الدعوة لانتخابات “نواب العسكر”.. هل تلهي المصريين عن كارثة هدم منازلهم؟

- ‎فيتقارير

في ظل دعوة المصريين لهزلية انتخابات مجلس نواب العسكر بعد شهر من الآن، تتزايد الاحتجاجات السياسية والشعبية لمحاولة تعديل المشهد السياسي والاجتماعي المأزوم بمصر. حيث يراهن السيسي ونظامه على عدد من الأحداث الكبرى لتُنسي المصريين المرار الطافح الذي يعايشونه بسبب الغلاء والفقر وهدم المنازل والعقارات التي بذلوا فيها الغالي والنفيس، وبجرة قلم يأتي السيسي ليزيلها بلا رحمة..

وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، الخميس، تلقي أوراق المرشحين لانتخابات مجلس نواب العسكر خلال الفترة من 17 سبتمبر الحالي وحتى 26 من الشهر نفسه، وقال رئيس الهيئة المستشار لاشين إبراهيم، في كلمة مكتوبة تلاها عبر التليفزيون إن "الجولة الأولى لانتخابات مجلس نواب العسكر ستجرى أيام 21 و22 و23 أكتوبر المقبل، بالنسبة للمصريين المقيمين في الخارج، ويومي 24 و25 أكتوبر في الداخل، على أن تجرى جولة الإعادة أيام 21 و22 و23 نوفمبر 2020 في الخارج، ويومي 23 و24 نوفمبر في الداخل".

العودة لمجلس 2010

وتأتي انتخابات مجلس نواب العسكر، بصورة جديدة هذه المرة للانقضاض على أي أصوات معارضة بأي شكل، واتخاذ استراتيجية إرضاء خصوم نظام السيسي من أقطاب نظام مبارك، الذين تؤكد التقارير المخابراتية أنهم ما زالوا يمتلكون قدرات كبيرة بالتأثير على الشارع المصري. ومن المتوقع أن يهيمن "مستقبل وطن" على برلمان العسكر المقبل بترتيب مخابراتي.

وفي هذا السياق كشفت مصادر برلمانية أن المسئولين عن تشكيل قائمة حزب "مستقبل وطن" لانتخابات مجلس نواب العسكر قرروا الاستعانة بعدد من رموز نظام حسني مبارك، في القائمة المدعومة من النظام والذين تواروا عن المشهد السياسي في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، وذلك بغرض الاستفادة من نفوذهم في بعض الدوائر الانتخابية. وبالفعل استقرت قائمة "من أجل مصر" بقيادة "مستقبل وطن"، على ترشيح عضو البرلمان عن الحزب الوطني المنحل، وزير الإنتاج الحربي السابق سيد مشعل، على مقاعد القائمة عن دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد. كما دفعت القائمة بترشيح رجل الأعمال البارز محمد أبو العينين عن الدائرة نفسها، الذي سبق أن شغل منصب رئيس لجنة الصناعة في مجلس الشعب السابق. وبعد وفاة النائب محمد بدوي دسوقي، شارك أبو العينين في الانتخابات الفرعية عن دائرة الجيزة في فبراير الماضي، وفاز على نجل النائب الراحل هشام محمد بدوي دسوقي، الذي اتهمه بشراء أصوات الناخبين في الدائرة مقابل الحصول على مبالغ مالية. وعلى إثر ذلك أصدر  حزب "مستقبل وطن" قرارًا بتعيين أبو العينين نائبًا لرئيس الحزب لشئون المجالس النيابية.
القائمة أيضا ستضم العديد من رموز نظام مبارك ممن وافقوا على شروط الانضمام إليها، وأهمها سداد مبلغ 5 ملايين جنيه لصالح حزب "مستقبل وطن"، فضلًا عن تحمّل حصة مساوية للمقعد في تكلفة الدعاية الانتخابية للقائمة. ومن أبرز المرشحين رئيس نادي سموحة الرياضي، رجل الأعمال ، محمد فرج عامر، ورئيس لجنة الشئون العربية في آخر دورتين لبرلمان مبارك، اللواء سعد الجمال.

رموز نظام مبارك

وذكرت المصادر أن من أبرز الأسماء المطروحة على القائمة أيضًا، نائب الحزب الوطني عن دائرة المراغة في سوهاج همام العادلي، والقيادي العمالي في حزب مبارك السابق جبالي المراغي، والنائب السابق عن الحزب في قنا معتز محمود، الذي يشغل حاليًا منصب نائب رئيس حزب "الحرية المصري"، علاوة على رئيس ائتلاف "دعم مصر" الحالي عبد الهادي القصبي، المعين من مبارك في مجلس الشورى السابق.

وأفادت المصادر بأن التحالف الذي يقوده حزب "مستقبل وطن"، استحوذ على مقاعد الجولة الأولى لانتخابات مجلس الشيوخ التي جرت الشهر الماضي، بإجمالي 11 حزبًا. وستنضم إليه ثلاثة أحزاب في انتخابات مجلس النواب، وهي: "المصريين الأحرار"، و"الغد"، و"العدل". ما يُنذر بتفكك ما يُعرف بـ"الحركة المدنية الديمقراطية"، وهي حركة معارضة للسيسي من بعض الأحزاب اليسارية والليبرالية، بعد موافقة ثلاثة أحزاب منها على الانضمام للتحالف الانتخابي للنظام.

ووفقًا لرئيس حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي" مدحت الزاهد، فإن الحركة استبعدت من عضويتها الأحزاب التي شاركت في انتخابات الشيوخ ضمن قائمة حزب "مستقبل وطن" خلافًا لقرار الحركة بمقاطعتها، ممثلة في حزبي "المصري الديمقراطي"، و"الإصلاح والتنمية"، بالإضافة إلى حزب "العدل"، نظرًا لاستناد الانتخابات إلى قانون يقضي بأن يكون نصف المقاعد بنظام القوائم المغلقة المطلقة.

يأتي ذلك فيما يسيطر  جهاز الأمن الوطني بشكل كامل على المشهد الانتخابي في الوقت الراهن، وقياداته تلتقي بالمرشحين المحتملين لمقاعد قائمة "من أجل مصر" في جميع المحافظات، وتعقد الاتفاقات في مكاتبهم حول المبالغ المالية المقرر سدادها.

اختيارات مضمونة 

وقد قرر مديرو المشهد الانتخابي من أجهزة أمن الانقلاب استبعاد جميع أعضاء مجلس نواب العسكر الحالي من المنضمين لتكتل (25-30)، والذين سجلوا العديد من المواقف المعارضة للسلطة الحاكمة، لا سيما عند تمرير اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، والتعديلات الدستورية الهادفة إلى استمرار السيسي في الحكم حتى عام 2030، من خلال تضييق الخناق عليهم في دوائرهم لحملهم على عدم الترشح، أو إسقاطهم عبر صناديق الاقتراع أمام مرشحين بارزين لحزب "مستقبل وطن".

وكشفت المصادر أن التصعيد ضد أعضاء التكتل لن يتوقف على إسقاطهم في الانتخابات المقبلة، بل سيمتد إلى مطاردة النائبين أحمد الطنطاوي وهيثم الحريري أمنيًا، على خلفية توجيه العديد من الاتهامات إليهما في بلاغات مقدمة إلى النائب العام، وهي تهم تتعلق بـ"مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها"، و"نشر أخبار كاذبة"، و"استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التحريض ضد الدولة".

وقسّم قانون الدوائر الانتخابية في مصر الجمهورية إلى 143 دائرة تخصص للانتخاب بالنظام الفردي، و4 دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم المغلقة، وهو النظام الذي يُهدر نحو 49 % من أصوات الناخبين، بإعلان فوز قائمة واحدة بجميع المقاعد في حالة حصولها على 50 % +1 من الأصوات، بما يقطع الطريق أمام الأحزاب غير المتحالفة مع "مستقبل وطن" في الحصول على أية مقاعد في البرلمان.

مشهد متكرر

وبذلك ستكون انتخابات مجلس النواب نسخة مكررة من انتخابات مجلس شيوخ الانقلاب، من استحواذ قائمة "من أجل مصر" المشكلة بمعرفة الأجهزة الأمنية على الغالبية الكاسحة من المقاعد، من دون اعتبار لأحزاب المعارضة التي أُقصيت تمامًا من المشهد السياسي بطريقة خشنة، أو حتى لأحزاب الموالاة، مثل "النور" السلفي و"المحافظين" و"السلام الديمقراطي" و"مصر بلدي"، التي لفظها النظام الحاكم من تحالفه الانتخابي.
وفاز حزب "مستقبل وطن" بـ127 مقعدًا في مجلس شيوخ العسكر من الجولة الأولى للانتخابات، مقابل 16 مقعدًا لحزب "الشعب الجمهوري"، و6 مقاعد لحزب "الوفد الجديد"، و4 مقاعد لكل من حزبي "المؤتمر" و"حُماة الوطن"، و3 مقاعد لأحزاب "التجمع" و"المصري الديمقراطي" و"الإصلاح والتنمية" و"الحركة الوطنية" و"مصر الحديثة"، ومقعد وحيد لحزب "الحرية المصري"، والمرشح المستقل هادي لويس مرجان عن دائرة محافظة القاهرة.
كما فازت قائمة "مستقبل وطن" بجميع مقاعد القائمة المغلقة في انتخابات مجلس الشيوخ، نتيجة عدم وجود قوائم منافسة لها، وذلك بنسبة مشاركة لا تتجاوز 14.23 % من عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، بإجمالي 8 ملايين و959 ألفًا و35 ناخبًا، من مجموع 62 مليونًا و940 ألفًا و165 ناخبًا مقيدًا بقاعدة بيانات الناخبين.

ورغم السيطرة الأمنية وإحكام السيطرة على كل مؤسسات الدولة، يبقى الشارع المصري الحاسم في أية تحركات أو ترتيبات، حيث يتصاعد الغضب الشعبي من سياسات الجباية التي يطبقها السيسي ضد المصريين، علاوة على حملات إزالة العقارات أو جباية أموال للتقنيين وليس للإصلاح أو التجميل والتعديل.. وهو ما عبر عنه الغضب المتنامي ضد قوات الأمن في مناطق الإسكندرية وسرياقوس بالقليوبية والوراق وروض الفرج وغيرها من المناطق التي دفعت الأجهزة السيادية لرفع تقارير للسيسي تحذره من الاستمرار في تلك السياسات القمعية.