بكار النوبي
انتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة مجتمع مدني، قرار عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، بعزل المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، واعتبرته انتكاسة تشريعية، ونسفًا لاستقلالية الأجهزة الرقابية في مصر.
جاء ذلك في تقرير أصدرته المنظمة، اليوم الثلاثاء، حول «الفصل بين السلطات»، عبرت فيه عن قلقها من القانون رقم 89 لسنة 2015، الذي أصدره السيسي بشأن إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم.
انتكاسة تشريعية تخالف الدستور
وقالت المبادرة الحقوقية، إن "القانون مقتضب جدا، حيث يتكون من مادة واحدة، ولا يرتبط بأي قوانين أخرى، ما يجعله واحدًا من أقصر القوانين المصرية". وأشارت إلى أنه قبل صدور القانون، كان هناك تعارض بين الأطر التشريعية المنظمة لعمل الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من جهة، ومواد الدستور الحالي الخاصة بتلك الهيئات من جهة أخرى.
وتابعت المبادرة- في تقرير مفصل- "كان من المنتظر أن تتم تعديلات تشريعية في قوانين الهيئات المستقلة لجعلها أكثر توافقًا مع الدستور الجديد، لكن بدلًا من ذلك، صدر القانون الأخير ليزيد الفجوة اتساعًا بين القوانين المنظمة لعمل الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية والدستور".
ينسف ضمانة استقلال الأجهزة الرقابية
ولفت التقرير إلى أنه "يكاد يكون الجهاز المركزي للمحاسبات هو الجهاز الرقابي الأبرز في مصر، حيث يختص بالرقابة على مجمل الأموال العامة وأموال الأشخاص العامة، والقانون الحالي المنظم لعمل الجهاز المركزي للمحاسبات صدر عام 1988 وتم تعديله عام 1998، لكن القانون الأخير جاء ليعطي رئيس الجمهورية صلاحية إقالة رؤساء تلك الأجهزة"، الأمر الذي وصفه التقرير بأنه "ينسف آخر ما تبقى من ضمانات لاستقلال الجهاز المركزي للمحاسبات ورئيسه، ويؤدي إلى تضارب تشريعي واضح مع القانون المنظم لعمل الجهاز المركزي للمحاسبات".
وأشار إلى اقتراب مصر من المعايير الدولية حتى وقت قريب "قبل أن تنتكس"، حيث كانت مصر قريبة من نماذج الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، على الأقل فيما يتعلق بالجهاز المركزي للمحاسبات وتبعيته للمجلس التشريعي وليس السلطة التنفيذية، ورغم أن البرلمان عادة ما يكون تابعا للسلطة التنفيذية والحكومة في مصر، فإنه على الأقل كان قانون الجهاز المركزي للمحاسبات قريبًا من المعايير الدولية، وحتى وإن لم يكن التطبيق مثاليا بسبب غياب استقلال البرلمان ذاته.
"جاء قانون الأجهزة الرقابية الأخير المكون من مادة واحدة تحتوي على العديد من العبارات المطاطة، حمالة الأوجه، بحيث تعطي رئيس الجمهورية ورأس السلطة التنفيذية سلطة مطلقة في عزل رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية"، بحسب التقرير.
أين حصانة الأجهزة الرقابية؟
وأكد التقرير أن هذه المبادئ ليست خاصة بالمجتمع المدني وحده، وأن الحكومة ذاتها في إستراتيجيتها لمكافحة الفساد الصادرة من مجلس الوزراء، في ديسمبر الماضي، بمناسبة مرور خمسين عامًا على إنشاء هيئة الرقابة الإدارية، ذكرت صراحة أن من أهم المعوقات المؤسسية لمكافحة الفساد "افتقار أعضاء الأجهزة الرقابية إلى الحصانات الكافية للقيام بدورهم"، و"تبعية بعض الأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد في مصر للسلطة التنفيذية بما قد يؤثر في استقلاليتها".
وأكد التقرير أن "القانون الصادر أخيرًا لا يعبر فقط عن تضارب تشريعي وانتكاسة لجهود مكافحة الفساد، ولكنه يعبر أيضًا عن تضارب داخل أروقة اتخاذ القرار، وعدم وضوح الرؤية الخاصة بإستراتيجيات مكافحة الفساد، فنرى الحكومة تقوم بإصدار العديد من المبادئ الخاصة بمكافحة الفساد، وتكون هي أول من ينتهك تلك المبادئ".