الحجاب يغزو الجيش التركي قريبا

- ‎فيعربي ودولي

* بعد وصول معركة المحجبات إلى الشرطة

في مارس 2015 رفع ضابط صف بقوات المشاة التركية يدعي "هاكان كاياباسي"، دعوى قضائية ضد وزارة الدفاع بعد أن رفضت طلبه للحصول على بطاقة هوية عسكرية تسمح لزوجته بدخول الإسكان العسكري بحجة أنها وضعت صورتها وهي محجبة على استمارة الطلب.

وفي مرافعتهم، أمام المحكمة، قال ممثلو وزارة الدفاع إنهم يرفضون ارتداء الحجاب في المؤسسات الخاصة بالجيش، سواء الأندية أو الإسكان أو غيره، ضمن سعيها للحفاظ على الحظر المفروض على ارتداء الحجاب منذ وصول كمال أتاتورك للسلطة.

وطالبت وزارة الدفاع التركية برفض هذه الدعوى، ولكن المحكمة العسكرية، وجدت أن حجة الضابط "هاكان" مبررة والحظر سيكون "ضد حقوق الإنسان والمساواة"، فقبلت الدعوي وسمحت بإعطاء بطاقات هوية عسكرية للنساء الأقارب المرفقين بصورهن وهن محجبات.

وقد أكد محامي الضابط صاحب الدعوى أن الحكم يشكل سابقة في القضاء التركي، وصرح حينها: "استنادا لهذا الحكم، ومن الآن فصاعدا، لن يواجه أقارب موظفي القوات المسلحة المحجبات أي مشاكل في دخول الأندية العسكرية والمرافق الاجتماعية والمباني العسكرية، وهذا قرار مهم يتعلق بحوالي مليون نسمة".

وقد أصدرت المحكمة العسكرية العليا، يوم 20 مارس 2015 قرارا بالسماح للمحجبات من أقارب الدرجة الأولى (الزوج والأطفال والأمهات) من أفرادها بدخول المنشآت العسكرية والوحدات السكنية والنوادي العسكرية والمرافق الاجتماعية بالحجاب، بعدما كانت تمنعهم.

وفي يونيو الماضي 2016، صدر قرار نشر بالجريدة الرسمية يؤكد حق السيدات المحجبات في الدخول إلى المراكز التابعة للقوات المسلحة، ويشمل المراكز التعليمية والملاهي العسكرية، وأصبح بإمكان المحجبات الدخول إلى مرافق القوات المسلحة باستثناء حفلات الزفاف والاحتفالات الرسمية التي يحضرها الجنرالات الكبار.

ولسنوات ظل الأتراك يشكون بمرارة من الحظر المفروض على الأمهات التركيات المحافظات لحضور احتفالات قسم أبنائهن في الجيش، إذ لم يتمكن أمهات وزوجات أو أخوات عشرات الآلاف من الجنود من رؤية أبنائهن أو أزواجهن أو إخوانهن وهم يؤدون يمين القسم كجندي، بسبب القانون العسكري الصارم في مداخل المناطق العسكرية "لا دخول بالحجاب".
فهل سيدخل الحجاب أيضا الي الثكنات وترتديه المجندات التركيات بعدما سمح قرار رسمي صدر أمس بارتداء الشرطيات التركيات الحجاب؟

حجاب الشرطة هل يتبعه الجيش؟
منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا 2003، عمل على إجراء العديد من التعديلات الدستورية والقانونية التي هدفت إلى منح مزيد من الحريات لكافة شرائح المجتمع، أبرزها تخفيف حدة منع الحجاب في كل منشأت الدولة.

ففي عام 2013 تمكن الحزب من تمرير حزمة إصلاحات دستورية مكنت الإناث في تركيا من ارتداء الحجاب في الجامعات والوظائف العامة والعديد من المهن في الدولة، بعد أن كان هذا الأمر من المحظورات في البلاد.

وكان الحزب يسير في هذه الخطوات تدريجيا، بيد أن انقلاب 15 يونية الماضي، اعطاه دفعة قوية باتجاه تمرير تشريعات وقوانين لم يكن يحلم أحد في تركيا، كان اخرها القرار الذي صدر رسمياً، أمس السبت 27 أغسطس 2016، ويسمح للعاملات في الشرطة التركية بارتداء الحجاب بعد سنوات طويلة من المنع، وذلك بموجب تعديلاً في القانون المنظم لزي العناصر الشرطية.

ويبدو أن القرار استفاد كذلك من سماح العديد من الدول الغربية للمسلمات العاملات في الشرطة بحرية ارتداء الحجاب، في الآونة الأخيرة، وكان آخرها كندا التي أعلنت قبل أيام سماحها بحرية ارتداء الحجاب للعاملات في فرق الخالية بجهاز الشرطة.

وبموجب القرار الذي نشرته الجريدة الرسمية فإنه يحق للعاملات في الشرطة التركية ارتداء الحجاب (غطاء الرأس) على أن يكون ضمن لون محدد يتناسب مع الزي العام لقوات الشرطة، ويكون خاليًا من الرسوم والتزيينات، ويدخل حيز التنفيذ فعلياً اليوم السبت.
ويحظر التعديل على موظفات الشرطة، تغطية الوجه بالكامل، أو ارتداء قمصان، أو سترة مدنية يمكن رؤيتها من تحت البدلة الرسمية.

حينما وافق الجيش التركي على قبول دخول المحجبات داخل المنشآت التابعة له، قبل عشر سنوات، كان ذلك إذعانا منه بقبول التحول التدريجي في المجتمع التركي العلماني، ونزولا على رغبة بمئات الآلاف من زوجات العسكريين الاتراك الذين يتزايد ارتداءهن للحجاب.

لهذا طرح قرار السماح لأول مرة لشرطيات التركيات باتداء الحجاب، السؤال: هل يغزو الحجاب أيضا المؤسسة العسكرية لتنهار اخر قلاع العلمانية من داخلها؟

الجيش التركي يضم 2789 امرأة في رتب مختلفة، ورغم وصول بعضهن لمناصب بالجيش، فإنهن ممنوعات من النزول لساحات القتال، ولم تتمكن المرأة بعد من تقلد منصبي الفريق أول والأدميرال، ومن ثم فقد لا يكون لقرار كهذا أهمية تذكر مقارنة بقرار السماح بالحجاب للشرطيات، ولكن رمزية القرار هي التي اجازت طرح السؤال.

فهناك حساسية شديدة لدي الجنرالات تجاه الحجاب ويتصور بعضهم أن الحجاب يتعارض تماما مع تعاليم اتاتورك، وكانوا يقومون بانقلابات عسكرية لمجرد التلويح بحق الطالبات في دخول المدارس والجامعات حتى ان زوجة وبنات اردوغان اضطررن لإكمال تعليمهن بالخارج.
 وفي عام 2007، انسحب الجنرال أصلان غونر، نائب رئيس هيئة الأركان العامة، من بروتوكول تشكيلة الفريق المرحب بالرئيس التركي السابق عبد الله غول في المطار لتجنب مصافحة يد زوجته "خير النساء"، التي ترتدي الحجاب.

وفي نوفمبر 2010 رفض كبار ضباط الجيش التركي المشاركة في حفل استقبال اقيم في القصر الرئاسي بسبب الحجاب الذي كانت ترتديه السيدة الاولى "خير النساء" في قرار انتقده رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي ترتدي زوجته الحجاب ايضا، رغم ان الاحتفال كان بذكرى انشاء تركيا العلمانية 1923.

وقد أقام الجيش احتفالا منفصلا في الموعد المحدد للاحتفال في القصر الرئاسي، كي يتوافر للجنرالات "ذريعة" حتى لا يلبوا دعوة رئيس الدولة.

وفي العام نفسه 2010، ذهبت أمينة أردوغان زوجة رئيس الوزراء التركي، آنذاك، إلى المستشفى العسكري في أنقرة لزيارة مريض ومُنعت من دخوله لأنها ترتدي الحجاب، وقد أثارت تلك الحادثة كسابقتها ضجة كبرى في وسائل الإعلام التركية.

لهذا بالسماح بدخول الحجاب الي مقر العسكريين وارتداء المجندات له على قلة عددهم له رمزية كبيرة، لا يعرف هل سيقدم عليها حزب اردوغان الان في ذروة الانتصارات التي حققوها عقب فشل الانقلاب ولكن المؤكد أنه بات مسألة وقت أو يرون أنه لا يحتاج معركة في الوقت الراهن تضعف الجيش أكثر مما هو ضعيف.

ويقول زكي ساريجيل، الأكاديمي المعروف بدراساته حول قضايا المجتمع عسكري في تركيا "إن الجيش التركي حساس جدا تجاه تكريس العلمانية والفصل المطلق بين الدين والدولة، ويرى نفسه دائما كحارس لعلمانية صارمة، وليس من الممكن التعامل مع قضية الحجاب على خلاف ذلك".

ويرى "أن خضوعه لقرار المحكمة الأخير يعد تحولا هاما في العلاقات المدنية-العسكرية، وكذلك في البنية الخاصة بثقافة القوات المسلحة التركية، وأحد جوانب هذا التغيير هو الليونة في رؤيتها تجاه العلمانية والحريات الدينية".

حكاية الحجاب في تركيا
تعود مشكلة الحجاب في تركيا إلى عام 1923 عندما تم تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، ومع أنه لم يكن في الدستور الأول للجمهورية حظر للحجاب، إلا أن المؤسسات الرسمية رفضت السماح للموظفات بالعمل بحجابهن حينئذ.

وبدأ النقاش حول حق التركيات في ارتداء "الحجاب" عام 1960 مع ازدياد أعداد الطالبات المحجبات اللاتي ترغبن بالدخول إلى الجامعات بحجابهن، بحسب موقع "ترك برس"، حيث مرّت عملية التأكيد على حظر الحجاب في تركيا بمرحلتين فارقتين.

(الأولى): انقلاب 1980 العسكري الذي قامت به القوات المسلحة التركية بزعامة الجنرال "كنان إيفرين" بأكثر من ذريعة على رأسها مظاهرة يوم القدس العالمي التي نظمها "حزب السلامة الوطني" الإسلامي الذي كان يرأسه البروفيسور "نجم الدين أربكان" في مدينة قونيا وسط الأناضول.

حيث شارك في تلك المظاهرة أكثر من مليون تركي، وحملوا مجسّماً لقبة الصخرة المُشرّفة ولافتة شعار الإسلام "لا إله الا الله محمد رسول الله"، وكان العلمانيون يرون هذه المظاهرة نقطة البداية في تحول تركيا إلى دولة تحكمها الشريعة الإسلامية.

وبعد الانقلاب العسكري مباشرة تمّ إصدار قانون "لوائح اللباس في المؤسسات العامة" الذي منع الحجاب في مؤسسات الدولة، وبسبب ذلك لم تتمكّن بعض النساء من ممارسة عملهن في المؤسسات العامة بحجابهن لكي لا يقُمن بالعمل ورؤوسهن مكشوفة.

(الثانية): هي انقلاب 28 فبراير 1997 الذي قام به الجيش التركي ضد الحكومة الإسلامية لحزب الرفاه، فمع هذا الانقلاب أُغلِق الحزب وأُجبِر رئيسه نجم الدين أربكان على الاستقالة من منصبه.

وبدأ الجيش بالإغلاق التدريجي لمدارس الأئمة والخطباء والمدارس الدينية وطُبّق نظم التعليم الإلزامي على مدى ثماني سنوات وأعد قرار في مجلس الأمن القومي يعتبر أنّ "الحجاب" تهديد لتركيا.

أول نائبة محجبة
عام 1999 تمّ للمرة الأولى اختيار نائبة محجبة كعضو في البرلمان التركي، ورغم ذلك لم يُسمح لها بأن تكون حاضرةً في البرلمان بسبب ارتدائها للحجاب.

وظل حظر الحجاب في مؤسسات الدولة حتّى عام 2010، حتّى بدأت زوجات رؤساء الوزراء ورؤساء الجمهورية الفائزين يتحدين القرار، ولكن تم منعهن من مناسبات عسكرية.

وفي عام 2010 تم تعديل في الدستور واتّخاذ التدابير حول "الحقوق"، وطُرحت على الاستفتاء الشعبي ليتم قبولها وتصبح سارية المفعول، ليتمّ رفع حظر الحجاب في عام 2010.

ولا حقا تم رفع الحظر عن الموظفات في المؤسسات العامة مع "حزمة الديمقراطية" التي أعلن عنها رئيس الوزراء في تلك الفترة رجب طيب أردوغان في 1 أكتوبر لعام 2013 بشكل رسمي، والتي جاء قرار السماح للشرطيات بارتداء الحجاب ليوسع من هذه الحزمة، بحيث لم يبق مستثني منها سوي الجيش نفسه.