كتب: أحمدي البنهاوي
اعتبر مراقبون تصريحات الملياردير النصراني المهندس نجيب ساويرس الأخيرة تستعيد من الذاكرة صفات وأفعال "المعلم يعقوب"، أو "يعقوب حنا بن دميانة" كما كان يسميه المصريون، والذي ناصر الفرنسيين على المصريين.
طائفي بامتياز
فلدى حضوره عشاء نظمته منظمة التضامن القبطى بالولايات المتحدة الأمريكية، على شرف ساويرس فى العاصمة الأمريكية واشنطن، أعلن "ساويرس" عن موقف متوقع بدعمه للمرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب، في مواجهة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، زاعما أن موقفه رد فعل، وأنه "لن ينسى لأوباما وهيلاري كلينتون دعمهما للإخوان في مصر".
واستعاد "ساويرس" ذكرياته مع جيش البلاك بلوك الذي أسسه بدعم الكنيسة في أواخر 2012، ونشط في النصف الأول من 2013 في حرق مقرات الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، وآثر الأخيران وقتها كبح الفتنة الطائفية حفاظا على لحمة الوطن، حيث قال "نجيب": "لو كان الأمر بيدي لأسست جيشا خاصا لمطاردة كل الإرهابيين فى منطقة الشرق الأوسط ومحاولة إعادة فرض النظام".
وذرا للرماد في العيون، ألقى رجل الأعمال "المصري" باللوم فى تفاقم الأمور بالشرق الأوسط على الولايات المتحدة الأمريكية، مستدعيا ما "شاهده" بتعرض "آلاف الآيزيديين للاغتصاب والقتل بدم بارد ولم تتدخل".
"اضرب ولاقي"
ولمح مراقبون أن ساويرس يمتلك صلفا واستكبارا واضحين في حديثه، فضلا عن كذب واضح، لا سيما عندما تحدث عن بيعه قناة "أون تي في" لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، والضغوط التي يمكن أن يكون قد تعرض لها لإتمام البيع، قال: "أنا محدش يقدر يضغط علىّ"، في حين أعلن مسبقا عن أن القناة "جابت له صداع" و"مش جايبة حقها".
إضافة لكشفه في المؤتمر عن تفاصيل تعني التضييق عليه، حيث أعرب ساويرس عن ضيقه من رفض الجهات المعنية لطلبه بإنشاء بنك فى مصر، لذلك أعلن عن أنه أنشأ بنكا فى نيويورك وسيكون له فرع فى مصر.
وحول سؤالٍ عن حقوق الإنسان فى مصر، جاءت إجابته "الحديث عن حقوق الإنسان في مصر أصبح كلمة سيئة"، ومن بين الأسئلة التي وجهت له، أعرب ساويرس عن تفاجئه من الحضور بسؤاله: "أنت مكروه في مصر فما ردك؟"، فأجاب ساويرس: "إن كان الرب معنا فمن علينا؟".
وأشار رجل الأعمال المصرى إلى أن الدولة لا تريد أن تعلن عن العدد الحقيقى للأقباط فى مصر؛ خوفا من إمكانية تأثير ذلك على مطالبة الأقباط بحصة فى المناصب العليا، قائلا: "يتعاملون مع العدد على أنه سر من الأسرار العليا في الدولة، وهم لما بياخدوش من الـ١٥ مليون وزير واحد يبقى لو طلعوا ١٧ هايخدوا حاجة".
فيما يفسر آخرون لغته بأنه "كان المتحدث الوحيد أمام مؤتمر دولي للأقباط وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وهو المؤتمر الدولى السابع لمنظمة "التضامن القبطى" حول "مستقبل الأقليات الدينية فى مصر وحالة الأقباط بعد ثورتين"، مؤكدين أن أيا من وسائل إعلام "السيسي" الراعي الرسمي للأقباط في مصر، لن تتناول المؤتمر بشيء من التخوين أو اتهامها بالتحريض على مصر.
ساويرس المتناقض
ورغم تحميله الأمريكان تهمتين بدعم الأمريكان للإخوان والتخلي عن الأزيديين، حذر ساويرس من إلقاء اللوم على أي كارثة بالمنطقة على أمريكا وإسرائيل قائلا: "المصريون يلقون دائما باللوم فى أى كارثة على أمريكا وإسرائيل، متسائلا: "ألا توجد أى مسؤولية على المصريين أنفسهم، ألم يقم بتعرية سيدة المنيا مصريون؟"، وهي الشائعة التى عمدت الكنيسة إلى نشرها على نطاق واسع، على الرغم من نفي التحقيقات حدوثها بالصورة التي تم الإعلان عنها، وتوظيف الكنيسة للحادث لتحقيق مكاسب سياسية.
المدهش أنه عاد مجددا واتهم "أوباما" وهيلارى كلينتون بالمسؤولية المباشرة فى تفاقم الأمور بالشرق الأوسط لما وصلت إليه الآن، مؤكدا أن كليهما ينتمى إلى الحزب الديمقراطى، وسبق أن دعما مشروع جماعة الإخوان فى مصر، وقال: "أنا شخصيا لا يمكننى أن أغفر لهما ذلك". لذلك قال: "لهذا السبب أدعم ترامب؛ لأن كلينتون تدعم الإخوان"، ما يعني دعمه لتصريحات ترامب العنصرية ضد المسلمين.
المعلم يعقوب
ويعتبر كثير من المراقبين أن دور ساويرس يشبه تاريخيا دور المعلم يعقوب، فكلاهما استوت أمواله من المسلمين والمصريين، وكان يعقوب متعلما وعمل عند المماليك المسلمين حتى أصبح ثريا، لكنه استغل الثراء ضد المسلمين, وبعد الحملة الفرنسية 1798 أصبح عميلا لهم، ونارا تكوي أهل بلده في جمع الضرائب ونهب الثروات لصالح الفرنسيين.
أما وجه الشبه الرئيسي فهو في دعوة ساويرس إلى تكوين جيش سبق وأن وضع لبناته، كما أنه بعد ثورة القاهرة الأولى اتخذ "يعقوب" قصرا داخل حدود القاهرة، جعله قلعة محصنة ملأها بالذخيرة والسلاح والعساكر الفرنسيين، وكون ميليشيا من حوالي 1000 شاب من أقباط الصعيد تتحرك نحو أي ثورة مصرية.
إلا أنه عندما قامت ثورة القاهرة الثانية سنة 1800، وأغلق المصريون أبواب القاهرة بالمتاريس ضد الفرنسيس، كان "يعقوب" شوكة في ظهر الثوار, وظل يطلق النار على الثوار لمدة شهر كامل، ما أدى إلى قتل الكثيرين وتشتيت الثوار.
وعند رحيل الفرنسيين، عرف "يعقوب" أن المصريين سيفتكون به، فخرج مع المحتل ومات بالطاعون على السفينة، فرموه بعد تفشي رائحته في البحر غير مأسوف عليه، تلاحقه لعنات المصريين عبر الأزمان.