اتفق كتاب المقالات والرأي في الصحف خلال الأسبوع الماضي على أن مفاوضات سد النهضة تمضي في طريق الفشل بل وصفها بعضهم بالنكسة، إلا أنه لا بد من الإقرار بها والاعتراف بالسد كأمر واقع لا يمكن تجاوزه أو وقفه.
هذه التوجهات الإعلامية، التي تهيئ الرأي العام للقبول بالسد والتعامل معه كواقع لا يمكن تغييره تم رصدها في صحف السيسي أمس الأحد؛ حيث أبرزت تصريحات مسئولين بحكومة الانقلاب تؤكد جدية الجانب المِصْري في دعم زيادة الفتحات بسد النهضة حتى تسمح بمرور كميات أكبر من المياه، وهو ما يمثل إقرارًا بالسد واعترافًا به مع العمل على تقليل التداعيات الكارثية مع بدء تشغيله وملء خزانه.
إقرار باستمرار الأزمة
في البداية، يتساءل مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق، في عدد الأحد 3 يناير الجاري بالأهرام في مقال بعنوان "هل انتهت شواغل سد النهضة؟": «هل صحيح ما أعلنه وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور من أن اجتماعات الخرطوم السداسية الأخيرة قد أنهت كافة الشواغل المتعلقة بسد النهضة التي تؤرق دولتى المصب، خاصة مِصْر التي تعتمد في 98% من مواردها المائية على حقوقها من نهر النيل ولا تملك بديلا يغنيها عن إيراد النهر، بسبب شح مياه الأمطار وقلة المخزون من المياه الجوفية؟».
ورغم إشادة الكاتب بالخطوة الأخيرة في جولة المفاوضات الحادية عشرة مؤخرًا، التى ألزمت الأطراف بضرورة إجراء الدراسات الفنية في غضون سنة؛ إلا أنه يعترف «لكن ذلك لا يعطينا نحن المصريين ترف الجزم بان شواغل سد النهضة لم تعد تقلقنا؛ لأن العبرة هنا بحسن النيات وصدق التنفيذ والرغبة المخلصة في تسوية المشكلة بما يحفظ حقوق كل الأطراف، ولا يضر مصالح مصر المائية».
ويضيف مكرم محمد أحمد «الأكثر دقة وصوابا أن نعترف بأن الشواغل التي تقلق مصر لا تزال قائمة؛ لأن الدول الثلاث لم تتفق بعد على سعة خزان السد، وكيفية ملئه وتشغيله، وتأثير ذلك على كمية الوارد من مياه النهر إلى مصر خلال سنوات الملء، وطرق إدارة خزان سد النهضة بما يحفظ للسد العالي في مصر وظيفته..، وكلها شواغل مهمة تحتاج إلى إنجاز الدراسات المطلوبة دون تلكؤ وتقنين الحقوق في اتفاقية واضحة شفافة لا يداخل أي من بنودها سوء الفهم، أو سوء التأويل».
ويشدد الكاتب «ولأننا لم نصل بعد إلى هذه الأهداف يبقى سد النهضة شاغلا مهما من شواغل المصريين» مقرًّا بفشل المفاوضات في تحقيق الطمأنة للمصريين على أهم قضية تمس الأمن القومي للبلاد.
نكسة السد
أما الكاتب الصحفي أشرف البربري، في عدد الشروق يوم الأربعاء 30 ديسمبر 2015 فيصف سياسيات السيسي في مفاوضات سد النهضة بـ«النكسة»، في مقال بعنوان «نكسة السد».
يقول البربري: «علينا الاعتراف بخسارة معركة سد النهضة مع إثيوبيا بعد أن تم استدراجنا إلى مفاوضات لا تنتهى مع استمرار أعمال البناء فى السد بالشروط والمواصفات التى حددها الجانب الإثيوبى لنفسه فى البداية ودون أدنى مراعاة للموقف المصرى».
ويشدد الكاتب «قد خسرنا المعركة عندما قررنا أن نخوضها تحت شعار «المفاوضات أولا وأخيرا» وتجاهلنا المبدأ الأكثر احتراما وهو «كل الخيارات متاحة أمام مصر للدفاع عن وجودها» باعتبار مياه النيل قضية وجود وليست فقط قضية أمن قومى لمصر».
ويتهم السيسي وحكومته بالتسبب في هذه النكسة وذلك الفشل، مضيفا «ذهب.. السيسى إلى إثيوبيا وخطب أمام برلمانها يوم 25 مارس 2015 وملأنا الدنيا ضجيجًا عن «ضربة المعلم» التى حققتها مِصْر بهذه الزيارة وعن الموازين التى تغيرت لدى الجانب الإثيوبى.
ووقع الرئيس مع الرئيس السودانى عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبى هايلى ديسالين «وثيقة المبادئ» بشأن السد يوم 23 مارس 2015 وروجت حكومتنا غير الرشيدة أن هذه الوثيقة تفتح الباب أمام تسوية أزمة السد بما يحافظ على حقوق مصر المشروعة، على الرغم من أن هذه الوثيقة نفسها أهدرت الحقوق التاريخية لمِصْر فى مياه النيل فلم تشر إليها من قريب أو بعيد».
وبنبرة متحسرة يكسوها الألم والحزن يتابع الكاتب «وجدنا أنفسنا ندور فى حلقة مفرغة من المفاوضات مع إثيوبيا دون أن يضع نظام حكمنا الرشيد أمامه «ساعة إيقاف» (ستوب ووتش) يتابع من خلالها نفاد الوقت المتاح لأى تحركات بديلة حتى بدا أن المفاوضات بالنسبة للجانب المصرى هدف فى حد ذاتها».
وراح يوجه سهام الإدانة والاتهام للسيسي بقوله «إذا صح ما قاله وزير الرى الإثيوبى موتوما مجاسا بعد جولة المفاوضات الأخيرة عن أن مِصْر لم تطالب بلاده بوقف أعمال بناء سد النهضة، فهذا يعنى أن المسئولين عن ملف سد النهضة فى مِصْر يرتكبون خطايا لا تغتفر فى التعامل مع الملف».
الإقرار بالسد
وفي مقال لعماد الدين حسين -رئيس تحرير جريدة الشروق، وأحد الموالين بشدة للانقلاب- يوم الخميس 31 ديسمبر الماضي تحت عنون « مناقشة أولية لاتفاق الخرطوم» يمهد الكاتب للاعتراف بالسد كأمر واقع قائلا: «التفاوض بين مِصْر وإثيوبيا بشأن السد، بل ملف المياه إجمالا، لن يقود إلى فائز أو خاسر بالضربة القاضية، لكن إلى ما يشبه الحل الوسط، وهو أمر لن يعجب المتطرفين والغوغائيين فى الجانبين».
ويضيف «لكن المهم فى كل الأحوال بالنسبة لمِصْر أن تبدأ من الآن فى فتح أوسع وأشمل حوار قومى ممكن فى كيفية تعظيم أوراقنا التفاوضية فى هذه المفاوضات، باعتبارها القضية الأهم لمِصْر الآن وفى كل وقت».
ويعترف «السد صار أمرا واقعا، ولم يكن ممكنا بالفعل منع بنائه لأسباب متعددة، لكن المهم أن نناقش بجدية الخطوات التى تمنع أن يضر بنا».
الصحف تمهد للقبول بكارثة السد
ويأتي مقال حسين متسقا مع توجهات الأجهزة الأمنية المتحكمة في إيقاع الإعلام، التي تمهد الرأي العام للقبول بسد النهضة كأمر واقع لا مفر، وذلك في جرأة كبيرة وإقرار بالفشل في وقف بناء السد كما كانت تروج هذه الأذرع الإعلامية في عهد أول رئيس مدني منتخب.
وخرجت صحف السيسي -الصادرة أمس الأحد 23 من ربيع الأول 1437هـ – 3 من يناير 2016؛ تروج لفكرة التعامل مع سد النهضة على أنه واقع لا مفر منه ولا جدوى من الحديث عن وقف البناء وضرورة التعامل مع الواقع والتقليل من تداعيات السد السلبية والكارثية، أو بمعنى أدق تعلن استسلام السيسي أمام إثيوبيا ورفع الراية البيضاء.
"المصري اليوم" أبرزت الموضوع في منتصف الأولى مكرر تحت عنوان «مصر: مستعدون لتمويل الفتحات الإضافية لسد النهضة.. اللجنة الثلاثية تجتمع الأسبوع الأخير من يناير وإعلان المكاتب الاستشارية أول فبراير».
فيما أكدت "الشروق" على المعنى نفسه «اجتماع ثلاثي فى أديس أبابا لدراسة مقترح مِصْر زيادة فتحات النهضة.. مصادر حكومية: رفع تقرير مفصل للرئيس ورئيس الوزراء لتقدير الموقف بعد الانتهاء من اجتماعات الخرطوم».
أما الجمهورية فنقلت عن وزير الري «اقتراح مصري بفتحات إضافية لسد النهضة.. المغازي: مستعدون لتحمل التكلفة.. نفاوض المكتب الفرنسي للمشاركة فى الدراسات».. وجاءت تغطية الوفد أيضًا حول بحث المقترح المِصْري.