خبراء يطالبون بوقف جرائم هدم المقابر الأثرية.. السيسي يعمل على تجريف التاريخ المصري 

- ‎فيتقارير

تواصلت الانتقادات والاحتجاجات على جرائم هدم المقابر التاريخية التي يقوم بها نظام الانقلاب دون اعتبار لقيمة هذه المعالم والكنوز الأثرية والتاريخية، ما يكشف أن السيسي يستهدف تجريف تاريخ مصر وقطع صلة الأجيال الجديدة بتاريخها وآثارها . 

وطالب خبراء بضرورة التصدي لحملات الهدم التي تقوم بها حكومة الانقلاب، بزعم شق طرق وبناء كباري قد لا تكون ضرورية.

وأشاروا إلى أن الجبانات تضم كنوزا معمارية فريدة، تعبر عن حقبات من تطور العمارة الجنائزية الممتدة عبر العصور، ولا تقل قيمة عن “تاج محل” في الهند. 

وكشف الخبراء أن اللجنة التي شكلها مجلس وزراء الانقلاب وضعت بدائل وتـصورات لاستغلال موقـع المقابر في السياحة الدينية والثقافية، لكن السيسي تجاهلها وواصل مسلسل الهدم والتخريب.  

وأكدوا أن كل منزل في مصر يتشح بالحداد والسواد، متسائلين من أين جاءت هذه الفظاظة والغلظة والقسوة لمتخذ القرار إزاء جبانات القاهرة التي تعد بمثابة وادي الملوك لمصر القديمة ؟

 

تدمير شامل 

 من جانبها أعربت جمعية "المعماريين المصريين" عن إدانتها الشديدة لمسلسل هدم الجبانات التاريخية خلال الآونة الأخيرة، مشددة على أن عمليات الهدم هي عملية شاملة لم تشهدها مصر خلال 14 قرنا، سواء على يد قوة احتلال أجنبي أو خلال الحروب والكوارث الطبيعية. 

وقالت الجمعية في بيان لها: "تتعرض جبانات مصر التاريخية لتدمير شامل، لم تشهده من قبل خلال أربعة عشر قــرنا وحتى يومنا هذا، كما لم تشهده حتى فترة الاحتلال الأجنبي أو من جراء الحروب و الكوارث الطبيعية". 

وأوضحت أن هذه الجبانات جزء مسجل ضمن القاهرة التاريخية المسجــلة على قائمة التراث العالمي، تحميها مواثيق عالمية وقوانين محلية، كما أنها مسجلة كمنطقة تراثية ضمن القاهرة التاريخية طبقا للقانون رقم ١١٩ لسنة ٢٠٠٨ وقد اكتســبت قيمتها التاريخية والتراثية لما لها من نسيج عمراني متميز ارتبط بمدينة العصور الوسطى، وكذلك بمن ضمتهم في ثراهــا، أجيال متعاقبة من أبــناء هذا البلد بجميع فئاته وطبقاته ورموزه ممن ساهموا في نهضة مصر من علماء وحكام وسياسيين وفنانين وأدباء وشعراء، وأولياء الله الصالحين، وشهداء ضحوا بحياتهم في سبيل الدفاع عن تراب هذا الوطن . 

وكشفت الجمعية أن منطقة مصر القديمة والسيدة عائشة والإمام الشافعي تضم كـــنوزا مـــعماريـــة فريدة شديدة التنوع تعبر عـــن حقبات من تطور العمارة الجنائزية الممتدة عبر العصور، والتي لا تقل قيمة عــن تــاج محــل فــي الـهند، ويـصل عدد المقابر ذات القيمة التراثية إلى المـئات بـعضها مسجـل كـتراث مـميز عـلى قـائـمة الجهاز القومي للـتنسيق الـحضاري طبقا للقانون رقم ١٤٤ لسنة ٢٠٠٦ حيث تـحتوي على عـناصـر مــعماريــة فــريــدة مــن تــركــيبات رخــامــية أو حجــريــة تحــمل أجــمل نــماذج الخــط الــعربـي الذي يعد تراثا في حد ذاته، ومسجل أيضا عــلى قــائــمة الــيونــسكو . 

وأعربت عن أسفها لأنه رغم هذه الأهمية الكبيرة، إلا أن حكومة الانقلاب تقوم حاليا بإزالــة هذه العناصر المعمارية والزخرفية بما يعرضها للنهب والسرقة والضياع، مؤكدة أن هناك لجانا وأفرادا يقومون بفك التركيبات وعرضها للبيع، دون إبلاغ أصحاب الأحواش والمقابر. 

 

أزمة ممتدة 

 وشددت "المعماريين" على أن الهجمة التي تـتعرض لـها جـبانـات الـقاهـرة الـتاريـخية مـثيرة للـدهـشة؛ خاصة أنها مثلت رد سـلطات الانقلاب على البدائل للإزالة التي طرحتها لـجنة شكلها مجلس وزراء الانقلاب مـن المـتخصصين في التخـطيط الـعمراني والـحفاظ عـلي الـتراث، وقـامـت بـدراسـة جدوى مشـروع الطرق والكباري المطروح مـن قـبل حكومـة الانقلاب، والذي بدأ تـنفيذه عام ٢٠٢٠ و أثبت عدم جـدواه للأنه يوفر دقـيقتين فقط للرحلة، و طرحت مشــروعا بديلا يــعتمد على استغلال شــبكة الطرق و تحسيناتها الحالية دون المــساس بـالـجبانات الـتاريخية، وتطبيقا لـنموذج ريـاضـي أثـبتت أن مـقترحـها لحـل مـشكلة الحـركـة صـالـح لمـدة عشـر سـنوات قـادمـة، بـل ذهـبت أبـعد مـن ذلـك بـوضـع تـصور لاسـتغلال المـوقـع للسياحـة الديـنية والـثقافـية مـن خـلال انـشاء مـسارات، وكـذلـك حـل مـشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية، إلا أن هـذا المـقترح لـم يـؤخـذ فـي الاعـتبار، واستمرت مـعاول الهـدم في الـعمل بـلا هـوادة بل أكـثر مـن ذي قـبل وكأنـها تسابق الزمن لمحو تاريخ الأمة وذاكرتها وتراثها و قهر شعبها بنبش قبورهم وإهانة رفات ذويهم . 

وأكدت أن كــل مــنزل فــي مــصر أصبح مــتشحا بــالحــداد، بل مــصر كلها مــتشحة بالـسواد، فكل أسرة مكلومــة تخــرج رفــات ذويــها، و تــعيد دفـن أخ، أخـت، أب، أم، جـد، ابـن، حـفيد، أي شـرع أو ديـن يـقبل ذلـك؟ مـن أيـن جـاءت هـذه الـفظاظـة و الـغلظة و الـقسوة لمتخـذ الـقرار؟ نـاهـيك عـن إزالـة تـراث فـريـد لا يـقل قـيمة عـن تـراث الأجـداد، مشيرة إلى أن جبانـات الـقاهـرة هـي بـمثابـة وادي مـلوك ومـلكات مـصر القديمة للمصريين المحدثين، فهل نتركها للزوال؟. 

وطالبت الجمعية الأمة المصرية وكل شـرفـاء الـوطـن بالوقـوف ضـد هـذه الأعمال التخريبية التي تستهدف جزءا عزيزا بل مقدسا من تراثنا الثقافي، معتبرة أن هذه المطالبة بمثابة نداء وصرخة من أجل إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية من الزوال. 

     

لجنة حصر المباني  

 واحتجاجا على تدمير الجبانات أعلن أيمن ونس رئيس لجنة حصر المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز بشرق القاهرة، الاستقالة من منصبه، احتجاجا على التدمير الذي يحدث لمقابر القاهرة التاريخية والآثار. 

ونشر أيمن ونس أستاذ التصميم العمراني عبر صفحته الشخصية على فيس بوك بيان استقالته من منصبه، قبل أن يتراجع عنها، قائلا: “استقالتي من رئاسة اللجنة الدائمة لحصر المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز  شرق القاهرة، احتجاجا علي التدمير الذي يحدث لمقابر القاهرة التاريخية”. 

وأضاف، أتقدم باستقالتي من رئاسة لجنة حصر المباني والمنشآت التراثية المميزة بالقاهرة، وذلك للسبب التالي: 

عدم جدوى عمل اللجنة من التسجيل للمباني المتميزة ذات القيمة التراثية بغرض الحفاظ عليها نظرا لقيمتها المنصوص عليها في القانون رقم 144 لسنة 2006، وهذا في ظل ما يحدث الآن من هدم وإزالة للمقابر التراثية ذات القيمة العمرانية والتاريخية بالقاهرة. 

وأكد ونس أن ما يحدث الآن ليس فقط إهدار لمباني المقابر التاريخية التراثية فحسب، ولكنه إهدار لنسيج عمراني تاريخي ذو قيمة متفردة، على مستوى العالم، ويمثل جزءا هاما في التراث العالمي. 

وحذر من أن ما يحدث هو بمثابة إهدار لثروات مصر التاريخية، والتي لا يمكن تعويضها، وهو الأمر الذي لا يستقيم معه الاستمرار في عملي كرئيس للجنة . 

 

الأجيال الجديدة 

 ونصحت الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس بضرورة التعامل مع مقابر الرموز التاريخية بطريقة علمية تثقيفية، بمشاركة رواد من الفكر والثقافة ومن المهندسين المتخصصين ممن يملكون مهارات وذائقة في التعامل مع هذا التراث. 

وقالت سامية خضر في تصريحات صحفية: إن "خطوة إزالة مقابر بهذه الأهمية كان يجب أن يسبقها حوار وطني حقيقي يناقش هذه الخطوة، وليس بقرار منفرد من إحدى الجهات، موضحة أن الأجيال الحديثة في حاجة إلى التعرف على تاريخها ورموز مجتمعها وليس إزالة أثارهم بهذه الطريقة، فهذه المقابر هي تراث ملك للأجيال الجديدة ويجب الحفاظ عليها". 

وأشارت إلى أن الدول الغربية تهتم وتقيم المتاحف لوضع مقتنيات لا قيمة لها إذا ما قورنت بالتراث والآثار المصرية، وتحاول خلق تاريخ لها، في حين أن نظام الانقلاب يقوم بازالة الشواهد والمقابر التاريخية لتوسعة طريق دون النظر للأثر النفسي والمجتمعي على الأجيال القادمة.  

وأعربت سامية خضر عن رفضها لإطلاق معاول الهدم لتنال من تاريخ مصر، مؤكدة أن الدول تبحث عن وسيلة لصنع تاريخ في حين من يملك التاريخ يقوم بهدمه من دون نقاش عام يشارك فيه المتخصصون،  

وطالبت بدعوة المكاتب الهندسية العالمية وبيوت الخبرة للتسابق على دراسة مقابر القاهرة التاريخية، ووضع مخطط للاهتمام بها والحفاظ عليها وتحويلها لمزار سياحي بل والتنسيق مع منظمة الـ"يونيسكو" لتبني خطط الحفاظ على هذه الكنوز مثل مقابر طه حسين ويحيى حقي والشيخ محمد رفعت، والإنفاق عليها على غرار ما حدث وقت إنشاء السد العالي ونقل المعابد المتضررة من المياه من أماكنها على نفقة الـ"يونيسكو".