كتب- سيد توكل:
الطغاة مثل الرز بين صفحات التاريخ، انتهوا وانقضوا وسيولدون ويمضون، قد يتفاوتون في وسائل الطغيان، لكنهم يتوحدون في البدايات و النهايات، أتوا إلى الحكم مسالمين ومستعطفين أو بانقلاب دموي متجبر، وينتهوا مغدورين ومقتولين، من تشاوشيسكو الروماني، مرورا بالقذافي، وصولا إلى عبد الفتاح السيسي، ظل الطاغية هو الطاغية، لا يرى إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته ولا يهتم إلا لمصالحه، الطغاة وهم في أوج طغيانهم يمتلكهم الغرور والاستعلاء ولا يتعظون من دروس التاريخ ومن مصائر أمثالهم ممن سبقوهم من أصنام الطغاة.
اسمه نيكولاي تشاوشيسكو، من أشهر الدكتاتوريين في التاريخ المعاصر، حكم رومانيا لمدة أربعة وعشرين عاماً (من 1965 حتى 1989) بالحديد والنار، بعد أن أصيب بجنون العظمة في نهاية حياته.
إذ كان يطلق على نفسه القائد العظيم والملهم ودانوب الفكر – نسبة إلى نهر الدانوب – والمنار المضيء للإنسانية والعبقري الذي يعرف كل شيء، تماماً مثل "السيسي" طبيب الفلاسفة، وكان تشاوشيسكو لا يقبل أي انتقاد ولا يبدي أي رحمة تجاه معارضته، ويشبه ما قام به السيسي في رابعة والنهضة وما بعدهما من مجازر وجرائم تصفية وإعدام.
إعلام تشاوشيسكو الطبال
ومما زاد في غرور تشاوشيسكو والسيسي من بعده، وفي جنون عظمتهما وجود إعلام وكتيبة كتاب مطبلين له يصفونه بأوصاف مبالغ فيها كوصفه بيوليوس قيصر وبالإسكندر الأكبر ومنقذ الشعب، وأن عصره هو العصر الذهبي، وبأنه الشمس التي تشع الدفء حتى كرهه شعبه وقام بالثورة عليه.
وعلى غرار نهب السيسي وجنرالاته خيرات مصر، قدرت قيمة بناء أحد قصور تشاوشيسكو بعدة مليارات من الدولارات، فقد بلغت مسطحات بناء ذلك القصر 45000 متر مربع وارتفاعه عن الأرض مائة متر، وقد شارك في بنائه خمسة عشر ألف عامل كانوا يعملون ليلاً ونهاراً حتى تم بناؤه.
كما كان يمتلك تسعة وثلاثين فيلا فاخرة ويعيش ببذخ فاحش، بينما يعيش معظم شعبة الروماني مثل الشعب المصري الآن تحت مستوى الفقر في ظل حكم قمعي لا يرحم، وكان يمتلك تسع طائرات مجهزة كقصور طائرة وثلاثة قطارات خاصة به كبيوت متنقلة عبر أنحاء رومانيا.
وفي الوقت الذي كان تشاوشيسكو يبني النصب التذكارية الهائلة ويقيم الحفلات الباذخة لدائرته الضيقة، كان كثير من الرومانيين يعانون الجوع بسبب توزيع الطعام بنظام الحصص، ويتحملون صقيع الشتاء دون مواقد تدفئة، ومثل ما كان الديكتاتور الروماني يخدع الشعب بشعارات "تحيا رومانيا"، يقوم السيسي بنفس الشئ فيرفع شعار "تحيا مصر" في مواجهة أصوات الجوع والفقر.
السيسي ومصير شاوشيسكو
تم خلع "شاوشيسكو" وأجبره الشعب على ترك السلطة والهروب المتخفي في يوم 22 ديسمبر 1989 ، إلى أن تم إلقاء القبض عليه وإعدامه بالرصاص وسط الجماهير؛ هو وزوجته " إيلينا" بعد ثلاثة أيام في يوم 25 ديسمبر، بعدما قضى 21 عاما رئيسا لرومانيا؛ متخذًا أسلوب الحكم الشمولي الفردي منهاجًا ومعتمدا طريقة "الزعيم المعبود" في الحكم، في حين يتم إشاعة الخوف وقمع كل المعارضين بواسطة جهاز الشرطة الروماني سيئ السمعة.
في مصر في فبراير 2011 كان المخلوع مبارك وزوجته على وشك السقوط في سيناريو " شاوتشيسكو"؛ إلا انه وبعد 18 يوماً دموياً نال عهود الأمان من قادة المجلس العسكري، وترك لهم السلطة من أجل أن يجنب نفسه مصير " شاوتشيسكو ـ إيلينا" الذي كان باهظًا في فاتورة الإعدام.
وعن النهاية التي تنتظر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، يقول الكاتب والمحلل السياسي "محمد الصباغ" أن :" النقلة الانقلابية التي حدثت في مصر منذ يونيو 2013 والتي استمرت رغم تعثرها إلى الآن هي التي سوف تتعرض لعملية تفريغ لمحتواها بإحداث ثورة ضد السيسي".
مضيفاً لـ"الحرية والعدالة" :"النموذج الروماني في نهاية حكم "شاوتشيسكو" والذين يدفعون إلى تطبيق سيناريو شاوتشيسكو في مصر الآن وبعضهم بالتأكيد من داخل منظومة الحكم هم أهل الشر الحقيقيون الذين يجب أن يحذرهم المصريون".