هل يستغل السيسي قيادة مصر القوة العسكرية لشمال إفريقيا لضرب ليبيا؟

- ‎فيتقارير

– خبراء: القوة الجديدة "فنكوش" لا يختلف عن القوة العربية المشتركة

 

كتب – كريم محمد 

 

منذ إعلان سفير مصر لدى إثيوبيا، أبو بكر حفني، الجمعة الماضية، عن تولي بلاده قيادة ملف تشكيل "قوة عسكرية" في شمال إفريقيا للحفاظ على السلم والأمن في إفريقيا، وتولي اللواء محسن الشاذلي، مساعد وزير الدفاع المصري، هذا الملف المهم، والتساؤلات لا تتوقف: هل ستكون مقدمة لغزو ليبيا كما تطمح القاهرة لذلك ولكنها لا تريد التدخل وحدها وإنما تحت غطاء أفريقي أو دولي؟ أم أنها قوة تقليدية قديمة لا تختلف كثيرا عن القوة العربية المشتركة التي لم تر النور؟

 

وقرر الاتحاد الافريقي تكليف القاهرة بملف تشكيل قوة عسكرية في شمال افريقيا لمواجهة المجموعات الإرهابية التي تنشط في تونس وليبيا والجزائر بالإضافة إلى مصر.

 

سامح شكري، وزير الخارجية المصري سارع لشرح الامر موضحا أن الحديث عن تشكيل قوة عسكرية في شمال إفريقيا خلال انعقاد القمة الإفريقية «لم يتم إنشائها خصيصا لغرض محاربة الإرهاب وإنما تدخل ضمن تكوين القوات الإفريقية الجاهزة لحل النزاعات في القارة وتحدد مهمتها وفق القرارات التي اعتمدها الاتحاد الأفريقي، مضيفا "لا نستبعد أن يكون الإرهاب جزء من هذه المهام".

 

وقال «شكري»، فيما يخص التطورات في ليبيا ومحاربة الإرهاب بها، إن مهمة مواجهة الإرهاب تقع على عاتق الجيش الليبي وما تتخذه الحكومة الليبية من قرارات لتعزيز تعاونها مع دول الجوار والدول الأوروبية، مضيفًا «وهذا شأن ليبي يتم بلورته بالتنسيق مع الجهود الدولية وأن يتم تشكيل الحكومة الليبية ويتم اتخاذ القرارات المناسبة وفقا لتطلعات الشعب الليبي بما يعزز الاستقرار بها».

 

فكرة قديمة يجري إحياؤها

 

أيضا نفي الدكتور أيمن سلامة، المستشار القانوني السابق لقوات حلف شمال الأطلسي في البلقان، وجود قوة عسكرية في شمال إفريقيا بقيادة مصر، وقال لـ "العربية.نت": "إن لواء شمال إفريقيا لحفظ السلام والذي يندرج تحت مظلة منظمة الاتحاد الإفريقي ليس حديثا بالمرة، وأن مصر تستضيف القاعدة الإدارية واللوجيستية لهذا اللواء الذي يضم مصر وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا والبوليساريو. 

 

وأضاف سلامة أن "لواء الشمال" مسماه الصحيح هو "قوة شمال إفريقيا لحفظ السلام الدولية"، وأن ثورات الربيع العربي عام 2011 عطلت وأعاقت تفعيل هذه المبادرة المهمة لحفظ السلام في إفريقيا كما أعاقتها القيود الإدارية والسياسية. 

 

ليست لضرب ليبيا

 

كذلك أكد اللواء الدكتور، طلعت موسى، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وأستاذ الاستراتيجية والأمن القومي في الأكاديمية، أنه لا يوجد ربطا بين قيادة مصر للقوة العسكرية المشتركة المقترحة في شمال أفريقيا، وبين ضرب ليبيا دون تنسيق مع الجيش الوطني الليبي ودون تكليف رسمي من الحكومة الليبية المعترف بها دوليا ومقرها طبرق.

 

وأشار إلى أن الزيارات المتكررة في الفترة الأخيرة من القيادة العسكرية الليبية إلى القاهرة وآخرها زيارة الفريق خليفة حفتر هدفها تبادل الخبرات والمعلومات والدعم اللوجيستي والاستفادة من خبرات مصر في مجال مكافحة الإرهاب، لا التنسيق لضرب قوي معينة في ليبيا.

ولكنه قال لوكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، مساء الإثنين 2 فبراير 2016، أن اختيار مصر لقيادة القوة العسكرية المشتركة لشمال أفريقيا له عدة اعتبارات، أولها أن مصر عضو في لجنة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن، وعضو في لجنة السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، وعضو في تجمع الدول الذي تقوده السعودية، لمواجهة الحوثيين في اليمن، وعضو في التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت عنه السعودية بقيادتها منذ فترة ليست بالبعيدة، وعضو قائد في مشروع تكوين القوى العربية المشتركة تحت مظلة جامعة الدول العربية، والذي توقف تنفيذه لفترة.

 

ومعروف أنه لا يوجد قوة اسلامية عسكرية كما اعلنت السعودية وانما تحالف سياسي، كما انه لا يوجد قوة عسكرية عربية مشترك، ويعتبرها مراقبون مجرد تحالفات سياسية أكثر منها عسكرية علي ارض الواقع ولا قيمة لها، أو حسب التسمية الشعبية المصرية "فنكوش". 

 

عملية عسكرية منتظرة في ليبيا

 

ولكن مصادر عربية قالت إن دول شمال أفريقيا تستعد لضربة دولية محتملة ضد مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، وأنه من المستبعد أن تقدم القاهرة كما دول الجوار على المشاركة ميدانيا في العملية العسكرية، إلا أنه سيكون لها دور لوجيستي.

ونقلت صحيفة "العرب" اللندانية القريبة من الامارات، نقلا عن "مصادر مطلعة" أن زيارة الفريق خليفة حفتر قائد الجيش الليبي للقاهرة مؤخرا، "كان من ضمن أهدافها التباحث في الموقف الذي يتجه نحو تسريع خطوات العمل العسكري في ليبيا، وفي مدينة سرت تحديدا".

 

ونقلت عن "مصدر أمني" إن القاهرة تقوم بدور كبير في منع تمدد الإرهاب من ليبيا إلى دول أوروبا، وتتعاون مع جهات مختلفة، ودلل على كلامه بعدد من الصفقات عقدتها مصر مع دول أوروبية، مثل الميسترال والفريم والرافال، وكلها تصب في إجراءات تأمين البحر المتوسط للحيلولة دون تمدد الإرهاب بين القارات، ومنع وصول الدعم اللوجيستي من جهات آسيوية لمراكز تجمع الإرهابيين في ليبيا.

مؤشرات التدخل في ليبيا لا تزال موجودة

 

وبرغم النفي المصري لأي علاقة بين هذه القوة الأفريقية وبين التفكير في توجيه ضربات لقوي ليبية متهمة بالإرهاب مثل داعش، ومجموعات اسلامية أخري تنتمي فكريا للإخوان أو تيارات اسلامية مستقلة، إلا أن ثلاثة تطورات هامة جرت الأيام الماضية أظهرت نوايا لتوجيه ضربات لليبيا من جانب مصر بالتعاون مع أمريكا وأوروبا، قد تكون هي الثاني قبل الذكري الخامسة لثورتها التي سيتحتفل بها الليبيون في 17 فبراير الجاري.

 

هذه التطورات المهمة هي:

 

(أولها): مزاعم نشرتها صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية تتحدث عن انتقال ابو بكر البغدادي زعيم داعش الى مدينة سرت الليبية، ونقل صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أمريكيين إن الولايات المتحدة وحلفاءها زادوا طلعات الاستطلاع الجوية وجمع معلومات المخابرات في ليبيا، وإنهم يعدون لضربات جوية محتملة وغارات.

 

(الثاني): زيارة مدير المخابرات الأمريكية لمصر في 17 يناير 2016، وتأكيد المتحدث باسم الرئاسة المصرية أنه كان هناك تركيز علي التعاون "الامني" والاستخباري"، وحديث "السيسي" عن "الجهود الجارية لتأمين حدود مصر الغربية الممتدة مع ليبيا"، وتأكيد مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على "التعاون في مكافحة الإرهاب ومواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في منطقة الشرق الأوسط".

 

(الثالث): زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية لويد أوستن لمصر (23 يناير 2016) بعد أسبوع واحد من زيارة مدير المخابرات الامريكية، وتكرار الحديث عن "مواصلة الجهود لمكافحة الإرهاب، وتأكيد السيسي خلال اللقاء أن "مصر حذرت مرارا من انتشار الإرهاب في المنطقة وعدم اتخاذ إجراءات فعالة لوقف تدفق المقاتلين الأجانب وإمدادات المال والسلاح للجماعات المتطرفة في عدد من دول المنطقة".

 

ترتيبات التدخل العسكري

 

وفي فبراير 2015، وعقب توجيه الطيران المصري ضربات جوية لأهداف في مدينة "درنة" الليبية يوم 15 فبراير 2015 قال إنها ردا على ذبح 21 قبطيا مصريا على الساحل الليبي بيد "داعش"، طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تفويضا من الأمم المتحدة للتدخل في ليبيا، بالتزامن مع تحرك مصري في مجلس الامن لتوفير السلاح لقوات الجنرال خليفه حفتر.

 

وقال السيسي في مقابلة لإذاعة "أوروبا 1" الفرنسية حينئذ عندما سئل عما إذا كانت مصر ستكرر الهجوم نفسه: "إن الموقف يتطلب فعل ذلك من جديد وبشكل جماعي"، ما يشير لنية التدخل ولكن بغطاء أقليمي أو دولي.

 

بيد أن واشنطن وأوروبا رفضا هذا العرض المصري لضرب ليبيا، وانتقدته صحف أمريكية وصفت الضربات الجوية التي وجهتها المقاتلات المصرية لأهداف تابعة لتنظيم الدولة في مدينة "درنة" بأنها "غير ذات جدوى، وأنها ستزيد الأمور تعقيداً في ليبيا"

ولكن في 25 مايو 2015، قالت صحيفة "ميدل إيست بريفينج" أن  أمريكا تدرس "خيار السيسي" في ليبيا، وكتبت تؤكد أن "البنتاجون والمخابرات الأمريكية تدرس ما أشير إليه باسم "خيار السيسي" بالنسبة لليبيا".

 

وقالت إن إدارة أوباما تستعد لتمويل حفتر لتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد ائتلاف فجر ليبيا والفصائل الجهادية المتحالفة معه، ونقلت الصحيفة عن جنرال أمريكي متقاعد قوله: "البنتاجون يروج لتطبيق نموذج السيسي في ليبيا".

 

وقالت صحف غربية أن التحول في الموقف الغربي راجع لسيطرة تنظيم داعش على أكثر من 200 كيلومتر من الساحل الليبي على جانبي مدينة سرت التي تتوسط ساحل ليبيا على البحر المتوسط، وهجومه منذ ديسمبر الماضي 2015 على مناطق نفطية يطلق عليها اسم "الهلال النفطي" تقع على امتداد الساحل الشمالي لليبيا، ونوايا لتحويل سرت معقلا لداعش.

 

وقد وردت أنباء عن أن حوالي 5000 من تنظيم داعش أمنوا بالفعل أكثر من 10 حقول نفط رئيسية، ليضيف الملايين من الدولارات لتمويل تنظيم الدولة.

 

وقد دعا رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة جوزيف دانفورد، مؤخرا إلى تحرُّك عسكري حاسم لوقف انتشار تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًّا بـ"داعش" في ليبيا التي يستغلها لتكون منصة لتنسيق أنشطته عبر إفريقيا.

 

وأعرب دانفورد عن قلقه من انتشار داعش في ليبيا دون رقابة، وأضاف، في حديث مع الصحفيين خلال رحلة لباريس: "لابد أن تتخذ تحركًا عسكريًّا حاسمًا للتصدي لداعش، وفي الوقت ذاته تريد أن تقوم بذلك بطريقة تدعم عملية سياسية طويلة المدى"

 

وقد تحدثت مصادر غربية عن وصول قوات أميركية وروسية وبريطانية إلى قاعدة جمال عبد الناصر العسكرية الواقعة بجنوب طبرق بهدف المشاركة العسكرية ضد قوات داعش وربما قوات ليبية أخري تعتنق الفكر الجهادي.

 

فهل يكون تولي مصر هذه القوة الإفريقية خطوة لتوفير غطاء أفريقي يبرر التدخل في ليبيا؟ أم أن التدخل المصري سيكون بغطاء أمريكي اوروبي ولا علاقة للقوة الأفريقية الجديد بهذه النوايا شبه المؤكدة للتدخل في ليبيا، ولكن قيادة مصر لهذه القوة ستعطيها لقبا جديد يبرر التدخل أمام العالم؟