واصل الزميل الصحفي حسام عيسى -المعتقل بسجن "برج العرب"- كتابة خواطره المسربة من داخل أسوار السجون، التي عنونها بعنوان "خواطر مسجون".
ونستعرض هنا نص مقاله الجديد، الذي جاء بعنوان "خواطر مسجون 2"، ويصف فيها مرارة ووحشة عزلة السجون، فإلى المقال:
(خواطر مسجون 2)
باتت أذنى اليسرى فيما تبقى من ليل مستندة على باب الحياة، تستمع بالصمت المدوى أمام الزنزانة، ذلك الصوت الساحر، المعبر عن اللاشيء الناتج من العدم، وهناك فى الممر الطولى الرابض أمام 9 زنازنين متجاورة، تسرح الروح محملة بآلام ذكريات الدم وآهات أوجاع الفقد، بعد تسربها من بين ضلوع الجسد المقيد، لتزاحم الرؤى الزائرة وهى فى طريقها للعقل المستيقظ فوق الجسد المسترضى على ظهر الباب.
فى آخر الممر المظلم، يقف بساط الريح يرفرف بجلال وسط السكون، ينتظر بيقين كالأنبياء رحلة العودة للسماء محملاً بما جآءه من الشكاوى والأنين من كل الزنازين، بعد أن أهدى للعقل ما كان معه من بشرى.
وهناك عند البقعة المباركة من النور المطلق توقف الرسول ومرت الدعوات للعرض على الملك، فكان مما احتوته (يا ربى ما بال قوم يشكون من عدم، والأرض ملكهم والسماء والأنجم، ولهم الحقول وزهرها وأريجها ونسيمها والبلبل المترنم وماء البحر من حولهم كالفضة الرقراقة والشمس من فوقهم ذهب لامع.. فكيف عقابك يا ملك لمن انتزعونا أملاك المعدمين؟ متى ينتهى مهلك عمَّن استهتروا بأعمار الشباب الحالمين وأهملوا صرخات المرضى المقيدين؟).
وعند الممر الغارق فى الظلمات المنسدلة من الليل الفاحم والعتمة المتعمدة كان باب الزنزانة قد نفضت برودته الجسد النائم فوقه، فاستدعى مسرعًا الروح السابحة فى الملكوت فوق السماوات ليسقط مستيقظًا فيبدأ العقل فى سرد تفاصيل ما زاره من رؤيا ومان ممن تيقن مشاهدته: إن هلعًا شديدًا تملكه، إذا كانت إحدى عينيه تبصر جنودًا يسنون سنان سلاحهم استعدادًا للفتك بجسده المغلوب على أمره، بينما كانت عينه الأخرى تحاول استيعاب مشهد أشلاء آدمية من حوله.
وفى اللحظة التالية يخرج زعيم الجند أقصرهم قامة أشدهم خبثًا وحقدًا كما أظهرت عيناه، بينما بدت هيئته كأحقر ما يكون، فأشار لأتباعه بأن يلحقوا الضحية بأقرانها.
وعمد لحظة شديدة الأثر على كل الحضور حتى تلك القطع المتبقية من الآدميين بدت الأرض وكأنها تهتز تحت أقدام الجند على وقع أقدام تضرب الأرض بقوة تتنبئ بقدوم جيش جرار تملئ تكبيراته الأفق، ويأتى زحف دبيبه من كل الاتجاهات المحيطة بمكان الاحتجاز، فانطلق أحد جنود السوء ممن كانوا حولى يفتح بوابة الحصن ليستكشف الصوت الذى جمد الدماء فى عروقهم ليجد رايات بيضاء عليها كلمه التوحيد، تسد جو السماء، يحملها جنود بيض الوجوة، حركاتهم متناغمة، أطوالهم متساوية، تحيطهم هالات مضيئة فاانصهر جند السوء خوفًا ورعبًا واختفوا صاغرين تحت أقدام تلك الأعداد الكثيفة التى كست راياتها الحصن.
واقرأ أيضا: