة في كل الشهادات العامة والفنية "لم ينجح أحــد".

غش الشقق المفروشة

في 2005، كشفت شكوى وردت لوزارة التربية مذيلة بعدة توقيعات دون كتابة الأسماء واضحة، عن أخطر قضية غش جماعي في الامتحانات الدراسية تتم برعاية مسؤولين كبار من وزارة التعليم، وهي تحت رئاسة الوزير حينها حسين كامل بهاء الدين.

وسهل أولئك المسؤولون- بحسب مجلة "آخر ساعة"- أداء الامتحانات لـ(53) طالبا داخل شقة مفروشة، ثم نقلها عبر وسطاء إلى اللجان الموجود بها الطلاب، وذلك مقابل من خمسة إلى عشرة آلاف جنيه للطالب عن المادة الواحدة. وأفادت التحقيقات بأن وقائع هذه النوعية من الغش الجماعي تكررت على مدار الاثنى عشر عاما التي سبقتها!.

وتبين من التحقيقات أن "الطلاب الغشاشين" هم من الفاشلين دراسيا، ورغم ذلك حصلوا على الدرجات النهائية بجميع المواد، وأن بعض العاملين بقسم "الكنترول" واللجان في بعض مديريات التربية، ومنها مديرية التعليم بالجيزة، كانوا يتقاضون مبالغ تتعدى عشرات الآلاف من الجنيهات مقابل تسهيل هذه العملية التي كانت تتم سنويا، حسبما أكدت الشكوى التي قوبلت بتجاهل، وبعد تسرب الفضيحة أبلغ الوزير النائب العام بالواقعة.

وزراء التسريبات

لم يمر عام منذ 2009، إلا ويتم تسريب الامتحانات به، ففي عام 2009 أثناء تولي الدكتور يسري الجمل وزارة التربية والتعليم، سُربت امتحانات المرحلة الابتدائية بسيناء، وفي العام الذي يليه، فتحت وزارة التربية والتعليم تحقيقا في تسريب امتحان اللغة الفرنسية أثناء تولي الدكتور أحمد زكي بدر الوزارة، وفى عهد الدكتور أحمد جمال الدين موسى، وزير التربية والتعليم، تحديدا في 24 مايو 2011، تم تسريب الامتحانات في محافظة المنيا.

وفي 30 مايو 2012، أثناء تولي الدكتور جمال العربي الوزارة، تم تسريب امتحان اللغة الإنجليزية بمحافظة الفيوم، وفي 15 يونيو 2013، حدثت حالات غش معتادة وتسريب من طلاب داخل اللجان للامتحان لبعض الأسئلة لمواد اللغة العربية والإنجليزية.

وفي العام 2015 بامتحانات الثانوية العامة، خلال تولي الدكتور محمود أبو النصر الوزارة، تم تسريب امتحانات الثانوية على مواقع التواصل بعد دخول الطلاب اللجان بوقت قصير، وفى عهد الدكتور محمد يوسف، أول وزير للتعليم الفنى والتدريب فى مصر، تم تسريب امتحانات الدبومات الفنية في 25 مايو الماضي.

لم يتوقف تسريب الامتحانات على التربية والتعليم فقط، بل امتد أيضا إلى الأزهر الشريف، ففي 1 يونيو الحالي، تم تسريب امتحان القرآن الكريم بالثانوية الأزهرية، والتفاضل والفقه الشافعي، ورغم أن تكرار التسريب استمر لعدة سنوات، إلا أن جميع الوزراء كانوا يعلنون قبل بداية الامتحانات عن وضع خطط محكمة لمنع تسريب الامتحانات، لكن يبدو أن تلك الخطط كانت تتهاوى مع أول يوم بالامتحانات، وسط حالات ارتباك من المسؤولين بوزارة التربية والتعليم.

وغالبا ما ارتبطت تصريحات وزراء التعليم عن إعادة الانضباط بالمدراس وربطها بعملية الغش والتسريب للامتحانات، وهنا يتضح سؤال: لماذا لم تظهر نتائج إعادة الانضباط بالمدارس لمنع الغش؟.