نشرت صحيفة "ميدل إيست مونيتور" تقريرا سخرت خلاله من وعود عبدالفتاح السيسي للمصريين بتوفير سكن لكل مواطن محتاج.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "الحرية والعدالة" إن السيسي تعهد، بتوفير منزل لأي مواطن محتاج، قائلا:"أي مواطن يتقدم بطلب للحصول على وحدة سكنية سيحصل عليها".
وأضاف التقرير أن السيسي أشار إلى أن الحكومة ستقدم "شققا مدعومة لجميع المواطنين الذين يعيشون في مناطق خطرة وفي الأحياء الفقيرة"، مضيفا: "ها نحن هُم نبذل قصارى جهدنا لتلبية احتياجاتكم خلال الأزمة الحالية".
وأشارت الصحيفة إلى أن نتائج استطلاع أجراه المركز القومي المصري للدراسات الجنائية والاجتماعية في أغسطس من العام الماضي أظهرت أن 25 في المائة من المصريين يعانون من أمراض عقلية بسبب ارتفاع معدل الفقر في البلاد.
ووفقاً لإحصاءات 2017-2018 – وهي أحدث الإحصاءات المتاحة – ارتفع معدل الفقر في مصر إلى 32.5 في المائة، في حين أن عدد الأشخاص المصنفين على أنهم فقراء هو 20 مليون شخص.
غير أن معدلات الفقر في البلد قد زادت في السنوات الأخيرة نتيجة لانخفاض الإعانات الحكومية، وزيادة تكاليف أجور المترو والكهرباء والسلع الأساسية.
وقد أدى تفشى الفيروس التاجى خلال الشهور الأخيرة إلى تفاقم الوضع حيث تم تنفيذ حظر التجوال وأغلقت السياحة بعد توقف الرحلات الجوية فى محاولة لمعالجة المرض القاتل .
وبحسب مقال نشرته "ميدل إيست مونيتور" للدكتور داوود عبد الله، ففي أغسطس 2016، نشرت مجلة الإيكونوميست مقالاً بعنوان "خراب مصر"، وتحدثت عن مزيج خطير من القمع وعدم الكفاءة الاقتصادية واحتمال حدوث انتفاضة أخرى. ومنذ ذلك الحين، شدد اللواء السابق في الجيش عبد الفتاح السيسي قبضته على السلطة بطريقة تبدو الآن غير قابلة للنقض.
ومع بدء السيسي عامه السابع في منصبه (المغتصب)، سيتساءل سكان مصر البالغ عددهم 102 مليون نسمة عن حق عما حدث لحقوق الإنسان والحكم الديمقراطي والتنمية التي وعدوا بها في يوليو 2013، للأسف، تم إحباطهم جميعاً.
ولم تحرم جماعة الإخوان المسلمين فقط من الحريات الأساسية في التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير، كما توقع البعض، لكن حتى المؤيدون لانقلاب عام 2013 قد استُبعدوا من الساحة السياسية.
وعندما أعلن سامي عنان وأحمد شفيق، رفاق السيسي في الجيش، عن خطط لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2018، تم احتجاز الأول وأجبر على الانسحاب لاحقاً، وكان المرشح الوحيد الآخر الذي سُمح له بالمشاركة هو موسى مصطفى، زعيم حزب الغد، الذي بدلاً من القيام بحملة انتخابية لنفسه، قام بالفعل بحملة لصالح السيسي. هذه هي حالة الديمقراطية في مصر.
وبعد إعلانه عن نيته التنحي في عام 2022، وافق برلمان العسكر على تعديل دستوري في أبريل 2019 يمدد ولاية السيسي حتى عام 2024 ويسمح له بالترشح مرة أخرى في عام 2030.
سوء الإدارة
ومنذ الاستيلاء على السلطة، أعطى السيسي الجيش في البلاد دوراً أكبر في إدارة الاقتصاد المدني وتم تعيين كبار الضباط في مناصب إدارية في جميع قطاعات الدولة، ليس لأنهم كانوا لديهم الدراية الفنية أو الكفاءة، ولكن لأن السيسي أراد تأمين ولائهم.
وفي الوقت الحالي، يدير الجيش 25 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي على الإسكان والبنية التحتية، في الواقع، ذراعها الاقتصادية – جهاز مشاريع الخدمة الوطنية (NSPO) – لديها ما لا يقل عن 30 شركة تعمل في أنشطة تجارية تتراوح بين إنتاج الأسمنت والأسمدة إلى ملكية محطات البنزين والنقل ومصايد الأسماك ومزارع الدواجن.
وفي وقت متأخر، أصبحت المعارضة لهيمنة الجيش على الاقتصاد المصري أكثر صخباً، وتزداد شركات القطاع الخاص إرهاقاً لأن الشركات العسكرية معفاة من الضرائب والرسوم الجمركية، في حين أنها مثقلة بأعباء الضرائب والرسوم الجمركية.
وفي محاولة لتهدئة هذه المخاوف، عرض جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في وقت سابق من هذا العام 10 من شركاتها للمستثمرين المحليين والأجانب، ومع ذلك، فإن الجيش يشتهر بالحفاظ على سرية حساباته وهو محظور على التفتيش من أي مصدر ولذلك، يبقى أن نرى من ومدى عدد رواد الأعمال الذين سيخاطرون بالاستثمار في الشركات التي لم تتم مراجعتها.
وفي تقرير نُشر في أبريل 2019، قدر البنك الدولي أن 60 في المائة من سكان مصر إما فقراء أو ضعفاء وأن عدم المساواة في ازدياد، وكثيرا ما ترتبط مستويات الفقر وأوجه عدم المساواة بالمناطق؛ وهكذا، ففي حين أن معدلات الفقر منخفضة إلى 7 في المائة في مدن مثل بورسعيد، فإنها ترتفع إلى ما يصل إلى 66 في المائة في أجزاء من صعيد مصر.
الرز الخليجي
وخلال الفترة من يوليو 2013 إلى أغسطس 2016، ضخت دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات والكويت، ما يقدر بنحو 30 مليار دولار من المساعدات من أجل تحقيق الاستقرار في نظام السيسي، وقد تم ذلك إلى حد كبير من خلال الودائع لدى البنك المركزي المصري وتوريد المنتجات البترولية كمنح، ثم عندما بدأت أسعار النفط في الانخفاض في النصف الثاني من عام 2014، بدأ تدفق التمويل الخليجي إلى مصر في التدفق، مما اضطر النظام إلى السعي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في عام 2016.
وعلى الرغم من عملية الإنقاذ التي قامت بها الوكالات الدولية، لا يزال الاقتصاد مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالخليج من خلال التجارة والاستثمار والسياحة والتحويلات المالية، وقد انخفضت جميع هذه الأوبئة بشكل كبير بسبب جائحة الفيروس التاجي.
وعادة ما يحول العمال المصريون في الخليج نحو 25 مليار دولار سنوياً، ووفقا للبنك الدولي، من المتوقع أن تنخفض تدفقات التحويلات بنسبة 19.6 في المائة هذا العام في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن 73.5 في المائة من الأسر قد عانت من انخفاض في دخلها بسبب هذا الوباء.
وطوال السنوات السبع الماضية، أساء الجيش المصري التعامل مع الاقتصاد والقضايا الحساسة للسيادة الوطنية. لم تتحقق "الانتفاضة" التالية التي توقعتها "الإيكونوميست" في عام 2016، لكنها قد لا تكون بعيدة.
وعندما تنازل السيسي عن السيادة على جزيرتين في البحر الأحمر، تيران وصنعافير، للمملكة العربية السعودية في عام 2016، شعر العديد من المصريين بشعور عميق بالأذى لعزتهم الوطنية، وهم يراقبون الآن عن كثب لنرى كيف سيفلح الجدل الدائر حول سد النهضة مع إثيوبيا.
ولا تبدو هذه الآفاق جيدة بالنسبة لنظام السيسي ولم تكن أي كمية من التهديدات والمناشدات كافية لثني الإثيوبيين عن فرض السيطرة الوحيدة على السد ربما يكون النظام قد أفلت من وقف جزر البحر الأحمر، لكن بالنسبة لشعب مصر، فإن النيل مختلف، إنه شريان حياتهم، وكما قال الرحالة اليوناني هيرودوت ذات مرة: "النيل هو مصر ومصر هي النيل".
ومن الواضح أنه إذا كان لمصر أن تخرج من هذه الحلقة الحالية من الفقر المزمن والتبعية فإنها تستحق قيادة أكثر كفاءة قادرة على دعم سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وخلق فرص متساوية لجميع مواطنيها.