في الوقت الذي تنهار فيه الحالة الاجتماعية في مصر بعد الانقلاب العسكري لاعتقال ما يزيد على 50 ألف مواطن في سجون هذا النظام العسكري المستبد، بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وانهيار الحالة الاقتصادية والسياسية وتزايد حالة الغليان في الشارع المصري في مواجهة هذا النظام.
تحلق من جديد ذكرى 25 يناير في عامها الخامس على إزالة حكم الطاغية المخلوع محمد حسني مبارك، والذي دفع ثمن الثورة عليه ما يزيد عن ألف شهيد، تحلق أرواحهم في هذه الأيام لتذكر المصريين بالقصاص لدمائهم التي راحت هدرا بسب الانقلاب، وتؤكد لهم أن الثورة مستمرة، وأن مبارك لم يمت ولكن امتد حكمه في هذا الانقلاب الذي يمثله السيسي.
خمس سنوات مضت على الورد اللى فتح فى جناين مصر، وردًّا لم يكتب له أن يزدهر ليموت واقفًا على تراب وطن رويت أرضه بدمائهم تاركين ورائهم أسرًا ملكومة وحقوق مهدورة، وأحزان لا تنتهى".
وما زال أهالي الشهداء يؤكدون أن أبناءهم دفعوا أرواحهم ثمنًا للثورة، ولم يأخذوا شيئًا منها سوى التهميش والنسيان.
ما زالت والدة الشهيد بنونة تؤكد: "ابنى اتصاب فى الثورة ومات يوم التنحى" "لحظة تنحى المخلوع محمد حسنى مبارك أبكتنى كأن كريم لسه متوفي، بكيت من الرهبة والإحساس أن حياته ماراحتش هدر مستطردة وحشتنى يا كريم، وحشتنى يا حبيبي، كل يوم بستناك فى الحلم ومش بتجيلي، تعالالى فى الحلم طمنى عليك وقولى عامل ايه، أنا كل يوم بكتبلك جوابات وبكلمك زى ماكون شايفاك قصاد عيني ومصر هتبقى أحسن".
هكذا قالت والدة الشهيد كريم بنونة فى ذكرى استشهداه.. "بنونة" مهندس، يبلغ من العمر 29 عامًا، أب لطفلين هما عمر 3 سنين ومريم سنة، حينما توفى والدهما، يوم تنحى المخلوع مبارك على أثر إصابة تلقاها يوم جمعة الغضب.
وتذكرنا ثورة يناير بالشهيد مصطفى الصاوى التي قالت والدته: "ابنى ظل يتحدث عن الحرية حتى الموت.. أنا ذاهب لأستشهد غدًا يا أمي، فكيف تريدين منى عدم النزول للمظاهرة؟!".. "سأتزوج غدًا من خارج الدنيا بإذن الله".. تلك كانت آخر كلمات تفوه بها الشهيد مصطفى الصاوي، فى يوم الخميس 27 يناير 2011، قبل استشهاده فى ثورة 25 يناير 2011 بـ24 ساعة فقط"!
الصاوي، يبلغ من العمر 26 عامًا، وخريج كلية التجارة، يقطن بالعقار رقم 18 بشارع الجامع بالحوتية فى منطقة العجوزة، ترتيبه الرابع بين إخوته الخمسة.
كان مصطفى، إمام مسجد الحصرى بالعجوزة، ويؤم المصلين فى الكثير من المساجد الأخرى، ويحفظ القرآن لعشرات الأطفال بالمنطقة، وتروى والدته آخر لحظات قصتها معه، مشيرةً إلى أن نجلها ظل يوم الأربعاء 26 يناير يتحدث معها كثيرًا، ودار بينهما حوار حول زواجه.
فقالت له: "انتهي يا مصطفى من الجيش على خير علشان نخطب لك"، فردَّ عليها: "لا يا أمي، أنا سأتزوج من خارج البلاد"، فقالت له "إن بنات الخارج لا يناسبن ثقافتنا"، فقال -وهو مبتسم-: "لا تقلقى يا أمى دول مناسبين جدًّا، وفى غاية الجمال".
وحاولت أمه، أن تلتقط أنفاسها، والدموع تنهمر من عينيها بكثافة لتعاود قائلةً: "لم أكن أعرف أنه يقصد بالزواج من خارج البلاد أنه يقصد الحور العين".
وأضافت "سهرنا معا يوم الخميس إلى صلاة الفجر، فصلينا، وقلت له بعدها اذهب للنوم لأنك تعبت اليوم جدًا، ولا تذهب للمظاهرات، فرد على فى سرعة بالغة: أنا ذاهب طبعا لأنى سوف أستشهد غدًا، وتبسم وذهب للنوم".
وتضيف قائلةً: "وقت صلاة الجمعة، توجست أن أوقظه، ففتحت باب غرفته وتأكدت أنه نائم، وتسلَّلت ببطء خوفًا من استيقاظه وذهابه إلى المظاهرات"، إلا أنها لحظات وهب مستيقظًا، وارتدى ملابسه بسرعة بالغة، وذهب مهرولاً إلى صلاة الجمعة دون أن يسلم عليها، وكانت جنازته تهرول إلى القبر أيضا تماما كهرولته إلى الله، وهو ذاهب للمظاهرة.
أما أخته مريم فتروى آخر لحظات قصتها مع مصطفى فتقول: "يوم الثلاثاء زارنا بشكل مفاجئ وعجبت لذلك، إلا أنه قال لى جئت لأسلم عليك فقط، وحدث نفس الأمر فى يوم الأربعاء، أما يوم الخميس فاتفقت معه أنى سأزورهم أنا، ولكن تأخرت فاستعجلني، وكأنه يودعنا، ويريد أن يجلس معنا أطول فترة ممكنة".
وتضيف قائلةً: "قال لى يوم الخميس: أنا ذاهب لأستشهد غدًا، فضحكت واعتقدت أن كل ذلك مجرد مزاح"، ولتستكمل "إلا أنى أيقنت أن كل تلميحاته السابقة وحركاته، كانت نابعة من شخص واثق فى استشهاده".
ويستكمل صديقه محمد قائلاً: "تحركنا من مسجد مصطفى محمود، وأول نقطة احتك بنا الأمن المركزى فيها كانت على كوبرى الجلاء, حيث ضربنا بالقنابل المسيلة للدموع وقابلت صديقًا لى هناك، وقال لى ادع لمصطفى لأنه أصيب إصابة شديدة".
ويضيف: "سألت المتظاهرين على مصطفى فقالوا لي: إنهم ذهبوا به إلى مستشفى "الأنجلو أمريكان"، فما إن وصلت وجدت أناسا يقولون لشقيقى لا تتركوا حقَّه، فجريت إليه وسألته ماذا حدث؟ وحقّ من الذى تتحدثون عنه؟، فقال لي: مصطفى الصاوى استشهد، وهو أول من استُشهد على كوبرى قصر النيل.
ويروى تلك اللحظات فيقول: "ما إن تلقيت الخبر لم أشعر بنفسي، وكل ما دار بذهنى وقتها حادثة خالد سعيد، فخشيت أن يشهِّروا بمصطفى على أنه مجرم، أو متعاطٍ للمخدرات، أو غيرها من تلك الاتهامات الباطلة التى يسوِقونها، فقرَّرت المبيت بجوار جثمانه".
ويشير إلى أن الأطباء فى المستشفى أخبروه بأن إصبع مصطفى كان على وضع الشهادة منذ ما جاء، وتجمد على تلك الحال.
ويتابع: إن تقرير الطب الشرعى أثبت إصابته بطلقات نارية "رشية" حيوية بمنطقة الصدر، ونتج منها 25 ثقبًا.
والدة محمد أشرف لابنها: "يابختك اترحمت من إللى إحنا شيفينه" أحد ضحايا الثورة، التى لم تجف دمائهم بعد فما زالت الأم تشعر بحرقة فقدان ابنها كأنه اليوم الأول لوفاته، بدأت قصة ابنها قائلة: "ابنى نازل من البيت سليم رجعلى فى كيس زبالة غرقان فى دمه" هذه هى ملخص الثورة وملخص شعور أم فقدت ابنها، وقالت إنها دائما ما تردد "ابنى فراقه صعب لكن ما يحدث الآن يجعلنى أقول يا بختك أترحمت مما نراه الآن".
وما زال الشباب يضرب ويسجن ويعذب لم يعد الحق إلينا ولم نستشعر بتحسن فالشهداء يزدادوا يومًا بعد يوم والظروف السياسية والاقتصادية تنهار فنشعر بضياع الأمل والثورة وأبنائنا هباء.
أحد مصابى يناير: "الدولة أصابتنى فى الثورة ودلوقتى موتتنى فى سجلاتها" كان عمرو محمد السيد، أحد مصابى ثورة 25 يناير، وأصيب يوم جمعة الغضب إصابة بالغة فى قدمه.
ويقول محمد: "أنا نزلت يوم 25 يناير من 5 سنين، وكنت متيقنًا أن المرادى غير كل مرة وأنه هيحصل شيئا مختلف، وفعلا جه يوم الجمعة.. فوجئت بعدد كبير من المتظاهرين موجودين فى المسيرة غير الإصرار اللى كان مليهم.. على أعلى كوبرى قصر النيل.. على الرغم من الاعتداء البشع من جانب الداخلية.. والميه اللى رشوها علينا فى عز البرد.. لكن كنا مكملين ومستمرين.. وساعتها جاتلى رصاصة فى رجلى وفضلت أنزف".
واستكمل محمد راويًا: "إنه رغم إصابتى وتعبى الشديد كملت المشوار.. لحد لما وصلنا لميدان التحرير والجيش نزل".
وواصل: "لكن للأسف بعد كل اللى حصل ده الثورة ضاعت.. وجات الدولة وموتتنى فى السجلات بتاعتها.. فأكتشف تده لما روحت عشان أنتخب فى اللجنة بتاعتى بحى روض الفرج بشبرا.. ساعتها روحت عشان أسجل بيناتى لقيتى نفسى فى تعداد الموتى وأنا لسه عايش".