من الهزيمة النفسية والانصياع لمقررات الصهاينة وأهدافهم ومشاريعهم العنصرية الاستعمارية في فلسطين، عَبَرَ الرئيس المصري الراحل محمد مرسي بمصر من مواقف الهزيمة والتطبيع والعمالة، إلى ممرات الشجاعة والصمود تجاه القضية الفلسطينية بمجملها.
وعلى عكس “مبارك” الكنز الاستراتيجي لإسرائيل، أو رسول المحبة والعلاقات الحميمية “السيسي”، وقف الرئيس مرسي مدافعا عن القضية الفلسطينية بكل شجاعة وإقدام، قبل رئاسته وخلالها وعقب الانقلاب عليه، داعما لفلسطين والأقصى والقدس، مهددا الصهاينة بغضب مصر قيادة وشعبا، وهو ما زلزل أركان الكيان المغتصب واستجاب فورًا لمطالب الرئيس المصري محمد مرسي، الذي لم يعهد الانكسار أمام عدو، ومات شهيدا شامخا، بتآمر الصهاينة والأمريكان مع قائد الانقلاب السيسي.
قبل الرئاسة
كان الرئيس الشهيد محمد مرسي يعدُّ القضية الفلسطينية هي أمّ القضايا العربية والإسلامية، وأنها محور الارتكاز في الصراع الحضاري، خاصة مع الكيان الصهيوني؛ ففي حوار مع وفد فلسطيني في مارس عام 2012 قال مرسي: “القضية الفلسطينية تستقر في عقل كل مصري ووجدانه، وإن فلسطين ليست فقط تاريخًا وعقيدةً وجزءًا أصيلاً من تكويننا، ولكنها تعد حجر الزاوية للأمن القومي المصري، وإن الوقت قد حان لتقديم دعم أكبر ومساندة حقيقية يشعر بها الفلسطينيون”.
وبالرغم مما كانت تشهده الساحة المصرية من صراع سياسي شديد الوطأة في العشرية التي سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلا أن القضية الفلسطينية كانت مستولية على قلب مرسي، وماثلة في أعماله ونشاطاته السياسية، وقد وقع عليه الاختيار كعضو في لجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية، وكان عضوًا مؤسسًا باللجنة المصرية لمقاومة المشروع الصهيوني.
وحين كان عضوا في البرلمان المصري، ورئيسا للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين 2000 – 2005، سجلت المضابط مواقفه في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وكان من بينها عدّه أن “الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية حق لكل الفلسطينيين طالما أنهم يدافعون عن أرضهم وعن أعراضهم طبقا لكل المواثيق والشرائع السماوية والأرضية والمنظمات العالمية وحقوق الإنسان.. هم يدافعون عن أنفسهم وعن أرضهم والمعركة تقوم على الأرض الفلسطينية حتى طبقاً للقرار 181 فهي خارج الخط الأخضر”.
“والله لو تحرَّكت الحكومات العربية مع شعوبها لرحل الكيان الصهيوني من الوجود”.. هذا ما كان يؤكده مرسي دومًا، مشددًا على أهمية أن “تنصاع الأنظمة والحكومات العربية لرغبات شعوبها، واتخاذ موقف موحَّد تجاه الكيان الصهيوني الغاصب”.
وتعاقبت الأحداث في فلسطين خلال اشتغال مرسي بالعمل السياسي، فلم يقعد منها موقع المتفرج أو المنهزم، بل شهدت الأحداث كلها حضورًا لافتًا له، وجرأة في الصدع بالحق أمام الأنظمة المتخاذلة عن نصرة فلسطين وقضيتها؛ ففي العدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 2008/2009 كان مرسي في طليعة من يقودون الاحتجاجات في ميادين مصر؛ حيث أعلن غضبته آنذاك من موقف النظام المصري لإغلاقه معبر رفح في وجوه الفلسطينيين، معلنًا أن “فعاليات الإخوان متواصلةٌ وعلى كل الأصعدة، فكما نظمنا وسننظِّم المظاهرات والمؤتمرات، بدأنا في عمل مذكرات وشكاوى لتقديمها للمحاكم الدولية لإدانة الكيان في جرائمه بحق الفلسطينيين”.
مواقف لا تُنسى
في أعقاب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 وتشكيلها للحكومة، فرض الكيان الصهيوني حصارًا على قطاع غزة بدعم أمريكي كامل، وبتواطؤ من بعض دول الجوار في الوطن العربي، ما استنفر حفيظة الأحرار في العالم والذين سعوا جاهدين إلى اختراق هذا الحصار من خلال فعاليات عملية كان أهمها تسيير القوافل الإغاثية إلى القطاع المحاصَر؛ وحيث كان الدكتور محمد مرسي آنذاك رئيس القسم السياسي بجماعة الإخوان المسلمين، اتخذ قرارا بمشاركة برلمانيين تابعين لكتلة الإخوان (هما الدكتور حازم فاروق والدكتور محمد البلتاجي) في سفينة مرمرة التركية المتجهة إلى قطاع غزة، والتي استهدفها الكيان الصهيوني قبل وصولها، وتم احتجاز النائبين من قبل الاحتلال، حتى أفرج عنهما لاحقًا بعد تدخل الخارجية المصرية.
وقال مرسي في اليوم ذاته: “إنهم يعوِّلون على الشعوب العربية والإسلامية الكثير في رفع معاناة الشعب الفلسطيني؛ لتدفع النظم العربية والإسلامية تجاه مواقف جادَّة ضد الكيان، خاصةً بعد عملية القرصنة الصهيونية التي قام بها الكيان اليوم”، واصفًا ما حدث بـ”الجريمة الإرهابية الدولية المتكاملة، بعدما أكد الصهاينة أنهم لا يصونون عهدًا ولا اتفاقًا، ولا يعرفون كيف يعيشون في سلام، أو يعيشون مع غيرهم”، مشيرًا إلى أنهم كانوا دائمًا مصدرًا للفتن، ومؤكدًا أن “الصهاينة فعلوا بنا ما أرادوا بعدما أغرتهم مواقف النظم العربية الضعيفة”.
وعقب صدور “تقرير جولدستون” الذي أدان الكيان الصهيوني في جرائمه خلال العدوان على غزة عام 2008، طالبت السلطة الفلسطينية بتأجيل القرار، وهو ما أدانه الدكتور محمد مرسي- عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين- آنذاك، مؤكدًا أن “التقرير يُثبت بالدليل القاطع إجرام الصهاينة، وتأجيله يُثبت أيضًا “مدى ما وصلت إليه الأوضاع في السلطة الفلسطينية من عمالةٍ وخيانةٍ، واستسلامٍ للقرار الأمريكي والأوامر الصهيونية”.
مرسي والمقاومة
حظيت المقاومة الفلسطينية بدعمٍ وحفاوة من الرئيس الشهيد محمد مرسي، كما لم تحظ به من قبل؛ حيث كان دائم التأييد لها والدفاع عنها حتى آخر حياته؛ ففي أعقاب العدوان الصهيوني 2008/2009 دعا الإرهابي الصهيوني أفيجدور ليبرمان إلى خنق حركة حماس، وهو ما رفضه مرسي وطالب القيادة المصرية برد فعلٍ إزاء هذه التصريحات “التي تتسق في مجملها مع سعي الصهاينة الدائم والحثيث لإحراج مصر، وفصلها عن دورها وموقعها من أمتها العربية والإسلامية، التي ترى في المقاومة درعًا تحمي الأمة، وراية عزٍ ترتفع في زمان تعالت فيه دعوات الخنوع والذل والانكسار”.
كما أنه انتقد التصريحات الصهيونية، وخاصةً التي خرجت من القاهرة ضد الفلسطينيين والمقاومين- وعلى رأسهم حركة المقاومة الإسلامية حماس- أمام المسئولين المصريين الذين وقفوا متفرجين بل ومؤيدين لهذه التصريحات المتطرفة الشاذة”!.
أثناء الرئاسة
“لن نترك غزة وحدها، ومصر اليوم مختلفة تماما عن مصر الأمس”، كانت هذه الجملة أبرز ما صدح به الرئيس الشهيد محمد مرسي، في أثناء العُدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 2012، وأكثر مواقف مصر التاريخية الأشد وضوحا ومساندة للشعب الفلسطيني.
وقال أيضا: “قلوبنا جميعًا تتوق إلى بيت المقدس”.. “يا أهل غزة أنتم منا ونحن منكم”.. كلماتٌ كانت تمثل موقفًا خلّده التاريخ للرئيس الشهيد مرسي، دفع في سبيله ثمنا باهظا من سنيّ عمره حتى انتهت به رحلته شهيدًا صامدًا، بعد أن عاش بكيانه كله مدافعا عن فلسطين وقضيتها، وداعما لمقاومة الاحتلال.
فالقضية الفلسطينية، نقطة بدايتها كانت في قلبه، وأن نهايتها كانت في آخر لحظات حياته؛ حيث قضى شهيدا في قاعة المحكمة مدافعًا عن موقفه من المقاومة الفلسطينية، التي كان يُحاكم متهمًا بالتخابر معها!.
لن نترك غزة وحدها
ولم يكتفِ الرئيس مرسي بتأييد غزة بلغة الخطابة؛ بل تحرك على الأرض من خلال إرسال رئيس وزرائه في حينها هشام قنديل، على رأس وفد رفيع المستوى يضم عددا من الوزراء والقيادات المصرية الدبلوماسية إلى قطاع غزة.
وتبع زيارة رئيس الوزراء المكلفة من مرسي، وصول شخصيات من الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب لمؤازرة غزة، وعقدهم لقاء فيها، مطالبين بضرورة وقف العدوان الإسرائيلي.
وخلال زيارة قنديل لغزة التي كانت تُقصَف من الاحتلال الإسرائيلي، أكد مبعوث الرئيس مرسي أن بلاده تعمل على تحقيق التهدئة في القطاع، إضافة إلى دعمها للشعب الفلسطيني الذي يعاني من جراء العمليات العسكرية في قطاع غزة.
وبعد انتهاء العُدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أمر الرئيس مرسي بفتح معبر رفح البري الذي يربط القطاع بمصر على مدار الساعة، مع السماح لمئات المتضامنين العرب والأجانب، والقوافل الإنسانية والطبية، بالوصول إلى المستشفيات الفلسطينية.
القدس في القلب
ولم تكن غزة وحدها التي حظيت بدعم ومساندة الرئيس الشهيد ، فكانت القدس حاضرة في خطاباته، حيث قال في إحداها: “نفوسنا تتوق إلى بيت المقدس، وأقول للمعتدي: خذ من التاريخ الدروس والعِبر، أوقِفوا هذه المهزلة وإراقة الدماء، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبداً أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة”.
وفي هذا السياق، كشف رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، الشيخ رائد صلاح، أن الرئيس محمد مرسي كان يعتزم إطلاق مشاريع لنصرة القدس والأقصى.
وقال صلاح خلال حديث له في برنامج “بلا حدود”، على قناة “الجزيرة” في أكتوبر 2013: إن” خطوات جادة بدأت في أثناء حكم الرئيس مرسي، لإقامة سلسلة مؤسسات أهلية تتولى مهمة نصرة القدس والمسجد الأقصى”.
وأضاف: “يبدو أن بعض عناصر الدولة العميقة عرقلت دخولي إلى مصر أيام الرئيس مرسي، لإطلاق مشاريع نصرة القدس”.
وأشار إلى أنّ الرئيس مرسي كان يجري اتصالات، للاطمئنان على ما يجري بالمسجد الأقصى المبارك، وفي القدس عامّة.
وتابع: “كان هناك إعداد لقطاع واسع من الأئمة حتى يكونوا صوت القدس والأقصى المبارك لبناء تعبوي للجماهير المصرية والعربية، وكان هناك إعداد لعدة مؤسسات واعدة مهمة جداً، كلٌّ منها تتولى مهمة من المهمات لنصرة القدس والمسجد الأقصى المبارك”.
كما يُحسبُ للرئيس الشهيد محمد مرسي أنه كان أول رئيس مصري يستقبل وفدًا للمقاومة الفلسطينية في قصر الرئاسة إبان توليه منصب الرئاسة؛ فضلاً عن تقديم الدعم اللوجستي للمقاومة خلال العام الذي تولى فيه حكم بلاده.
بعد الانقلاب
في أعقاب الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي في يوليو 2013، واجه عددًا من الاتهامات من بينها “التخابر مع حماس”، إلا أنه كان يقف يؤكد من داخل قفص الاتهام أن دعمه للمقاومة حق وواجب يفخر به، وأن هذا الدعم لا يصح أن يتحول لتهمة يحاكَم عليها.
وهكذا انطلق الرئيس الشهيد في مواقفه وتصريحاته التي سبقت ثورة يناير من عقيدة راسخة، لتحريض الأمة وحكامها على مقاومة الكيان الصهيوني الغاصب ومقاومته؛ وبعد توليه منصب رئيس حزب الحرية والعدالة ثم توليه رئاسة مصر، كان يتعمد ألا يذكر اسم الكيان الصهيوني في كلامه، وكان يكتفي بالحديث عنهم بصيغة المجهول، وكان من أشهر تصريحاته في ذلك عندما سأله إعلامي مصري عن موقفه من معاهدة السلام مع “إسرائيل” فقال بلهجة واثقة يتجاهل فيها ذكر “إسرائيل”: “نحن 90 مليون.. فلا يمكن لخمسة مليون في أي مكان أن يخوفوا التسعين مليون”!
وحين تولى مرسي رئاسة بلاده لم يُشر من قريب أو بعيد إلى أي تعاون محتمل بين مصر و”إسرائيل”، حتى إن ما أُخذ عليه من توجيه خطاب لشمعون بيريز يصفه فيه بقوله “عزيزي بيريز”، قد تبرأ منه بعدها، وقال: “إن مواقفنا تجاه الجميع واضحة بشكل عملي، ولا نلتفت إلى ورقة خرجت من هنا أو هناك”.