بشار والسيسي.. وجهان وطريقة واحدة في التعذيب

- ‎فيتقارير

كتب- أسامة حمدان:

في رسالة تمّ تسريبها من سجون الأمن الوطني في الفيوم بمصر، كتبها أحد المعتقلين بخط يده، كشف من خلالها عملية ممنهجة للتعذيب، لها قواعدها وأوضاعها ولا تختلف في شئ عما يجري في سجون نظام الأسد في سوريا، والتي يتم تعميمها على المعتقلين الرافضين للانقلاب العسكري، لاستنطاقهم باعترافات أو لكسر المعتقل نفسيًا.

 

ودعا تقرير نشرته المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، اليوم الإثنين، المجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف واضحة من جرائم نظام السيسي ضد مختلف النشطاء، وتشكيل لجان لتقصي الحقائق في وقائع التعذيب والقتل جراء التعذيب داخل مقرات الاحتجاز الرسمية والسجون.

 

تفخيخ المجتمع

وبحسب التقرير يسعى نظام السيسي إلى تفخيخ المجتمع المصري، وجعله مجتمع غير صالح سياسيًا واقتصاديًا ونفسيًا، وتساءل نشطاء عن المنتظر من معتقل يتعرض لكل هذه الاعتداءات الممنهجة، مؤكدين أن التدمير النفسي للمعتقلين سيمكّن في نهاية المطاف الفكر المتطرف من عقول الشباب، حيث إن أي عقلية إصلاحية لن تستوعب كل هذا الحجم من السادية.

وهو ما يؤكده أحد النشطاء بالقول:" تفتكروا اللى هيعيش ويطلع من السجن بعد التعذيب ده ممكن يكون إنسان عنده استعداد يعيش …أعتقد انتحاري هو اللفظ الأنسب". 

 

وشدد تقرير "المنظمة العربية" على أن سلطات الانقلاب تتنصل دائمًا من المسؤولية، وتدعي أن التعذيب في مصر ليس إلا ممارسات فردية من بعض الأفراد، وسرعان ما تتم محاسبتهم، وهو ادعاء تكذبه الأدلة التي تم جمعها حول تلك الجريمة.

ولفت إلى أنه كنتيجة مباشرة لتفشي مناخ الإفلات من العقاب لرجال الأمن، بدأ الضباط وأمناء الشرطة في استغلال مناصبهم للتنكيل بمواطنين لمجرد خلاف شخصي.

 

ومستغلاً التواطوء الدولي ينتهج زبانية نظام السيسي الاعتداء الجنسي على المعتقلين، لإجبارهم على تقديم اعترافات، أو استنطاقهم بأسماء رفقاهم السياسيين؛ حيث أوضح كاتب الرسالة أن :"ضباط جهاز الأمن الوطني في مصر يقومون بتنفيذ اعتداءات جنسية على المعتقلين بشكل مستمر، لكسرهم نفسيا وإجبارهم على الاعتراف".

 

إحنا بتوع الأتوبيس

وأوضحت الرسالة المسربة أن التعذيب بالكهرباء للأعضاء التناسلية، أصبح منهجيًا داخل أروقة سجون الانقلاب في مصر؛ حيث يتم توصيل أسلاك كهربائية بأعضاء المعتقل التناسلية، وصعقه مرارا حتى يغشى عليه.

 

كما شرحت الرسالة أوضاع تعذيب متفرقة وشديدة الوحشية، كالكسر المتعمد للأطراف مع ترك المعتقل دون تجبير أو علاج، وكذلك أوردت الرسالة أوضاع تعذيب شبيهة بتلك التي تمارسها سجون الأسد بحق معتقليه، كإطفاء السجائر في أجساد المعتقلين، والجلد والشبح.

وتطبيقا لمناهج التعذيب التي كانت معتمدة أيام جمال عبد الناصر، يعمد نظام السيسي إلى الإهانة النفسية للمعتقلين، ويجبر المعتقل رافض الانقلاب على امتثال وضعيات "حيوانية" كالكلب والدودة، ويؤمر قهرا أن يتعامل ككلب نابح ويخطو مثله لكي يعتق نفسه من حصة التعذيب اليومية.

 

كما يؤمر بعض المعتقلين بتنفيذ وضع الدودة، حيث يقوم المعتقل بالزحف طول اليوم كدودة والتصرف بهذا الشكل المهين، ويعتبر مغردون هذه الأساليب في التعذيب إمعانا في إذلال المعتقل، حيث إنه ربما يتحمل أنواع التعذيب الجسدي، لكنه ينكسر نفسيا أمام الاعتداءات الجنسية، وامتثال الحيوانات.

 

من جانبها أكدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، أن التعذيب الذي ينتهجه نظام السيسي في مصر، وصل حدا لا يطاق وتحول إلى وباء بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، حيث تعرض آلاف المعتقلين السياسيين لصنوف شتى من التعذيب، مما أدى إلى وفات العشرات منهم.

 

وأضافت المنظمة -في تقرير حمل عنوان "وباء التعذيب في جمهورية مصر العربية"- أنها أجرت دراسة لواقع مقرات الاحتجاز المصرية استندت فيها إلى جمع أدلة من عمليات رصد وتوثيق دقيقة لأكثر من 600 شخص، تعرضوا للاعتقال في الفترة بين إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013 ومطلع مارس 2016، بالإضافة إلى نتائج استبيان وزّع على عينة عشوائية من 429 معتقلا في عشرة مقرات احتجاز في ثماني محافظات مصرية، وخلصت إلى أن ظاهرة التعذيب منهجية يتبناها النظام في مصر.

 

أرقام دامية

وجاءت نتيجة الاستبيان بتعرض 88.1% من إجمالي المحتجزين الذين شملهم الاستبيان للصفع أثناء التحقيق، بينما تعرض 45.5% منهم للجلد، وتعرض 69.9% للصعق بالكهرباء، وتعرض 49.9% للضرب بآلة حادة أثناء عملية التحقيقات، كما تعرض 51.7% للتعليق، كما تعرض 59.4% للتجريد من ثيابهم لسكب المياه الباردة عليهم، وتعرض 8.4% لهتك العرض، و16.1% تم سكب سوائل ساخنة على أجسادهم.

 

وأوضح التقرير أن نتيجة البحث تؤكد أن التعذيب ينتشر في مختلف مقرات الاحتجاز في مصر دون استثناء، كما يتشابه كثيرا في وسائله رغم اختلاف الأشخاص القائمين عليها، ورغم اختلاف مواقع تلك المقرات من محافظة إلى أخرى.

كما أجاب 87.4% من المعتقلين المشاركين في الاستبيان بنعم حول استقبالهم بالتشريفة فور دخولهم مقر الاحتجاز، كما تعرض 72.7% للتجويع والحرمان من العلاج لفترات، بينما وضع 71.3% في الزنازين مكبلي اليدين لساعات.

 

القاضي المجرم

وأكد التقرير أن الجهات القضائية تمتنع عن التحقيق في الأغلبية العظمى من شكاوى التعذيب، بالإضافة إلى انتشار التصوير التلفزيوني للمتهمين وهم يدلون باعترافاتهم داخل مقرات الاحتجاز، وتبدو عليهم آثار التعذيب.

 

وقال التقرير إن "وباء التعذيب ينتشر داخل أقسام الشرطة المصرية، التي تبلغ 328 قسما ومركزا، حتى اشتهرت بين المواطنين مسميات ثابتة للأماكن المعدة للتعذيب داخل كل قسم تحت مسمى "الثلاجة" أو "السلخانة"، وهي غرف مخصصة للتعذيب يتم بداخلها استخدام كافة أساليب التعذيب الوحشية على المعتقل.

 

وأشار إلى أن عدد الذين قتلوا جراء التعذيب بلغ 86 شخصًا على الأقل من أصل 366 شخصاً توفوا في الفترة منذ يوليو 2013 وحتى الآن، وهو رقم مفزع يشير إلى مدى القسوة التي تتسم بها عمليات التعذيب تلك، بالإضافة إلى عشرات المعتقلين الذين أصيبوا إصابات بالغة وبعاهات مستديمة جراء التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له داخل مقرات الاحتجاز المصرية.

 

وأكد التقرير أنه على الرغم من قيام الثورة المصرية في 25 يناير 2011 اعتراضاً على الانتهاكات المرتكبة في حق الشعب من قبل سلطات الانقلاب، فقد عاد وباء التعذيب للانتشار مرة أخرى بعد الثالث من يوليو 2013 في كافة مراكز التوقيف والسجون، وأصبح يمارس بشكل منهجي على كافة السجناء دون التفرقة بين فئة وجنس المسجون وانتمائه الفكري.

 

جدير بالذكر انه رغم التعذيب الممنهج الذي يعتمده السيسي في مصر وبشار الأسد في سوريا، إلا أن إرادة وصمود الثوار في كلا البلدين ثابت بل في زيادة، وبات المعتقلون والمعذبون – رغم آلامهم- هم من يقومون بكسر الانقلاب وليس العكس، وهو ما بات واضحاً في لغة الاستجداء الدولي، التي يعتمدها نظاما الديكتاتورين الشقيقين في مصر وسوريا.