رويترز عن هزليات الإعدامات بمصر: هل هكذا تتحقق العدالة في زمن السيسي

- ‎فيتقارير


أحمدي البنهاوي
أعد فريق (رويترز) في مصر تقريرا كان من أبرز ما فيه نقل شهادات أسر شباب تم إعدامهم مثل محمود الأحمدي من الشرقية الذي أعدم بمزاعم قتل النائب العام أو هم على قائمة الإعدام مثل الشاب لطفي إبراهيم من كفر الشيخ بمزاعم قتل طلاب الكلية الحربية، لتنقل تقرير يدين انقلاب السيسي، مشيرة إلى أن الإعدام بات هو الوسيلة التي يدعي بها أنه يحقق العدالة التي تغنى بها في جنازة النائب العام هشام بركات.
واستعانت روتيرز بتقارير شبكات حقوقية ومنظمات دولية مثل العفو الدولية و”الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان” وهي منظمة وصفتها رويترز بالمستقلة تتولى توثي انتهاكات حقوق الإنسان في النطاق العربي، والتي قالت: إن المحاكم المصرية أصدرت أحكاما بالإعدام على أكثر من 3000 شخص منذ 2014 عندما تولى عبد الفتاح السيسي السلطة. وتلغى معظم هذه الأحكام عند إعادة النظر فيها أمام محكمة الاستئناف.

أما العفو الدولية فقالت إنه في السنوات الست السابقة صدر أقل من 800 حكم بالإعدام، وأنه من الصعب الحصول على إحصاءات عن عدد أحكام الإعدام التي تم تنفيذها. ولا تنشر مصر أرقاما رسميا كما أن أفضل مصادر المعلومات التفصيلية هي الصحف والمنافذ الإعلامية التي تربطها صلة وثيقة بالحكومة.

نتائج “رويترز”

وقالت الوكالة الإخبارية الأولى في العالم إنها راجعت التقارير الإعلامية لفترة 10 سنوات وأجرت مقابلات مع باحثين في مجال حقوق الإنسان في مصر والخارج. وأطلعت منظمة العفو الدولية رويترز على بياناتها.

وكشف هذا الجهد عن إعدام ما لا يقل عن 179 شخصا في الفترة من 2014 إلى مايو أيار 2019 بالمقارنة مع عشرة أشخاص في السنوات الست السابقة.

وأنه حدثت زيادة أيضا في عدد المدنيين الذين يمثلون للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية وكذلك عدد أحكام الإعدام التي أصدرها القضاة العسكريون. وأظهرت التغطية الصحفية التي قامت بها رويترز أن 33 مدنيا على الأقل أعدموا في أعقاب محاكمات أمام القضاء العسكري من 2015. ولم تنفذ أي أحكام عسكرية بالإعدام في الفترة من 2008 إلى 2014.

وأشارت إلى أن الجرائم التي تصدر أحكام بالإعدام على المتهمين بارتكابها تشكيل جماعة إرهابية واستخدام المتفجرات والاغتصاب، وتمثل عقوبة الإعدام جانبا من حملة أوسع نطاقا على الإسلاميين تشنها حكومة السيسي قائد الجيش السابق.

ونبهت إلى أن السيسي تولى السلطة في 2014 بعد عام من إطاحة الجيش بمحمد مرسي أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين وأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا. ومنذ ذلك الحين حظرت مصر جماعة الإخوان المسلمين ولجأ أعضاؤها إلى العمل السري.

آراء حقوقيين

وعن أرقام العفو الدولية نقلت رويترز عن الحقوقي جمال عيد مؤسس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومديرها، وصاحب الموقف المعروف من الإخوان قوله: “أرقام غير مسبوقة … ده انتقام سياسي”.
وقال تيموثي قلدس الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط إن توقيت الإعدامات “يشير إلى اتجاه مزعج من جانب الحكومة يبدو فيه أن الإعدامات أدوات انتقام في أعقاب هجمات إرهابية وليست جزءا من نظام جنائي منظم للعدالة”.

وقال محمد زارع الناشط الحقوقي ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهو منظمة أهلية متخصصة في البحوث والتحليلات، إن السلطات تشعر “أنها مضطرة لتقديم شيء ما للرأي العام. وعليها أن تقدم جثثا. وليس مهما إن كانوا قد نفذوا الهجوم أم لا”.

وقالت منى سيف التي شاركت في تأسيس جماعة “لا للمحاكمات العسكرية”، وهي جماعة مستقلة تهتم بالمدنيين الذين يحاكمون أمام المحاكم العسكرية وتقدم لهم المساعدة، “الاتجاه لإصدار أحكام الإعدام بدأ قبل قتل النائب العام لكنه تصاعد بعد الاغتيال”.

وبنهاية العام 2016 كانت أحكام الإعدام تنفذ كل شهر تقريبا. وقالت منى سيف إن هذا كان سبيل السلطات لبث الخوف في النفوس. وأضافت “لا توجد أي عواقب لما تفعله السلطات داخليا أو دوليا. فلم لا؟”

وفي 2017 منحت مجموعة أخرى من التعديلات المحاكم سلطة رفض شهود الدفاع كلهم أو بعضهم وقيدت فرص الدفاع في استئناف الأحكام. وقالت محكمة العدل الدولية إن هذه التغييرات “تمهد السبيل لصدور أحكام إعدام وإعدامات جماعية”.

وفي السنوات الأخيرة تمت إحالة عشرات القضاة للتقاعد ونقلهم من المحاكم الجنائية بل وقُدم بعضهم للمحاكمة. وفي أبريل تم تعديل الدستور لمنح السيسي سلطات جديدة في تعيين القضاة والنائب العام.

وقال الناشط محمد زارع “أسلوب السيسي في التعامل مع النظام القضائي يذكرني بالأب الروحي الذي يحرك كل الخيوط”. وأضاف “هذا هو النظام القضائي في مصر”.

 

 

الحكومة لم ترد
ولفت تقرير رويترز إلى أن “الحكومة” لم ترد على أسئلة تفصيلية من رويترز لهذا التقرير.

ولكنها أوضحت أن مصر ترد بأنها تخوض حربا على الإرهاب. وفي فبراير الماضي قال السيسي لقيادات زائرة من الاتحاد الأوروبي إن الشرق الأوسط وأوروبا يمثلان “ثقافتين مختلفتين”.

وأضاف أنه عندما يقتل الإرهابيون فإن أسر الضحايا تريد القصاص بالدم ولابد من إعطاء هذا الحق من خلال القانون.

وقال السيسي “كل منطقة لها ظروفها الخاصة بها … الأولوية في الدول الأوروبية هي تحقيق الرفاهية لشعوبها والحفاظ عليها، الأولوية في بلادنا هي الحفاظ على بلادنا ومنعها من السقوط والدمار والخراب كما ترون في دول كثيرة موجودة بجوارنا”.

سجل كفر الشيخ

واشارت “رويترز” إلى لقائها أسر بعض الشبان ممن تم إعدامهم ومنهم لطفي إبراهيم على مزاعم قتل طلاب الكلية الحربية بكفر الشيخ حيث وقال والداه: إن ابنهما لم يكن ينتمي للإخوان المسلمين رغم أن والده عضو في الجماعة.

وقالت كل أسرة من هذه الأسر إن ابنها تعرض للتعذيب لإجباره على الاعتراف وحرم من الاتصال بمحام. ولأسابيع أو لشهور ظلت الأسر لا تعرف شيئا عن مكان احتجاز الشبان. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن إعدامات كثيرة نُفذت بعد محاكمات شابها قصور.

وأشارت إلى أن أم لطفي إبراهيم (تهاني) أشارت إلى إلقاء قوات الأمن القبض على عامل البناء الشاب لطفي إبراهيم لدى خروجه من المسجد قرب بيته في هذه المدينة بدلتا نهر النيل في ربيع 2015.

وعندما تمكنت أسرته من رؤيته مرة أخرى بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر كان في السجن وكانت آثار التعذيب الوحشي بادية عليه.

وقالت والدته “نزّل كمه عشان ما نشوفش آثار التعذيب … بس أنا شفت حروق على دراعه”. وأضافت أن وجهه كان شاحبا وكان حليق الرأس.
وانتهى الأمر بإبراهيم، الذي كان في ذلك الوقت في العشرين من عمره، إلى المثول للمحاكمة بتهمة قتل ثلاثة من طلبة الكلية الحربية في تفجير قنبلة بأحد الشوارع.

وأقسم إبراهيم أنه بريء، وقالت أسرته إن محاميه كان لديه دليل براءته متمثلا في اعتراف منفذي التفجير الحقيقيين. غير أن السلطات ألقت القبض على المحامي وكان التجاهل مصير الأدلة الجديدة. ولم تطلع رويترز على الاعتراف.

وفي أوائل 2016، أي بعد عام تقريبا من القبض على إبراهيم، أدانته محكمة عسكرية وحكمت عليه بالإعدام. وكتب رسالة من زنزانته في السجن لأسرته وجه فيها كلمة لوالد واحد من طلبة الكلية الحربية القتلى.

وقال إبراهيم في رسالته “أشهد الله أني بريء من دم ابنك. والكل يعلم ذلك … وادعي لي وأنا مسامحك”.

وقالت والدته إنه عندما انتهى من كتابة الرسالة ووضع القلم تم اقتياده إلى غرفة الإعدام حيث أُعدم شنقا في يناير 2018 بعد بضعة أشهر من القبض على محاميه.

تشديد القبضة

ونبه التقرير إلى أنه في صيف 2015 أعلن السيسي أن القانون الجنائي المصري لم يعد يفي بالغرض منه. وقال إن مصر تواجه إرهابا وتحتاج محاكم وقوانين قادرة على تحقيق العدالة الناجزة.

وقال “إحنا مش ها نقعد خمس أو عشر سنين نحاكم الناس اللي بتقتلنا. يصدر حكم الإعدام ينفذ حكم الإعدام. إحنا هنعدّل القوانين اللي هتخلينا ننفذ القانون والعدالة في أسرع وقت ممكن”.

وكان السيسي يتحدث في جنازة النائب العام هشام بركات الذي اغتيل في تفجير سيارة ملغومة حملت السلطات مسؤوليته لجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية.

وفي العام 2016 قالت الحكومة إن 14 من أعضاء جماعة الإخوان اعترفوا بتنفيذ جريمة الاغتيال. ونفت الجماعة، التي تصر أنها جماعة سلمية، أي دور لها في اغتيال النائب العام.

وهز اغتيال النائب العام الحكومة إذ كان أرفع مسؤول يتم اغتياله منذ عشرات السنين. وبعد شهر من مقتله استحدثت مصر قانونا جديدا لمكافحة الإرهاب فرضت فيه عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على أي شخص تثبت عليه تهمة تأسيس جماعة إرهابية أو تنظيمها أو تمويلها.

 

الدجوي والأحمدي
والتقت رويترز مع والدة أحمد الدجوي، طالب الهندسة، واحد من عشرات الشبان الذين ألقت قوات الأمن القبض عليهم في الأسابيع التي أعقبت مقتل النائب العام بركات.

وقالت والدته غادة محمد إن السلطات احتجزته دون أن تتيح له الاتصال بمحام وعذبته بالصدمات الكهربائية وحرمته من الحصول على دواء مرض السكري الذي يعاني منه. ولم تستطع رويترز التحقق من صحة هذه الرواية.

وأضافت الأم أن ابنها من أنصار جماعة الإخوان المسلمين غير أنه لا تربطه صلة ببركات سوى أنهما يعيشان في حي واحد بالقاهرة.

وشهد متهم آخر اسمه محمود الأحمدي في المحاكمة الجماعية في قضية اغتيال بركات بأن المتهمين تعرضوا للتعذيب.

وقال في مقطع فيديو تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي “إحنا اتطحنا كهربا … معانا كهربا تقضي (تكفي) مصر لمدة 20 سنة”.

وأدين 28 رجلا في مقتل بركات وحكم عليهم بالإعدام في 2017. وكان من بينهم الدجوي والأحمدي. وأيدت محكمة النقض الحكم الصادر على الاثنين في أواخر 2018.

وفي فبراير من العام الجاري، بعد يومين من مقتل ثلاثة من رجال الشرطة في هجوم انتحاري بالقاهرة، نفذت السلطات حكم الإعدام في الدجوي والأحمدي وسبعة رجال آخرين.

وبدأ تجمع الأسر والأصدقاء عند مشرحة زينهم بالقاهرة عقب تلقيهم أنباء الإعدام. وكان مراسل من رويترز موجودا هناك.

جلس والد الدجوي خارج المشرحة محدقا في بوابتها وحبات مسبحته لا تتوقف عن الحركة بين أصابعه. وعلى الأرض بجانبه كان هناك كفن أبيض ليلف فيه جثمان ابنه.

وكانت شقيقة الدجوي تتحرك ملتاعة هنا وهناك. وحاولت صديقاتها تهدئتها. وقالت إحداهن “ما تخافيش. هتشوفيه”.

ولم يتم إخطار أسر الرجال قبل تنفيذ أحكام الإعدام فيما يمثل خرقا لقانون السجون المصري. فمن حق أسر من تصدر عليهم أحكام بالإعدام زيارة الأقارب المحكومين في اليوم السابق لتنفيذ حكم الإعدام.

وقال مصدر قضائي إن السلطات تخشى أن يرسل السجناء رسائل عن طريق أسرهم إذا سمح لها بمقابلتهم. وقال ضابط شرطة في المشرحة إن السلطات لا تخطر الأقارب قبل الإعدامات لأسباب أمنية.

وأضاف ضابط الشرطة “ما نقدرش نقول لهم المعاد (الموعد)، ما حدش يعرف حتى المساجين ما بنقولهمش. ممكن ينتحروا لو قلنا لهم. مش كل القانون يتم تطبيقه. دي سياسات دولة أكبر مني ومنك”.

وقالت غادة والدة أحمد الدجوي إن الأسرة لم تر ابنها لأكثر من عام. فقد حرمت الأسرة من زيارته في السجن مشدد الحراسة الذي كان محبوسا فيه في انتظار صدور الحكم وهو سجن العقرب الشهير في مجمع سجون طرة جنوبي القاهرة.

وقالت غادة “احنا في بلد مافيش قيمة للبني آدم فيه. فوضى قانونية وسياسية. والبلد كده داخلة على نفق مظلم”.

 

طابور الإعدام

وتحت العنوان السالف قدمت مصلحة الطب الشرعي المصرية أدلة على تعذيب متهم آخر هو الطالب عصام عطا للمحكمة التي حاكمته لكن هذا الدليل لم يفده في قضيته.

ففي اليوم الذي سلم فيه نفسه للشرطة لاستجوابه في واقعة إطلاق النار على شرطي توجه والده محمد إلى قسم الشرطة ومعه بعض الطعام.

وقال محمد إن عصام كان طالبا يدرس التصميم الجرافيكي بالسنة الرابعة في جامعة الاسماعيلية. وقال عصام لأسرته إنه لم يرتكب خطأ. وكان والده واثقا من عودته للبيت بسرعة وطلب منه تسليم نفسه.

لكن الشرطة ردت محمد على أعقابه. وحاول مرة أخرى في اليوم التالي.

ويقول محمد إن المسؤولين هناك ظلوا ينفون أنه محتجز في الداخل ونفوا معرفتهم بمكان وجوده.

غير أنه يؤكد أنه سمع صوت ابنه يصرخ داخل المبنى. ويضيف “قطّعني من جوه. رحت سايب المكان ورحت ماشي ما دريتش”.

وبعد عدة أيام ظهر عطا وستة رجال آخرين على شاشة قناة تلفزيونية مؤيدة للحكومة بمظهر أشعث وعليه آثار كدمات وقد بدا عليه الضعف قبل أن يعترف بدوره في قتل الشرطي. وشاهدت الأسر الرجال الستة على شاشة التلفزيون لكنها لم تعلم أين كانوا محتجزين.

وخلص تقرير أعدته مصلحة الطب الشرعي للقاضي الذي ينظر القضية واطلعت عليه رويترز إلى أن “من الممكن من الناحية الفنية … إصابتهم تلك يجوز فيها حصولها من مثل التصوير الوارد على ألسنتهم فيما أفادتنا به أثناء كشفنا عليهم. كما لا يوجد ما يمنع فنيا من حصولها. تم الاعتداء عليهم بواسطة عصي خشب وخيزران وصاعق كهربائي الكتريك وتم إطفاء سجائر مشتعلة في بعضهم”.

وقال التقرير الذي لم يسبق نشر شيء عنه من قبل إنهم ظلوا لفترة طويلة في الأصفاد.

وينتظر حازم محمد صلاح الذي حوكم في تلك القضية تنفيذ حكم الإعدام فيه في سجن الأبعادية في دمنهور. وقال لأسرته إنه تعرض للتعذيب عدة أيام ثم نقل إلى مكتب وكيل النيابة.

وقالت شقيقته هبة إن وكيل النيابة طلب منه الجلوس وعرض عليه كوبا من الكركديه وطلب منه التوقيع على الاعتراف دون أن يوجه إليه سؤالا واحدا. وأضافت أن حازم شرب الكركديه ووقع في هدوء.

وأكد المحامي شبل أبو المحاسن الذي كان من فريق الدفاع في القضية هذه الرواية.

والآن وبعد مرور ست سنوات ينتظر عصام الذي أصبح في أوائل العشرينيات من العمر تنفيذ الحكم بإعدامه.

وقد صدر الحكم عليه في 2017 وتأيد في نوفمبر 2018. ويقول أحد الباحثين بمنظمة العفو الدولية إن 61 رجلا ينتظرون تنفيذ أحكام بالإعدام أغلبهم من المسجونين السياسيين.

وتقول أسرة عطا إنه وقع اعترافا تحت الإكراه وإن استجوابه تم دون وجود محام معه.

وقال والده محمد “أنا باندم إني سلمته. أنا كنت فاكر إن البلد فيها قانون وإن هما هيسمعوا لروايته. بس هو اتعرض للإهانة والصعق بالكهرباء”.