دعم السيسي لقيس سعيد.. هل تنتهي المؤامرة بانقضاض الجيش؟

- ‎فيتقارير

ما يقوم به قيس سعيد في  تونس ليس سوى محطة تمهد لسيطرة الجيش على مفاصل الدولة وسط تصفيق الجميع وترحيبهم؛ لأن ما يفعله الرئيس بانقلابه منذ 25 يوليو 2021م يبلغ من الشذوذ والانحراف حدا لا يمكن تحمله.  فعلى التونسيين الحذر ثم الحذر من مغبة الاستخفاف بهذا السيناريو الذي يجري تكريسه كل يوم ومع كل إجراء يقوم به الرئيس. هذه هي الخلاصة الي خرجت بها من الدعم الذي قدمه فرعون مصر عبدالفتاح السيسي لدكتاتور تونس قيس سعيد على هامش لقائهما في (القمة  الأوروبية ــ الإفريقية) التي انعقدت في العاصمة البلجيكية بروكسل يومي الخميس  والجمعة (17و18 فبراير 2022)، بمشاركة مسئولي حكومات نحو أكثر من 50 دولة، وتستهدف بحسب المعلن تعميق الشراكة بين الاتحادين الأوروبي والإفريقي وإطلاق حزمة استثمارات مشتركة بين الجانبين.

السيسي (دكتاتور مصر وفرعونها) أعرب عن دعمه لدكتاتور تونس، واعتبر ما يقوم به خطوات على طريق الأمن والاستقرار!  ولا ندري كيف يكون العصف بالدستور والقضاء والمؤسسات المنتخبة من الشعب طريقا للاستقرار؟!تصريحات السيسي الداعمة لدكتاتور تونس تأتي في وقت تُعرب فيه أطراف دولية عن قلقها من الوضع في البلاد، حيث تشهد تونس أزمة سياسية حادة، واقتصادية منذ 25 يوليو 2021، حيث اتخذ الرئيس سعيّد إجراءات استثنائية تضمنت تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين حكومة أخرى، ثم العصف باستقلال القضاء بحل مجلس القضاء الأعلى وتشكيله وفق هوى الرئاسة.

دعم السيسي لقيس سعيد ليس جديدا، والدور المصري في التخطيط للانقلاب ودعمه ليس خافيا على أحد؛ فقد كشفت وثيقة نشرها موقع "ويكي ليكس عربي" في ديسمبر 2021م عن تفاصيل الخطة التي وضعها ضباط بجهاز المخابرات المصرية من أجل القضاء على التجربة الديمقراطية التونسية بدعم وتمويل إماراتي واسع. وفي سبتمبر 2021م، نشرت صحيفة "فرانكفورتر" الألمانية مقالا للكاتب للخبير السياسي راينر هيرمان، قال فيه إن تونس ظلّت مختبرا للديمقراطية في العالم العربي لمدة 10 سنوات، وكانت بالفعل في طريقها إلى ديمقراطية كاملة، وهو ما يعني "شوكة في خاصرة حكام مصر والخليج". لكن المقال يؤكد أنه منذ انتخاب قيس سعيد في 2019 شرع مجموع من الجنرالات المصريين في وضع خطة تتضمن تدابير وآليات للانقلاب على الدستور التونسي وإنهاء العملية السياسية. وأضاف أن جنرالات مصريين قدموا لسعيد خدمات استشارية بشكل مباشر قبل شهرين من إقالته رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميده عمل البرلمان.

وفي نهاية يوليو 2021، أي بعد أيام فقط من الانقلاب، طالب السفير الأمريكي في تونس دونالد بلوم، الرئيس قيس سعيّد  بمغادرة ضباط المخابرات المصريين والإماراتيين المتواجدين في تونس، قائلا إن الأخيرين رافقوا عملية الانقلاب.  وهم الضباط الذين كانوا قدموا إلى تونس بذريعة تقديم مساعدات لمقاومة جائحة كورونا قبل أسبوعين تقريبا، ولم يغادروها إلا بعد الانقلاب بأيام.

وكان الرئيس التونسي قد أجزى زيارة مشبوهة للقاهرة امتدت لثلاثة أيام (9 ــ 11 أبريل 2021م) التقى خلالها برئيس الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي وهي الزيارة التي اعتبرت في توقيتها وسياقها برهانا على انحياز سعيد لتحالف الثورات المضادة، في ظل عرقلته للمسار السياسي في بلاده ووضع العراقيل أمام مؤسسات الدولة التي أصيب بشلل تام قبل الإعلان عن قراراته الانقلابية في 25 يوليو 2021م، وهي الإجراءات  التي حظيبت برتحيب ومباركة مصرية إماراتية سعودية والتي تمثل أهم أركان تحالف الثورات المضادة.

 

الجيش يتأهب للانقضاض

وبحسب مراقبين فإن الفوضى التي خلقها قيس سعيد إنما هي محطة تمهد الطريق للجيش من أجل   التدخل وإقامة نظام حكم عسكري على غرار النموذج المصري، وهي الخطة التي يسعى تحالف الثورات المضادة لاستنساخها في أكثر من قطر عربي بهدف تعزيز أنماط الحكم العسكري الدكتاتوري ووأد أي تطلعات شعبية نحو الحرية والاستقلال الحقيقي.

وتؤكد مجلة "إيكونوميست" البريطانية في تقرير لها الجمعة 18 فبراير 2022م،  أن الرئيس التونسي استهدف بشكل منهجي مؤسسات الديمقراطية في حين أنه قد يواجه غضبا شعبيا بعد تفكيكه معظم مؤسسات الدولة، ملمحة إلى أن الجيش التونسي غير مرتاح للوضع الحالي.

وذكرت المجلة أن سعيد حول النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي، رغم تعيينه لرئيسة وزراء في سبتمبر 2021م لكنها سياسية مبتدئة بسلطات محدودة. وبحسب الإيكونوميست فإن هناك قلة من التونسيين تدعم حكم الفرد الواحد، حيث تتكون المعارضة من الجماعات التي تتأثر بسياسات سعيد مثل السياسيين والقضاة، لكنهم منقسمون فيما بينهم وليست لديهم القدرة على تحديه. وذكرت أن النقد الأوضح لسياسات الرجل الواحد يأتي من حركة النهضة، الحزب الذي قاد التوافق في البرلمان المعلق حاليا، فيما اتسمت مواقف سعيد بالقسوة تجاه أفراده حيث حملهم مسؤولية العجز في تونس ما بعد الثورة عام 2011. وأوضحت أن القوى السياسية الأخرى في المعارضة لا تساعد النهضة على مواجهة النظام، فمعسكر اليسار لا يحب الإسلاميين، أما العلمانيون فهم فرحون بتحميل الإسلاميين مسؤولية مشاكل البلد وتبرئة أنفسهم.

كما قالت المجلة إن عددا من الساسة ممن دعموا خطوات سعيد للاستيلاء على السلطة باتوا يصفون تحركه بالانقلاب، معتبرة أنهم لا يمانعون استبعاد الإسلاميين من الحياة السياسية. ونتيجة لهذا، يمنع الانقسام الأيديولوجي الذي رافق تونس خلال العقد الماضي من بناء جبهة موحدة لمواجهة الرئيس، فيما تعاني منظمات المجتمع المدني من نفس الانقسام لا سيما في الاتحاد التونسي للشغل الذي تحصل على جائزة نوبل للسلام في 2015م لمساعدته في نزع فتيل الأزمة السياسية، لكنه دعم خطوات قيس سعيد ثم اكتفي بالصمت باستثناء بيانات شاجبة لقرارات سعيد لم يعد يلعب دورا سياسيا في البلاد منذ سبعة شهور. وتعزو المجلة البريطانية ذلك إلى انقسام قيادات الاتحاد التونسي للشغل وخوفهم من تهميش سلطتهم وتقليص نفوذهم. وبحسب مركز استطلاعات "إنسايت تي أن"  فإن غالبية المشاركين في الاستطلاع تعتقد أن ما قام به كان "انقلابا" و"خائفون على الديمقراطية". وتنتهي الإيكونوميست إلى التأكيد على أن الجيش الذي ظل بعيدا عن السياسة غير مرتاح من توجه البلد  فقد يواجه سعيد غضبا شعبيا بعد تفكيكه معظم مؤسسات الدولة.