لا يمر يوم بدون واقعة قتل أو مشاجرة في الشارع المصري، وسط غياب تام من قبل أجهزة الأمن في وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب؛ ليسود في مصر “قانون الغاب” أو البقاء للأقوى، وهو القانون الذي يحول مصر من شبهة دولة إلى اللا دولة، وهو الوضع الذي يحلم به جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، والذي يتخذ هذا الوضع لاستمرار حكم مصر.
جرائم استيقظ عليها المصريون خلال الفترة القليلة الماضية، منها اعتداء مجموعة من الشباب على محل بالمنصورة بالأسلحة النارية، وأيضًا قتل الشاب محمود البنا على يد آخر في محافظة المنوفية، وجريمة الاعتداء على طالب في الصعيد، لتستمر معها جرائم الانفلات الأخلاقي والأمني لدى المصريين، بتشجيع من قائد الانقلاب العسكري نفسه.
يقول الحقوقي عماد الدين محمود: “لما دولة الأم المثالية تبقي فيفي عبده وشخصية العام يبقى صبري نخنوخ وأبو خمسين في المية يبقى رئيس والفاشل بيطلع ظابط والمحامي يتحبس والحرامي بره؛ الحقوقي أكيد ملوش حق وينضرب وينداس عليه بالجزم”.
مصالح العسكر
ونستطيع إجمال 6 أشياء تتعمد داخلية الانقلاب عدم تأمينها أو حمايتها؛ إمعانًا في تأديب الشعب على خروجه في ثورة 25 يناير 2011، ووقوفه ضد انقلاب العسكر في 30 يونيو 2013، وعلى رأسها المساجد ومباريات كرة القدم، والمظاهرات إلا اذا كانت مع الانقلاب، والشوارع إلا إذا كانت شوارع يقطنها أي عنصر ينتمي إلى عصابة الانقلاب.
ولا تؤمّن داخلية الانقلاب المنشآت الخاصة ولا حتى الحكومية إلا إذا كانت تمتُّ بصلة لجنرالات الجيش، ولا تقوم بتأمين الفتيات والسيدات من التحرش، والمحصلة أنها تقوم في النهاية بتأمين نفسها ومصالح العسكر من ثورة المصريين.
يقول الناشط سعد بسيوني: “أنا بقالي فترة بروح قسم الشرطة والنيابة.. وأحب أقول إن الداخلية ما هي إلا شوية بلطجية بعدين ياخدوا إتاوات من اللي داخل واللي خارج واللي ليه قضية واللي بيسأل عن أي حاجة شلة من الفشلة قاعدين بيتحركوا بالفلوس”.
وانتشرت مؤخرًا في الريف المصري حالات السطو المسلح، وقطع الطرق، والاعتداء على المارة بالأسلحة النارية والبيضاء، في ظل حالة من الانفلات الأمني تشابه ما عاشه المصريون إبان ثورة يناير 2011، وأثناء فترة حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، وهو ما عرف حينها بـ”تقاعس الشرطة”، حسب الأهالي.
ويرى محللون أن حالة الانفلات الأمني والسطو المسلح هذه المرة جاءت مقترنة بأزمات تعيشها مصر، من فرض الضرائب ورفع الدعم عن السلع الأساسية، إلى انتشار البطالة وزيادة معدلات الفقر وارتفاع الأسعار وزيادة أعداد الجائعين؛ ما دفع ببعض العاطلين إلى تكوين عصابات سطو مسلح؛ لقطع الطرق، والاستيلاء على الممتلكات نهارا.
انتشار الجريمة
ورغم أن قوات أمن الانقلاب عادت للشارع المصري بشكل مكثف إثر الانقلاب العسكري منتصف 2013، وانخفضت معدلات البلطجة مع بداية انقلاب السفيه السيسي، فإن جرائم السطو المسلح عادت بشكل أكبر مع التراجع الاقتصادي الذي يوفر بيئة خصبة لانتشار الجريمة، خاصة في ظل سوء توزيع الدخل.
ويرى المحللون أيضًا أن أشكال السطو المسلح التي تعجُّ بها الصحف بدأت بسرقة المصريين في الشوارع بالإكراه، وسرقة رجال أعمال وأثرياء ومهنيين، ثم طلب الفدية، وزاد الأمر ليشمل السطو على السيارات والبنوك وعربات نقل الأموال، ثم انتقلت الظاهرة إلى القرى، مع انشغال الأمن بمتابعة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وترك العناصر الإجرامية.
يقول الحقوقي والمحلل السياسي عمرو عبد الهادي: “أصبحت مصر بعد انقلاب ٣٠ يونيه للحرامية والضباط فقط بائع تين راس ماله عربه وقفص تين كل تهمته بياكل عيشه بعرق جبينه انتوا عارفين لو سارق قريه زي #نخنوخ و الا قاتل ممثله زي #هشام_طلعت_مصطفى و الا خاطف بلد زي #السيسي كانوا اعطوه التحية العسكرية”.
وظهر قبل عدة أسابيع في عزاء المطرب الشعبي الراحل “شعبان عبد الرحيم”، أكبر بلطجي عرفته مصر، بل هو أحد أهم قادة جيش المرتزقة الذين تجندهم داخلية الانقلاب، وهو “صبري حلمي حنا نخنوخ”، والذي خرج من محبسه بعفو من قبل السفيه السيسي”، وأعلن عن نفسه في عزاء شعبان.
ومثّل نخنوخ شبه أسطورة إعلامية اختلط فيه الحقيقي بالخيال الشعبي، لكن ما ثبت من تاريخه بحسب روايات المقربين منه للإعلام، إبّان اشتعال أزمته وتصدرها وسائل الإعلام عام 2012، يؤكد أن بدايات نخنوخ كانت صاخبة بما يكفي، فلم يُخف ابن أحد تجار السبتية في مطلع حياته ولعه بحمل الأسلحة حتى قاده الأمر لشجار به في أحد الملاهي الليلية، ومن ثم الاتهام في قضية حيازة سلاح دون ترخيص.
وحينما قرر “نخنوخ” صناعة مملكة المرتزقة خاصته، بدأها بمدرسة لتخريج البلطجية كانت نواة جيشه بعد ذلك، صالة رياضية لحمل أثقال خرجت العشرات من الحرس الشخصيين، الذين سيطروا على قطاع أعمال تأمين صالات الملاهي الليلية، مع خدمة توريد لا تتوقف للسياسيين والفنانين أيضًا، ما أسهم في بناء شبكة مرتزقة بطول العاصمة المصرية وعرضها.
اعترافات بلطجي
يقول الحقوقي والمحلل السياسي هيثم أبوخليل:” صبري نخنوخ بقدرة قادر أصبح رجل أعمال وراعيًا للحفلات الخيرية..! عليه جملة أحكام بـ٢٨ سنة تجارة مخدرات وبلطجة وحيازة أسلحة والسيسي أفرج عنه! لكي يكون وش القفص لرجال الأعمال في مصر!”.
أقر نخنوخ بعلاقاته الوطيدة بمسئولي نظام مبارك السابق، وتحديدًا بوزارة الداخلية قبيل دخوله للسجن، ورُصدت لامبراطورتيه أدوار حاسمة في حسم انتخابات مجلس الشعب على مدار دورات أعوام 2000 و 2005 و 2010 ، لإحكام سيطرة الحزب الحاكم على صناديقها، ظاهرة وثقتها المعارضة المصرية وقتها بشكل شديد الروتينية كجزء من قواعد اللعبة المعتادة مع نظام مبارك.
لعب نخنوخ دوره بفاعلية أكبر لصالح “بدر القاضي” في دائرة بولاق، وهو لواء سابق بأمن الدولة، وكانت علاقته بـ”القاضي” مفتاح التواصل مع قيادات الداخلية من المستويات العليا؛ حيث تم التعامل معه بصفته جزءًا مواليًا للنظام من تركيبة المجتمع.
هنا اكتسب نخنوخ حظوة عند رءوس الشبكة؛ الأمر الذي سهل له ترخيص أسلحة لجيشه، وكذا أجهزة لا سلكي مقصورة على الحيز الأمني، وفي هذه الأثناء اتضحت معالم شبكة نخنوخ التي كانت جزءًا من الشبكة الأكبر، وهي كيانات لم يجرؤ أحد على مهاجمتها في العلن والبحث عن المتورطين فيها إلا بعد ثورة يناير خلال ضجة الانفلات الأمني، ولكنها عادت الآن مع وجود السفيه السيسي على عرش الخراب.