الأرقام والحقائق تعصف بأكاذيب إعلام العسكر حول انهيار الاقتصاد التركي

- ‎فيتقارير

مع انطلاق حملة “نبع السلام” العسكرية التركية في شمال سوريا لإنشاء منطقة آمنة لتوطين مليوني لاجئ سوري ومنع حزب العمال الكردستاني من تأسيس دولة كردية تضم جنوب تركيا وشمال سوريا والعراق وإيران، قبل الاتفاق الذي تم توقيعه أمس، أصيب إعلام تحالف الثورات المضادة في كل من مصر والإمارات والسعودية بحالة من الصدمة والهستيريا، ويبدو أن شدة الصدمة أفقدت هذا الإعلام الموجه توازنه، فراح يطيش ويهذي دون وعي أو إدراك حول انهيار الاقتصاد التركي وهروب الاستثمار.

وبمطالعة عدد من فضائيات وصحف ومواقع هذا التحالف العدواني، نجد تقارير من عينة (الاقتصاد التركي على شفير الهاوية.. مؤشرات تسبق الانهيار لـ”سكاي نيوز عربي” التي تبث من الإمارات. وعلى قناة المحور “90 دقيقة يكشف أسباب انهيار الاقتصاد التركي، وعلى قناة الحرة الأمريكية “تقرير: تركيا تتجه نحو الانهيار الاقتصادي). هذا بخلاف الردح الذي تنشره  صحف ومواقع وفضائيات العسكر ليل نهار حول هذه المزاعم والأكاذيب.

ويعلق مصطفى عبد السلام، الخبير الاقتصادي، على هذه المزاعم، مؤكدا أن هذه التقارير مجرد  كلام أقرب إلى الأمنيات منه إلى حقائق وأرقام على الأرض، وأن الاقتصاد التركي يحتل المرتبة 16 عالميا، وفق مُعدَّل النموّ الحقيقيّ في الناتج المَحلّي، أو المرتبة 13 بين أكبر اقتصادات العالم، وفق الناتج المَحلّي الإجماليّ.

وفي مقاله بعنوان «انهيار الاقتصاد التركي؟» يتعجب عبد السلام من هذا الهراء، ولذلك ختم عنوان مقاله بعلامة استفهام كان يجب أن تتبع بعلامة تعجب ليكون استفهامًا تعجبيًّا من طرح هذه المزاعم؛ لأن الأرقام والحقائق تعصف بهذه الأكاذيب وتبدد هذه المزاعم.

وبحسب عبد السلام “تتجاهل وسائل الإعلام الأرقام والحقائق على الأرض، التي تقول إن هناك تراجعًا حادًّا في معدلات التضخم داخل تركيا، وهو ما دفع البنك المركزي إلى خفض سعر الفائدة على الليرة أكثر من مرة خلال فترة قصيرة. وتتجاهل أيضًا الزيادات الملحوظة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث ارتفعت بنسبة 11% لتزيد على 4.28 مليارات دولار في الفترة من يناير وحتى أغسطس 2019، حسب بيانات البنك المركزي التركي الصادرة اليوم الأربعاء”.

تهديدات ترامب

وحول انعكاسات تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي واحتفاء إعلام تحالف الثورات المضادة بها، وأن ذلك ربما يعيد إلى الأذهان تغريدة ترامب الشهيرة التي أطلقها يوم 10 أغسطس 2018 وما تبعها من فقدان الليرة نحو 30% من قيمتها وحالة الذعر التي سادت الأسواق حينئذ، يرى الكاتب أن هذه التهديدات والعقوبات تأتي لإرضاء بعض الأطراف الداخلية والخارجية، سواء داخل إدارته والكونغرس، أو في الخارج، مثل الأكراد الذين باعهم، وأن ترامب طبعة 2018 لم يعد هو ترامب طبعة 2019، حيث يعاني حاليا من مخاطر العزل من منصبه، ويعاني الاقتصاد الأمريكي كذلك من مخاطر الركود والدخول في أزمة تشبه الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008.

ويضيف المقال أن وكالات أنباء عالمية وصحفا كبرى تزعم انهيار الليرة التركية مقابل الدولار، رغم أن الليرة فقدت أقل من 2% فقط من قيمتها منذ بدء العملية العسكرية التركية على شمال سورية، وهو تحرك طفيف مقارنة بالمخاطر الجيوسياسية والانتقادات الدولية المحيطة بأنقرة والعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليها.

بل زعمت وسائل إعلام عربية انسحاب الشركات الأجنبية من تركيا، رغم أنه لا توجد شركة واحدة أعلنت انسحابها، وكل ما حدث هو إعلان شركة فولكسفاغن الألمانية إرجاء القرار النهائي بشأن بناء مصنع جديد في تركيا لحين استقرار الأوضاع، مع العلم أن الشركة موجودة بالفعل داخل تركيا وأعلنت أخيرا زيادة استثماراتها فيها عبر إقامة مصنع سيارات ضخم.

ولم تنسَ بعض وسائل الإعلام الكبرى أن تستدعي ملف الصراع على غاز شرقي البحر المتوسط ونفطه، حيث أشارت إلى أن تنقيب تركيا عن الغاز قبالة قبرص يثير التوترات في المنطقة.

مصادر قوة الاقتصاد التركي

ويقر الكاتب بأنَّ الاقتصاد التركي يعاني من مشاكل، شأنه في ذلك شأن الاقتصاديات الكبرى، مثل الاقتصاد الأميركي والصيني والألماني والبريطاني، لأسباب عدة، منها ما هو داخلي مثل كلف الطاقة وأعباء الديون والحرب على الإرهاب، ومنها ما هو خارجي مثل الحروب الاقتصادية التي تشنها بعض الدول على أنقرة وتداعيات الحرب التجارية الشرسة بين أكبر اقتصادين في العالم، وتنامي المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية حول العالم، والخلافات الأميركية الإيرانية والخليجية الإيرانية، وبما أن الاقتصاد التركي منفتح على أسواق العالم، فمن الطبيعي أن يتأثر سلبا أو إيجابا بمشاكل الاقتصاد العالمي، خاصة وأن به استثمارات أجنبية ضخمة ومنفتح على كل أسواق العالم.

ويشير الكاتب إلى نقاط ضعف داخل الاقتصاد التركي، منها فاتورة الديون الخارجية ووارداتها الضخمة من الوقود والمشتقات النفطية والغاز، لذا تخضع الليرة باستمرار للضغوط السياسية والاقتصادية، كما يجرى حاليا، حيث شهدت تراجعا طفيفا بسبب تداعيات العملية العسكرية التركية على شمال سورية.

لكن الثابت أن الاقتصاد التركي قوي، وأنه يصنف على أنه واحد من أقوى 20 اقتصادا حول العالم، وأنه يتجه نحو الانضمام إلى نادي العشرة الكبار بحلول العالم 2023 حسب خطة الحكومة، وأن هذا الاقتصاد واجه أزمات صعبة وتغلب عليها.

ويستدل الكاتب على قوة الاقتصاد التركي بما جرى أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008م والتي تسببت في ذعر شديد واضطرابات لمعظم الأسواق العالمية، لكن تركيا أفلتت من هذه التداعيات الخطيرة للأزمة.

وتكرر المشهد إبان الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته البلاد في منتصف عام 2016، وفي صيف 2018، ورغم تراجع الليرة نحو 30% عقب تغريدة دونالد ترامب الشهيرة وفرضه عقوبات على عدد من المسئولين الأتراك وزيادة حدة الحرب الاقتصادية الشرسة التي تعرضت لها البلاد، إلا أن الاقتصاد تعافى بشكل سريع، والأرقام الصادرة عن المؤسسات الاستثمارية الدولية تؤكد ذلك.

وينتهي الكاتب إلى أن ميزة الاقتصاد التركي أنه إنتاجي ولا يعتمد فقط على الدخل الريعي كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي. فقطاع الصناعة والزراعة هما قاطرة الاقتصاد، وإيرادات الصادرات تتجاوز 170 مليار دولار، وهناك إيرادات ضخمة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، سواء في قطاع العقارات والبنية التحتية، وهناك إيرادات السياحة الضخمة البالغة نحو 30 مليار دولار في 2018، وبالتالي ما حمى اقتصاد تركيا من الأزمات العالمية، تمتعها بذلك التنوع.