“ريجيني جديد”.. لماذا عذَّب الانقلاب فلسطينيا حتى الموت؟

- ‎فيتقارير

كتب سيد توكل:

"وسيم دغمش" ضابط شرطة فلسطيني بـ"رام الله"، تم قتله الأسبوع الماضي بدم بارد داخل سجن مصري، تقول رواية الانقلاب عبر تحقيقات تجريها النيابة إنه قتل في ظروفٍ غامضة، وربما لاحقاً تضع النيابة تلك العبارة المعتادة "هبوط حاد في الدورة الدموية"، للتغطية على جرائم القتل والتصفية التي لا تستثني معارض لانقلاب، او ضابط شرطة فلسطيني، أو طالب إيطالي يدعى "جوليو ريجيني".

المفارقة أن قتل "دغمش" تزامن مع طلب النيابة العامة في العاصمة الإيطالية روما، الأربعاء الماضي، من سلطات الانقلاب "الحصول على محاضر استجواب بعض من ضباط (جهاز) الأمن الوطني وإدارة المباحث في القاهرة" بشأن قضية الباحث الإيطالي، جوليو روجيني (26 عاما)، الذي اخفتى لأيام قبل العثور عليه مقتولا قرب القاهرة قبل أكثر من عام.

جريمة قتل "دغمش" تلقي بمزيد من ظلال الشّكّ والرّيبة على ما يُمكن أن يكون انتقامًا مصريًا من عباس، ضمن سلسلة إجراءات وقرارات أخرى، بعد رفضه الوساطة المصرية من أجل عودة دحلان لحركة "فتح"، فهل يُمكن اعتبار مقتل الضابط رسالةً من السيسي لعباس حتى يتصالح مع دحلان رجل الإمارات الطامع في السلطة؟

مشاجرة مفتعلة
بيان السفارة أعلن وفاة الضابط في الشرطة الفلسطينية "وسيم دغمش" في سجن لشرطة الانقلاب حيث اعتُقل بعد مشاجرةٍ مع مصريين الأسبوع الماضي.
السفارة كشفت أن "دغمش" كان قد أُودع السجن لمدة 4 أيام تجدّدت لأربعة عشرة يوماً إثر مُشاجرة مع عدد من المصريين في منطقة "فيصل" بالهرم من محافظة الجيزة.
لم يفُت السفارة في بيانها الرسمي التأكيد على أنها كانت تتواصل عبر مندوب مع "دغمش" أثناء مُكوثه بالسجن، مشيرةً إلى أن النيابة العامة المصرية شرَّحت الجُثمان لمعرفة سبب الوفاة؛ تمهيدًا لنقل الجثمان إلى قطاع "غزة".

وعلى الرغم من محاولة السفارة توضيح سبب سجن الشاب وأنها كانت تتواصل معه قبل الوفاة، إلا أن الغُموض يَكْتَنف الحادث، ويُثير العديد من التساؤلات حول سبب احتجازه وظروف وملابسات قتله.

ولعلَّ الشك في رواية سلطات الانقلاب التي تَبنّتها سفارة فلسطين بالقاهرة، يكون مُرجحًا في مثل تلك الأحداث الغامضة، ولنا في حادث مقتل الشاب الإيطالي "جوليو ريجيني" قبل أكثر من عام العِبرة والعِظة.

تعذيب حتى الموت
السيناريو الأول الذي يقفز إلى الذهن، يَشِي بأن الشرطي الفلسطيني ربما توفَّى تحت التعذيب أو سوء المعاملة، شأنه في ذلك شأن العديد من المصريين من المُعارضين للسلطة، وهو ما وثّقته منظمات حقوقية.

لكن لماذا تُعذِّب سلطات الانقلاب فلسطينيًا حتى الموت داخل سجونها؟، الإجابة ربما تقُود إلى ما قبل احتجاز الرجل، حيث تبدو قصة المشاجرة التي أُلقي القبض عليه بسببها مجرد ساتر للتغطية على خطّة قتله.

ونظرًا لطبيعة عمل "دغمش" كضابط شرطة، فإن التساؤلات تَزيد والسيناريوهات تَتَّسع، وقد تُقدّم وظيفته بقطاع الشرطة في رام الله، تفسيراتٍ منطقية لما حدث.

التفسير الأول: يُشير إلى أن الضابط التابع للسلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن دخل القاهرة ربما لتنفيذ "عملية قذرة" مثل اغتيال دحلان، على خلفية أزمة الأخير الحالية مع عباس وحركة فتح.

سلطات الانقلاب وفق هذا السيناريو، اكتشفت المُخطّط وسارعت إلى القبض عليه بتهمة محاولة الاغتيال، لكن مع فَرض سِياجٍ من السّرية حول الأمر، واختلاق قصة المُشاجرة ليبدو الأمر منطقيًا وبه مُسوّغ قانوني.

وبداخل أحد مقار الاحتجاز، ربما تُوفّي "دغمش" بفعل التعذيب أثناء استجوابه من قبل عناصر مخابرات الانقلاب، التي كانت تستعد لإعلان تفاصيل العملية بعد الحصول على اعترافات مُوثّقة من المَقتُول.

يُعزّز من احتمالية تحقُّق هذا السيناريو، أن الرجل كان محتجزًا منذ أيام دون إعلان.
أما السيناريو الثاني: فيقُود إلى أن الضابط المقتول ليس له علاقة من قريب أو بعيد بمحاولة اغتيال أو أيّة مخالفات أمنية، وأن القبض عليه ثم الإعلان عن وفاته داخل محبسه، كان مجرد رسالة من سلطة الانقلاب إلى نظيرتها الفلسطينية.

قوة دحلان مع السيسي
اللافت في الأمر أن كلا السيناريوهَيْن يرتكزان على خلفية الأزمة العميقة التي تشهدها العلاقات بين سلطات الانقلاب والسلطة الفلسطينية من جانب، وبين الأخيرة ومحمد دحلان من جانب آخر.

أحدث فصول تلك الأزمة كان منع اللواء "جبريل الرّجوب" -أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح ووزير الشباب والرياضة بالسلطة الفلسطينية من دخول القاهرة- أواخر فبراير الماضي، لحضور مؤتمر إقليمي بدعوة من جامعة الدول العربية.

وللمفارقة فإن "الرجوب" هو المتهم الأول من قبل دحلان في قرار حركة فتح عدم عودته إليها؛ لذا فالعداء بين القيادتين الأمنيتين له جذور.

في المقابل فإن القاهرة، فتحت ذراعيها لاحتضان فعاليات لدحلان وأنصاره، آخرها -في الشهر ذاته "فبراير"- ورشة عمل "الشّبيبة الفتحاوية"، التي انطلقت بأحد فنادق القوات المسلحة في القاهرة؛ تمهيدًا للقاء واسع لقيادات حركة "فتح" المحسوبين على دحلان.

وفي الفترة الأخيرة تعمّدت وسائل إعلام مصرية شَنَّ هجومٍ عنيف على "أبو مازن"، مُنتقدةً ضعفه في مواجهة حركة "حماس"، وعجزه عن إدارة السلطة الفلسطينية، وقيادته حركة "فتح" إلى التَّشرذُم والجُمود.

المثير للسخرية أنه مع الجرائم التي تجري في القاهرة على يد الانقلاب، طالبت وزارة خارجية السيسي، الأحد الماضي، الحكومة الإيطالية بالتحقيق في وفاة مواطن مصري يُدعى هاني حنفي محمد داخل أحد السجون الإيطالية، وتحديد الأسباب التي أدت لوفاته من باب لا تعايرني ولا أعايرك، بينما تداول نشطاء ساخرون مقطع فيديو ظهر فيه وزير خارجية السيسي وهو يهذي بالقول: تعاملنا بشفافية غير مسبوقة في حادث مقتل "ريجيني"، والسؤال هل سيتم التعامل بنفس الشفافية مع مقتل "وسيم دغمش"؟!