كتب- أسامة حمدان:
في الماضي القريب وقبل الانقلاب العسكري لم يكن الجنيه السوداني يتخطى في قيمته بضعة قروش مصرية (أقل من جنيه مصري)، بينما يقف الجنيه المصري اليوم ذليلاً أمام العملة السودانية التي تقترب قيمتها من 1.5 جنيه مصري، فإلى أي مدى من الانهيار السحيق يهوي الانقلاب بالاقتصاد المصري؟!
وتتوالى الانهيارات في الاقتصاد المصري منذ سلب "العسكر" الحكم في مصر بداية من انقلاب 23 يوليو 1952، وصولاً إلى انقلاب 2013 على الرئيس المنتخب د. محمد مرسي، وليست تلك اليلة تشبه البارحة ولكنها أصبحت أشد قسوة على المصريين.
وعاش الجنيه المصري رحلة نستطيع أن نطلق عليها اسم تاريخ الذل والكرامة لسعر الجنيه المصري؛ حيث بقي الجنيه المصري محتفظًا بكرامته حتى عام 1990م، ليقفز سعر الدولار من 83 قرشًا إلى 1,50 جنيه في غضون شهور، وبعدها بدأت رحلة الذل للجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي.
وفي عام 1939 وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 20 قرشًا، من عام 1940 حتى 1949 وصل سعر الدولار إلى 25 قرشًا، من عام 1950 حتى 1967 وصل سعر الدولار إلى 38 قرشًا، ومن عام 1968 حتى 1978 وصل سعر الدولار إلى 40 قرشًا، من عام 1979 حتى 1988 وصل سعر الدولار إلى 60 قرشًا، من عام 1989 حتى 1990 وصل سعر الدولار إلى 83 قرشًا.
وفي عام 2013 وصل سعر الدولار إلى 7,5 جنيهات، إبان تولي الدكتور مرسي الحكم، وقبل أن ترتفع قيمة الجنيه المصري إبان مجموعة من المشروعات الاقتصادية التي بدأها نظام مرسي، سارع الانقلاب العسكري بالقضاء على حلم النهضة وهوي بسرعة فائقة بالاقتصاد حتى وصل سعر الدولار إلى 13 جنيهًا، فإلى أي قاع سحيق يهوي الجنيه المصري الذي كان عملة أقوى من عملة بريطانيا العظمى يوم كانت عظمى؟
7 عوامل وراء الانهيار
وذكر الخبير الاقتصادي الدكتور أشرف دوابة 7 عوامل تسببت في انخفاض سعر الجنيه: الأول خاص بعوامل داخلية مرتبطة بسياسات الحكومة وعجزها عن الوفاء بوعودها، ومنها ما هو مرتبط بالسياسة النقدية للبنك المركزي واستمرار عجز الموازنة العامة للدولة إلى مستويات غير مسبوقة والمتمثل أساسًا في ارتفاع النفقات وتراجع الإيرادات.
والعامل الثاني الذي أدى إلى مزيد من تدهور الجنيه كان نتيجة عجز شركات البترول الحكومية عن دفع الديون المستحقة عليها لشركات التنقيب الأجنبية، فقد سعت الهيئة المصرية العامة للبترول لسداد الديون المتراكمة عليها للشركات الأجنبية العاملة في مصر عن طريق الاقتراض من البنوك.
وكانت مجموعة من البنوك قد أقرضت الهيئة 3 مليارات دولار في ديسمبر/ كانون الأول عام 2014 وفي أبريل/ نيسان من العام المنصرم.
أما العامل الثالث وهو الذي ارتبط بمزيد من الواردات الاستهلاكية من سلع كمالية وترفيهية، فقد كشفت إحصاءات الواردات السلعية لعام 2014، أن مصر استوردت "سكر خام" بقيمة 2.6 مليارات دولار، واستوردت "تفاح" بـ400 مليون دولار، واستوردت "ذرة" بـ 1.7 مليارات دولار، وطعامًا للقطط والكلاب بقيمة 153 مليون دولار، ولعب أطفال بقيمة 55 مليون دولار، وجمبري جامبو وكافيار بقيمة 78 مليون دولار، وياميش رمضان بنحو 104 ملايين دولار، ولحوم طاووس وغزلان ونعام وما في حكمها بنحو 95 مليون دولار، وشيكولاتة بقيمة 57 مليون دولار، وسيارات للسباق، وسيارات لملاعب الجولف، والباجي بيتش، وما في حكمها بنحو 600 مليون دولار، إضافة لاستيراد ألعاب نارية ومفرقعات (شماريخ وما في حكمها) بنحو 600 مليون دولار، ولعل هذا ما دفع الحكومة مؤخرا إلى رفع قيمة الضرائب الجمركية على حوالي 500 سلعة نهاية الشهر الماضي.
والعامل الرابع والذي ارتبط بمزيد من دفع الأقساط للديون الخارجية المستحقة على مصر، وهذا البند مرشح للتزايد نظرًا لتزايد حجم الدين الخارجي الذي بلغ 46.2 مليار دولار.
أما العامل الخامس يتمثل في تلاعب كل من المستوردين والمصدرين في مستندات الاستيراد حتى يستطيعوا تهريب الدولارات خارج البلاد، وفتح حسابات خارجية للمستوردين والمصدرين بالدولار، وذلك نتيجة عوامل عديدة أهمها الخوف من مصادرة الحكومة لأموالهم خاصة الدولارية، مثلما فعلت بأموال وجمعيات ومدارس الإخوان المسلمين، أو اتهام رجل الأعمال حسن مالك بأنه المتسبب في ارتفاع الدولار، أو في حالة عجز البنوك عن توفير الدولار فبإمكانهم تمويل استيرادهم من حساباتهم من الخارج، فضلا عن تحقق مكاسب رأسمالية نتيجة حيازة الدولار والمضاربة عليه في السوق السوداء.
أما العامل السادس فقد ارتبط بازدهار تجارة العملة خارج النظام المصرفي، فالفارق الكبير بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء يغري الجميع بالطلب على الدولار حتى يستطيع تحقيق مكاسب سريعة للغاية حيث بلغت 70 قرشًا لكل دولار واحد على الأقل؛ ما يجعل من الأفضل للمواطنين اللجوء للسوق السوداء لصرف عوائدهم بالدولار من هذه السوق بدلا من اللجوء للبنوك، وارتبط بهذا العامل عنصر أشد خطورة هو تواطؤ كل من المستوردين وشركات الصرافة على الحصول على تحويلات المصريين بالخارج خاصة من يعمل بدول الخليج نتيجة لفرق السعر بين البنوك وشركات الصرافة أو ما يطلق عليه السوق الموازية.
إذا فقد لعب الانقلاب العسكري دورًا مهمًا في إثارة الخوف لدى كافة الكيانات الاقتصادية والذي أدى الى الذعر من السيطرة على النقد الأجنبي مما دفعهم الى التحوط والحذر والاحتفاظ بثرواتهم خارج البلاد يقول الخبير الاقتصادي دوابة.
أما العامل السابع والأخير- بحسب دوابة- فهو مرتبط بتجارة المخدرات وتشير الإحصائيات إلى تزايد حجم الإنفاق علي المخدرات بشكل يدعو إلى الصدمة، ففي عام 91-92 أنفق المصريون حوالي مليارين من الجنيهات على المخدرات، وقفز الرقم مرة أخرى ليصل إلى 40 مليارًا عام 1996، نظراً لضبط أكبر كمية من المخدرات في هذا العام، وبناءً على سلسلة من البيانات، أمكن تقدير الإنفاق علي المخدرات خلال السنوات العشر الماضية، حيث قدر حجم الإنفاق على شراء المخدرات عام 2014 بـ60 مليار جنيه على الأقل وفق تقديرات متوازنة من المختصين.
والطلب على المخدرات يتم في أغلبه بالدولار الأمريكي، ومن هنا فإن الطلب على الدولار لتغطية الطلب على المخدرات لا يقل عن 8 مليارات دولار سنويًّا على أقل تقدير وهو ما يؤدي حتمًا إلى رفع سعر الدولار وتهاوي الجنيه المصري.
ولا يبدو في الأفق أي حل للأزمة نتيجة السياسات الراهنة والتي تدفع إلى الخوف من المستقبل من سياسات الانقلاب الذي يهدف إلى مزيد من السيطرة على كل الموارد الاقتصادية دون دراسة أو تخطيط، ولعل انهيار الجنيه رسالة تحذير حتى يمكن إنقاذ ما يمكن إدراكه من بقايا الاقتصاد المصري.