كتب مروان الجاسم:
حين ولدت زينب الغزالي في يناير 1919 من الميلاد كان المشهد السياسي يشهد تجاذبات بسبب الاستعمار الإنجليزي والمقاومة الوطنية وكل من يعي أضرار الاستعمار.
وتروي عن تلك الفترة قائلة: "حين حبوت صغيرة وأنا أرى جند الإنجليز يدخلون قريتنا ميت أبوالعيش دقهلية، ورأيت عمي وهو يقبض عليه لأنه من الثوار وحملني والدي وهو يذهب لزيارة شقيقه بمدينة الزقازيق مع المعتقلين الوطنيين".
وأضافت أنها سمعت عمتها وهي ترتجل كلمة جميلة تودع بها شقيقها المقبوض عليه فحفظتها وكانت الكلمات تقول: "حمدي الجبيلي لما اعتقلوه ظل الفتى يشجع أبوه" مضيفة أنها تربت في بيت ثائر على الاستعمار.
وحول لقائها بهدى شعراوي قالت الحاجة زينب: إنها قرأت إعلانا لهدى شعراوي عن إرسالها بعثة لفرنسا من تسع فتيات ثلاثة منهن يدرسن القانون وثلاثة يدرسن فن التجميل وثلاثة أخريات يدرسن فن تربية الأطفال، مضيفة أنها انتهزت الفرصة وذهبت للاتحاد النسائي بشارع قصر العيني لمقابلة "شعرواي"، ولم تتمكن فقدمت طلبا للالتحاق بالبعثة.
وأضافت أنه يوم الكشف الطبي على المتقدمات سألها الدكتور الذي كان يجري الكشف وكان يدعى "سليم" عن اسمها فقالت زينب الغزالي الجبيلي فسألها جبيلي الدقهلية تاجر الأقطان فأجابته "نعم"، فرفض الكشف عليها وقال لها "روحي ادخلي البوندستير انت مالك ومال البعثة دي"، مضيفة أنها ردت عليه قائلة: ليس لفقر أطلب ذلك ولكن لشيء آخر، فطردها من المكتب وذهبت غاضبة لمكتب هدى شعراوي وأصرت على مقابلتها، وأدخلوها لمقابلتها.
وأوضحت أنها ألقت السلام عليها وعرفتها بنفسها، وأنها جاءت إليها لكنها ليست في حاجة لدخول مدارسها أو الفصول التي قررتها للبعثة وقصت عليها قصة أبيها وأخيها، ففرحت بها وقالت لها أنت هدية لي اليوم، وضمتها على صدرها وقبلت رأسها ووجنتيها، وقالت لها أنت ابنتي فردت الغزالي قائلة: لا أنا ابنة الغزالي الجبيلي، ولكن أتعاون معك لخدمة "المرأة المسلمة"، فاحتضنتها ثانية وقبلتها وأخذتها للطبيب ليعيد الكشف عليها فرفض فأصرت على انضمامها للبعثة دون إجراء الكشف.
وأشارت إلى أنها انضمت لفصول البعثة وأثناء الدراسة دخلت هدى شعراوي الفصل وكان برفقتها الدكتور طه حسين فنادت عليها فقامت فأخبرتها أن الدكتور طه حسين يريد التعرف عليها فخرجت لمقابلته فسألها "انت مش عايزة تبقي بنت هدى شعراوي؟ انت بنت هدى شعراوي وطه حسين؟ فأجابته قائلة: لا بل أنا بنت الغزالي الجبيلي فلست أنت أعظم من أبي وليست هى بأعظم من أمي".
مع الشيخ "النجار"
وأضافت أنه في هذا الوقت جاء الشيخ "النجار" وطلب في بداية المحاضرة أن يتعرف على الأستاذة التي تجادل العلماء وتناقشهم في حقوق المرأة في الإسلام فوقفت فعرفها بنفسه قائلا أنا محمد سليمان النجار من علماء قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر الشريف، فقالت له وأنا ابنتك زينب الغزالي الجبيلي أو تلميذتك عضو مجلس إدارة الاتحاد النسائي المصري برئاسة السيدة الجليلة زعيمة النهضة النسائية هدى هانم شعراوي.
وتابعت أنه طلب منها أن تتركه عشرة أسابيع او سبعة أسابيع أو خمسة دون مقاطعة وبعدها سينزل من مقامه ويجلس مع المستمعات وتصعد هي مكانه ليستمع إليها فوافقت وقالت: لا مانع عندي من ذلك فقامت حوا إدريس وزميلة أخرى واحتجتا لعدم الرجوع إلى شعراوي في الأمر فردت عليهم قائلة أقرر الصالح للأمر فانسحبتا من المحاضرة.
وتابعت: عندما انتهى الشيخ من المحاضرة وعند الخروج أوقفني وقال لي أستاذتي عزيزتي ابنتي أرجو أن تنتظريني خارج القاعة ولما خرج جلسا أسفل شجرة وبدأ يتحدث لها عن حقوق المرأة في الإسلام، وكيف كانت المرأة مهضومة الحق، وعندما جاء النبي، صلى الله عليه وسلم، رد على قساوسة في منطقة أشبه بفرنسا أو فيينا عندما شبهوا المرأة بأنها مخلوق نجس ومحرم عليها دخول الجنة وقد خلقت فقط لخدمة الرجال بأن النساء شقائق الرجال.
سر التحول
وأردفت أن الشيخ واصل حديثه وهي منصة إليه ومستمتعة بكلامه وعندما انتهى رفع يديه إلى السماء وقال رب أنت اعلم بعبوديتي لك أسألك بأسمائك الحسنى وبرحمتك التي وسعت كل شيء أن تجعلها لك أنت لا لهدى شعراوي، أن تجعلها لك أنت لا للاتحاد النسائي، أن تجعلها لك أنت، لا لجاهلية هذا القرن.. اللهم اجعلها لك، اللهم اجعلها فتحا في الإسلام جديد، يا الله يا الله وعيناه تنسكب منها الدموع وهو يدعو وهي مأخوذة بدعائه.
وأضافت أنها سألته بعد انتهائه هل السيدة هدى شعراوي بهذا السوء الذي تعتقده؟ فرد عليها مالي ومالها شغلي بك أنت.. أنت فتاة الإسلام وأنت للإسلام زرعت وسيمتد فرعك وسيمتد في الأرض جذورك فأجابته قائلة: سيدي أنت تحدثني كأبي، وأبي كان يريدني كذلك، فرد عليها وستكونين كذلك.
وأوضحت أن مدة العشرة شهور الخاصة بالبعثة انتهت وكانت الأولى على البعثة وأثناء استعدادها للسفر إلى فرنسا بغر موافقة شقيقها جاءها والدها في المنام وطلب منها عدم الذهاب وأخبرها أنها ستؤدي رسالتها للإسلام هنا في مصر بل وفي العالم كافة دون أن تذهبب إلى فرنسا فردت عليه قائلة: نعم يا أبتاه سأرفض البعثة وأطيع أمرك أيها الوالد العزيز، مضيفة أنها ذهبت للاتحاد واعتذرت عن السفر في البعثة فلما علمت هدى شعراوي قالت لها كيف يا زينب وأنت الحلم والأمل وأريدك أن تخلفيني في زعامتى فأخبرتها أن الله يختزن لي ما هو خير من السفر وهذه جملة أبي، فطلبت منها الانضمام لعضوية الجمعية العمومية للاتحاد النسائي فرفضت الغزالي واشترطت أن تكون عضوة بمجلس إدارة الاتحاد النسائي فوافقت، وعند عرض الأمر على المجلس رفض بالإجماع فتحدثت إليهن وأصرت على التصويت مرة أخرى قائلة أنا أصر على انضمام زينب الغزالي ولن أخسر هذه الفتاة فهي فخر كبير للمرأة فوافقت بعض العضوات مجاملة لشعراوي ودخلت المجلس.